منذ دخول اتفاقية حظر الرشوة حيز التنفيذ قبل ١٥ عامًا لم تحاسب فرنسا ايًا من شركاتها بسبب ممارسات فساد خارج البلاد، ويرى البعض أن من الضروري الآن أن "تأمرك" فرنسا نظامها القضائي.

إعداد ميسون أبو الحب: وافقت شركة آلتسوم الفرنسية العام الماضي على دفع مبلغ غرامة ضخم بلغ ٧٧٢ مليون دولار (٦٨٨ مليون يورو) وذلك بعد اتهامها بدفع رشاوى الى مسؤولين في مختلف انحاء العالم بما في ذلك في مصر وفي اندونيسيا وفي السعودية.

واودع مبلغ الغرامة القياسي هذا في صناديق وزارة العدل الاميركية التي قاضت الشركة.

وقال دانييل لوبيغ، مدير الفرع الفرنسي لمنظمة الشفافية الدولية التي تعنى بمكافحة الفساد، "إنه لأمر مهين بالنسبة لفرنسا ألا يكون نظامها القضائي قادرًا على أداء هذه المهمات بنفسه".

فرنسا رائدة ولكن ...

كانت فرنسا من الدول التي سعت الى التوصل الى توقيع الاتفاقية الخاصة بحظر الرشاوى في الخارج في عام ١٩٩٩ في إطار المنظمة الاوروبية للتنمية والتعاون الاقتصادي، غير أن تقارير المنظمة ظلت تنتقد باريس منذ ذلك التاريخ.

ولم تصدر فرنسا ادانة إلا لسبعة افراد فقط، بسبب مخالفات بسيطة، وكان اعلى مبلغ غرامة تم دفعه هو ٢٠ الف يورو.

أما اهم قرار ادانة صدر بجهود فرنسية في حق شركة كاملة فتعلق بشركة "سافران لصناعة معدات الطائرات" غير ان الاستئناف ادى الى الغائه في كانون الثاني/يناير.

وقال باترك موليت، مسؤول قسم مكافحة الفساد في المنظمة الاوروبية للتنمية والتعاون الاقتصادي، في مقابلة مؤخرًا مع وكالة فرانس بريس، "كانت فرنسا من الرواد في ما يتعلق باتفاقية منع الرشوة خلال فترة مناقشتها، وبالتالي من المنطقي ان نلمس نتائج اكبر على صعيد تطبيق هذه الاتفاقية".

ولم ترد الحكومة الفرنسية على طلبات للرد على هذا التعليق.

انعدام الارادة السياسية

يقول البعض إن فرنسا لا تبذل جهودًا كافية.

واعتبر سيفران فيرز من "تريس الدولية"، وهي جمعية خاصة بمكافحة الفساد في اوساط الاعمال، ومقرها الولايات المتحدة، أن هناك مجموعة من الاسباب وراء ذلك، وقال "القانون الموجود في فرنسا كافٍ جدًا وافضل بعدة اوجه من قوانين دول اخرى بضمنها الولايات المتحدة، غير أن القضية لا تتعلق بالقانون، بل بانعدام الارادة السياسية لدى الجهات المسؤولة عن فرض القانون ثم شحة الموارد المالية وقلة الكوادر وضعف الخبرة والدراية".

غير أن كثيرين يشيرون الى نقص يعتبرونه مهمًا في أدوات القضاء الفرنسي، وهو مفهوم الصفقة على الطريقة الاميركية.

مثل هذه الاتفاقات تسمح لشركات بالموافقة على دفع غرامات، وعلى تقبل برامج مراقبة لتجنب تشويه السمعة المدمر ونفقات المحاكمات.

الصفقة للحماية من التدمير

وكانت هذه الاتفاقات وتحمل ايضا اسم "محاكمات مؤجلة" قد ظهرت في سبعينات القرن الماضي مع انتشار المخدرات بين شباب دون السن القانونية بهدف تجنيبهم دخول السجن.

وفي التسعينات تم تطويرها لملاحقة الفساد دون أن يؤدي ذلك الى تدمير الشركات بشكل نهائي ودائم، لو تم جرهم الى المحاكم.

وتمت تسوية قضايا دولية كبرى بضمنها قضية شركة آلستوم بهذه الطريقة.

وفي بريطانيا والمانيا وسويسرا، تم تطوير وسيلة الصفقة وبنجاح ضد الفساد، وقد دعت منظمة الشفافية الدولية فرنسا الى فعل الشيء نفسه.

وقال لوبيغ "أثبتت التجربة أن الصفقات اسرع طريقة للتسوية وأسهل بالنسبة للشركة وبالتالي فهي اكثر فعالية".

يجب تغيير السلوك

لكن هذه الفكرة&لا تزال غير مريحة تمامًا بالنسبة للاوروبيين الذين يخشون من ان تستخدم الشركات الصفقات للتخلص من المآزق.

وقالت ليتيشيا ليبير من منظمة شيربا غير الحكومية، التي تضم محامين، ومقرها باريس، وتعمل على النظر في الكيفية التي يمكن بها لفرنسا ان تغيّر قوانينها الخاصة بالرشاوى، قالت "ربما فرضت على آلستوم غرامات عالية، لكنّ المدراء&المسؤولين في النهاية عن هذا السلوك&لا يزالون في مناصبهم".

وأضافت "لسنا ضد نظام الصفقات في فرنسا لكن علينا ان نضمن انها ستغيّر سلوك الشركات وأن تؤدي الى محاسبة اكبر. وإلا ستعتبرها الشركات مجرد كلف اضافية اعتيادية".

وأيد موليت فكرة انه لا يمكن للصفقات ان تكون حلاً لكل شيء، وقال إن هناك اشارات واضحة صدرت عن فرنسا في اتجاه مواجهة هذا التحدي بشكل جدي اكثر من ذي قبل، كما حدث مع تعيينها نائبًا عامًا وطنيًا ماليًا العام الماضي ثم إدخالها اصلاحات اخرى هذا الخريف.

وفي تموز الماضي، تعهد وزير المالية، ميشيل سابان، باستبدال هيئة مكافحة الفساد الحالية التي لا تملك إلا القليل من الصلاحيات للتحقيق في القضايا بهيئة تملك صلاحيات اكبر.

وقال موليت "يمكننا ان نتأمل في ان تكون الهيئات الجديدة اكثر فعالية ونشاطًا وتخصصًا والمنظمة الاوروبية للتنمية والتعاون الاقتصادي على استعداد للعمل مع السلطات الفرنسية من اجل تحسين القانون الخاص بالرشوة في الخارج"، ثم اضاف "كان هذا جزءًا كبيرًا من المشكلة في الماضي… ففي مواجهة هذا النوع من الجرائم نحتاج الى الموارد والخبرات الصحيحة، كمًا ونوعًا".&