امضت الباحثة البريطانية جين غودول سنوات في مراقبة قرود الشمبانزي في الغابات واكتشفت ان بمقدور هذه الحيوانات ان تقتل وتخوض الحروب، وبعد ان اصبحت ناشطة بيئية تقضي الآن مزيدا من الوقت في مراقبة البشر مؤكدة انها لم تفقد الأمل بهم.

وقالت غودول ان قرود الشمبانزي علمتها الكثير عن التواصل غير الشفهي. &وان الفارق الكبير بينها وبيننا انها لا تملك لغة منطوقة وكل شيء ما عدا ذلك يكاد ان يكون مماثلا لما نفعله نحن البشر مثل التقبيل والمعانقة والتبختر وهز قبضة اليد.

واضافت انها درست هذه الأشياء بامعان في القرود ولعل هذا هو السبب في اتقانها قراءة البشر. &واوردت غودول مثال الشخص الذي يُضبط متلبسا بعمل مشين فينكفئ ويرفض الاستماع بل يفكر بدلا من ذلك في كيف يستطيع ان يشن هجوما معاكسا. &وبالتالي فان الطريقة الوحيدة الممكنة لتغيير أحد ما هي الوصول الى قلبه.

وروت غودول انها حاولت الدخول الى قلب وزير البيئة الصيني ذات مرة لاقناعه خلال عشر دقائق بالموافقة على اعتماد برنامج شبابي من اجل بناء عالم افضل في مدارس بلده مستخدمة طريقة انثى الشمبانزي في الخضوع للذكر. &"فأخذتُ بيدي يد الوزير الذي تشنج وراح يشد محاولا تحرير يده ولكني لم استسلم بل وضعتُ يده على رأسي. &وفي البدء ران صمت مطبق ثم بدأ يضحك وفي النهاية تحدثنا لمدة ساعة ونصف الساعة ومنذ ذلك الوقت يُعتمد البرنامج في المدارس الصينية".

وقالت غودول ان مؤتمرات القمة التي تنظمها الأمم المتحدة لتحسين اوضاع العالم وتشارك هي فيها مع زعماء العالم تشهد الكثير من الكلام. &وفي حين انها ليست مضيعة وقت فان نتائجها تكون مخيبة.

ولاحظت الباحثة البريطانية في حديث لمجلة شبيغل ان البشر اداروا ظهورهم للعالم الطبيعي واصبح همهم المال والسطوة وان إعادة الصلة بالطبيعة عامل اساسي إذا أُريد انقاذ كوكب الأرض. &واكدت ان استدامة البيئة فكرة تفهمها حتى قرود الشمبانزي موضحة ان هذه القرود إذا تسلقت شجرة لا تقطف إلا الفواكه الناضجة فيها وتترك الأخرى الى ان تنضج وهذا يُسمى "استدامة".

وتناولت الباحثة المختصة بدراسة القرود العليا جين غودول ازمة اللاجئين في اوروبا قائلة ان البشر ليس من طبيعتهم الترحيب بالغرباء وان الثدييات الراقية غيورة جدا على مواطنها ومن طبيعتها حماية مواردها الغذائية فضلا عن اناثها وصغارها. &"وفي ازمة اللاجئين فان هذا يفسر الجانبين على السواء: &اللاجئون يهربون لحماية عائلاتهم من العنف والاوروبيون من الجهة الأخرى يخافون على فرص عملهم التي يحتاجونها لاطعام عائلاتهم".

ولكنها اضافت ان موقف الالمان المتعاطف عموما مع اللاجئين يعود الى "اننا كبشر طورنا في الواقع احساسا بالمسؤولية الاجتماعية وتجاوزنا غرائزنا الأساسية. &فنحن نستطيع ان نتجاوزها ونتجاوزها بالفعل. &وهذا ما يميزنا عن قرود الشمبانزي. &فهي وحشية وعدائية للغاية وجارها يُقتل إلا إذا كان انثى مغرية لم تنجب رضيعها الأول وفي هذه الحالة تكون مرغوبة".

وتطرقت الباحثة غودول الى اسباب اهتمامها بالقرود والعلاقة التي اقامتها مع اول قرد شمبانزي سمته ديفيد غرايبيرد قائلة ان العلاقة مع قرود الشمبانزي تُقام بالصبر وعدم التصرف تصرفا يوحي بالتهديد. &وقالت انها كانت ترتدي الملابس الملونة نفسها كل يوم وتجلس حيث يستطيع القرد ان يراها ولكنها لم تتحرك حين يكون موجودا هناك. &وبالتدريج لم يعد يخافها كما تخافها القرود الأخرى. &وذات يوم جاء الى مخيمها وأخذ موزة قدمتها له. &وبعد يومين جاء احد اصحابه معه.

ونفت غودول ان تلك كانت بداية علاقة رائعة بين الانسان والحيوان قائلة "ان افضل علاقة يمكن ان تقام مع شمبانزي هي علاقة من الثقة المتبادلة تماما".

