بنت الحركة النسوية في ألمانيا قوتها منذ الستينات على أساس شعار "المساواة بين المرأة والرجل في الدخل"، إلا أن نساء شرق ألمانيا، اللواتي يعتبرن رائدات في هذا المجال، صرن يفضلن اليوم ترك التفوق في الدخل للرجل، والاهتمام أكثر بشؤون المنزل.


ماجد الخطيب: أظهرت الدراسة المعنونة "25 سنة على الوحدة الألمانية" أن نسبة عالية من النساء الألمانيات، وخصوصاً الشرقيات، يفضلن نموذج العائلة التي تعتمد على دخل الرجل في الأساس، وعلى نموذج العائلة التي يتساوى فيها دخل الطرفين.

أجريت الدراسة بتكليف من وزارة العائلة الألمانية التي تقودها الوزيرة مانويلا شفيسغ (41 سنة) من الحزب الديمقراطي الاشتراكي.

وذكرت الوزيرة في عرضها للدراسة أن الفرق بين نساء الشرق والغرب&لا يزال ملحوظاً رغم مرور 25 سنة على الوحدة الألمانية.

واوضحت أن نسبة النساء الشرقيات العاملات تزيد عن نسبتهن في الغرب، كما أن أوقات عملهن أطول، إلا أن الغربيات يتبوّأن مراكز عليا في الشركات والدوائر.

وعزت الوزيرة هذه المكاسب إلى الوحدة الألمانية.
الغريب في الدراسة هو ان الرغبة بترك مهمة تمويل العائلة للرجل أساساً، تأتي من النساء الشرقيات، اللواتي يعتبرن نموذج النساء الناجحات في الجمع بين العمل ومهمات البيت.

كما نوهت الوزيرة إلى أن تعاون العائلة الشرقية في أعمال البيت يعتبر نموذجاً آخر للعائلات في الغرب، لأن الصورة هنا تختلف كثيراً.

ويتضح من الدراسة أن 41% من النساء الشرقيات فقط يفضلن نموذج العائلة التي يتساوى فيها الرجل والمرأة في الدخل والعمل.

وكانت هذه النسبة ترتفع إلى 80% في العقود السابقة للوحدة، الأمر الذي يكشف مدى التغيير الذي أحدثته الوحدة الألمانية على المجتمع. وكانت النتيجة مفاجأة للوزيرة التي اعترفت بأنها تقف دائماً إلى جانب المساواة الكاملة بالرجل من ناحية العمل والأجر.

ولا يبدو أن تغيير موقف الشرقيات من شعار المساواة في الدخل يمكن تفسيره على أساس ضغط عمل البيت، وصعوبة مهمة تربية الأطفال، لأن 69% من الغربيات قلن إن العمل اليومي وتربية الأطفال يثقلان حياتهن كثيراً، في حين تحدثت عن هذه الاثقال نسبة 25% من الشرقيات فقط.

الجديد الآخر الذي تكشفه الدراسة هو ان تراجع شعار "المساواة في دخل البيت بين الرجل والمرأة" يترافق مع تراجع واضح بالرغبة في الزواج، وقالت نسبة عالية من الشرقيات انهن يفضلن العيش في شراكة يكون الرجل فيها الممول الأساسي، على أن تضطلع المرأة بدور تمويلي مكمل له.

سلامة العائلة قبل سلامة الدخل

ساهمت وزارة العائلة، والوزيرة أيضاً، في سلسلة من عشرات الندوات والنقاشات، في الولايات الألمانية الشرقية والغربية، دارت حول تحسين حياة العائلة بمناسبة الوحدة الألمانية.

وجاء في تصريحات الوزيرة شفيسغ ان المرأة صارت تعطي أهمية كبيرة لتنشئة الطفل والحفاظ على وحدة العائلة. وهذا يعني أن التخلي عن دور الممول إلى الرجل يرمي إلى تخصيص وقت أكبر لرعاية الأطفال، والحفاظ على العائلة من التمزق.

واعتبرت الوزيرة موقف النساء الألمانيات الشرقيات نموذجاً لشكل العائلة الحديثة الذي ينتظر أن يتطور في المجتمع الألماني ككل. وبالطبع، فإن مثل هذا التطور ينبغي ان يضع تربية الطفل في المقدمة، وأن يحقق اعتبار عمل البيت عملاً يستحق التقاعد للمرأة أيضاً.

وتعمل وزارة العائلة حالياً على وضع ضوابط لنموذج الشراكة (بدلاً من الزواج) وبما يحفظ للمرأة حقوقها أيضاً، وسبق للوزارة أن منحت امتيازات خاصة للعاملات أثناء تربية الطفل، كما أقرت حق العائلة، التي يعمل فيها الوالدان، في الحصول على ما يكفي من الوقت المخصص للأطفال.

وفرضت شفيسغ خلال فترة استيزارها تمرير قانون يحدد الحد الأدنى لأجور المرأة العاملة، في محاولة لتقريب دخل المرأة من دخل الرجل من نفس الكفاءة والعمر والخبرة.

بالضد من تذكير المجتمع الألماني

واجهت وزيرة العائلة دعوات مناهضي استقبال اللاجئين التي تقول إن النسبة العالية من الذكور الشباب بين الوافدين ستؤدي إلى تذكير المجتمع الألماني.

وقالت الوزيرة انها تنتظر الكثير من النساء والأطفال الذين سيلتحقون بآبائهم حسب قانون لم الشمل. وطالبت الوزيرة منح أولوية لدمج النساء والأطفال في المجتمع الألماني، وخصوصاً في تعلم اللغة الألمانية والتعليم عموماً ودورات التأهيل.

يجري حتى الآن تجميع عدد كبير من اللاجئين في قاعات واسعة وخيم كبيرة تتسع للمئات، وترى الوزيرة في هذا النوع من السكن خطراً كبيراً على الأطفال والقاصرين من الجنسين. ووجهت شفيسغ بضرورة وضع آليات دقيقة لحماية الأطفال من العنف الذي تشهده ألمانيا، بشكل يومي تقريباً، داخل مجمعات اللاجئين.

على صعيد ذي صلة، قدرت نقابة التعليم والتربية والعلوم في ألمانيا قبول 300 ألف طفل من أطفال اللاجئين في المدارس المختلفة هذا العام.

ويمكن لمثل هذا الرقم من الأطفال أن يخلق أماكن عمل لأكثر من 25 ألف معلم، كما قد يتطلب توسيع المدارس القائمة أو بناء مدارس جديدة. وسبق لوزارات التربية والتعليم في الولايات أن شكت من نقص في أماكن العمل المخصصة للمعلمين، وخصوصاً في اللغة والدروس العلمية.