وكانت غودول تعرضت الى انتقادات لتدخلها في حياة قرود الشمبانزي باطعامها الموز وملامستها. &واعترفت بأنها لو أُتيحت لها الفرصة مرة أخرى لاستخدمت طريقة اخرى. &ولكنها اضافت ان المرحلة كانت مختلفة وان اعطاء الموز الى القرود كان طريقة سريعة للحصول على معلومات.

وعن اهم اكتشاف حققته قالت الباحثة البريطانية ان ايجاد دليل على استخدام القرود أدوات وصنعها كان مهما للغاية. &وانها راقبت في مرحلة مبكرة من الدراسة القرد ديفيد غريبيرد يصيد النمل الأبيض مستخدما عصي أعدها بنفسه. &ولدى النظر الى الوراء فان هذا لم يكن بتلك الأهمية لأننا نعرف الآن ان حيوانات أخرى تصنع ادوات ايضا. &واضافت غودول "أنا شخصيا اجد ان هناك ملاحظات أخرى أكثر أهمية إذ وجدنا على سبيل المثال ان امهات شمبانزي قد تكون خيرة أو شريرة ولهذا آثار بالغة في نمو الطفل".

وعما إذا كانت الطبيعة المسالمة أو العدوانية هي السائدة بين قرود الشمبانزي قالت غودول ان العلاقات العائلية هي العلاقات الدائمة. &وإذا ماتت الأم فان الأخت الكبيرة أو الأخ الكبير يتولى رعاية اليتيم الصغير. &وفي احدى المرات لاحظت غودول وزملاؤها الباحثون ان ذكرا غريبا تبنى صغيرا يتيما &ولم يسمح له بالركوب على ظهره فحسب بل كان يتقاسم معه الغذاء ويجلس على حافة مضجعه للسهر عليه في الليل. & وفي حالة اخرى قتل صيادون اماً لاقتناص صغيرها من اجل بيعه. &وكان الصيادون يضعون القرد الصغير في كيس عندما هاجمهم قرد ذكر وكاد يفتك بهم ثم التقط القرد الصغير وعاد به مسرعا الى الغابة.

ولكن للقرود الشمبانزي جانبا سلبيا ايضا كما قالت الباحثة غودول مشيرة الى انها وزملاءها لاحظوا هجوما تعرضت له انثى وانتهى بقتل رضيعها. &كما ان الذكور تخرج من منطقتها وتتربص بمناطق قرود اخرى حيث تبقى ساعات تراقبها خلسة للانقضاض عليها. &وقالت ان هذا قد يكون شبيها بالحرب عند البشر مؤكدة ان القتل بين مجموعتين ليس نادرا. &ولكن غودول اضافت انها خلصت الى ان الشر صفة لا يمتلكها إلا البشر فالقرد الشمبانزي لا يخطط ابدا لقلع اظفار قرد آخر وطريقة قرود الشمبانزي في العدوان سريعة وشرسة تُقارن بهجمات العصابات.

وقالت غودول ان عالم القرود العاطفي شبيه بعالم البشر العاطفي من نواحي عديدة. &وإذا اخذنا السعادة مثلا فان الطعام الجيد يمكن ان يجعلها سعيدة حقا وإذا اعطيتها شيئا لذيدا تطلق اصواتا تعبر عن الفرح وتحضن بعضها البعض. &وهي تلعب وتدغدغ وتضحك. &ويمكن ان تشعر بالغيرة والحرج والدهشة. &كما انها تشعر بالاثارة وكأنها تقف مذهولة امام عجائب الطبيعة.

وقالت الباحثة غودول ان هذه المشاعر الأخيرة ربما أدت الى الدين الارواحي في مراحله المبكرة. ولكن مشكلة القرود انها تجلس وترى ولا تستطيع ان تناقش ما تشعر به. &فكل هذا الشعور يبقى محبوسا في داخل كل منها.

وبالتالي كانت اللغة هي الخطوة الحاسمة في الارتقاء الى الانسان. &فاللغة تتيح لنا الكلام عن الماضي والتخطيط للمستقبل وفي المقام الأول نستطيع ان نجمع اشخاصا من اصول مختلفة وذوي معارف مختلفة لمناقشة قضايانا.

وقالت غودول "ان هذا يمنحي املا فأنا ما زلت اعتقد بأننا أذكياء بما فيه الكفاية لأن لا ندمر كوكب الأرض، بيتنا الوحيد".

قررت غودول في النهاية الانتقال من الأبحاث الميدانية في الغابات الى العمل ناشطة من اجل السلام والبيئة. وبادرت الى تأسيس معهد باسمها هو معهد جين غودول الذي يتولى تمويل الحفاظ على قرود الشمبانزي واختارت التجوال حول العالم للدعوة الى الحفاظ على البيئة.