عودة الناشط وائل غنيم إلى الساحة المصرية أثارت الكثير من التأويلات، لا سيّما بعد غيابه الطويل، البعض اعتبره أداة مخابراتية تهدف لزج مصر في آتون النزاعات، فيما برّر البعض الآخر غيابه ورحّب بعودته.

القاهرة: فجأة وبعد صمت امتد لسنوات، منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013، عاد الناشط المصري وائل غنيم إلى المشهد المصري عبر تدوينتين كتبهما على صفحته الشخصية في موقع "فيسبوك"، الأولى عن مؤسس حركة "6 أبريل" أحمد ماهر، المسجون بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وصفه فيها بأنه شاب وطني لم يسرق ولم ينهب، داعيًا إلى الإفراج عنه، وسرد في التدوينة الثانية موقفه من تظاهرات 30 يونيو، وما تلاها من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، والذي وصفه بـ "الإنقلاب العسكري".
&
أداة مخابراتية
&
لكن لماذا يتحدث غنيم الآن؟ سؤال طرحته "إيلاف" على مجموعة من الناشطين الذين عاصروا الأحداث معه.
&
الناشط السابق في حركة "6 أبريل"، طارق الخولي، عضو اللجنة التنسيقية لقائمة "في حب مصر"، قال إن "مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، كشف كيف تمت صناعة وائل غنيم من قبل غوغل والمخابرات المركزية الأميركية، لتصديره إلينا باعتباره ممثل الشباب ومفجّر ثورة يناير".
&
وأضاف: "وائل غنيم لم يكن موجودًا منذ بدايات الثورة التي أطاحت بنظام حكم حسني مبارك في 2011، ولكنه صُنع في عهدها، عن طريق فكرة خروجه من السجن بعد القبض عليه لإدارته صفحة (كلنا خالد سعيد) على موقع فايسبوك، ثم بعد ذلك تم تصديره إعلامياً بشكل معين، من أجل اظهاره وكأنه مُفجّر الثورة، وهذا لم يكن حقيقيًا، والدليل على ذلك أنه لم يكن يملك فى ذلك التوقيت إمكانية حشد أو فضّ المتظاهرين".
&
ويرى الخولي أن "عودة وائل غنيم إلى المشهد في هذا التوقيت مثير للريبة والتساؤل، خاصةً مع استمرار بعض أجهزة المخابرات المعادية لمصر في الدفع نحو السيناريوهات التى تدور فى المنطقة وفى بعض الدول العربية مثل سوريا واليمن وليبيا"، وتابع: "هذه المساعي لم تتوقف ولا تزال موجودة حتى الآن، وظهور وائل غنيم من جديد يؤكد أن هناك دولًا تحاول أن تستخدمه من جديد من أجل تحقيق سيناريو الفوضى في مصر، وهذا ما سيتم الكشف عنه فى الفترة المقبلة، نظرًا إلى طبيعة ما سيكتبه".
&
وأرجع الخولي، الذي عمل في الحملة الإنتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسي: "السبب الحقيقي في سكوت غنيم كل هذه السنوات"، إلى أنه "لا يتحرك من تلقاء نفسه، ولكن هناك من يحركه، والذي جعله يختفي هذه الفترة هو نفسه الذي حمله على الظهور والحديث من جديد".
&
وعن توقعاته لما سيكشفه غنيم، قال الخولي: "كل شخص يكتب التاريخ من منظوره، لا يستطيع أحد أن يكتب التاريخ بهذه الطريقة، لأنه يكتب بعد مرور أعوام طويلة، أي عندما تظهر كل الأمور بوضوح"، وتابع: "غنيم سيسعى إلى تجميل نفسه وتحسين صورته، كما انه سيحاول أن يسيء إلى الآخرين".
&
لا جديد
&
ليس هناك جديد في جعبة غنيم، هذا ما انتهى إليه الدكتور مصطفى النجار، مؤسس حزب "العدل"، وقال: "وائل غنيم لن يكشف عن مفاجآت جديدة في ما يخص أحداث 25 يناير 2011، أو ما بعدها"، وأضاف: "كل ما له علاقة بالثورة تم تدوينه فى كتاب وائل غنيم منذ عامين"، مشيراً إلى أن "كل ما حدث في 25 يناير وما تبعها من أحداث واضحة للجميع، وما يحدث حاليًا هو تزوير للتاريخ وللحقائق من قبل الثورة المضادة والاعلام الذي يحاول كتابة الثورة بإعتبارها مؤامرة".
&
ويرى النجار، وهو أحد رموز ثورة يناير ويقف حاليًا في خندق المعارضة لنظام حكم السيسي، أن "وائل غنيم تم استهدافه وتشويه صورته&بسبب انتمائه للثورة"، مضيفًا: "هو بريء من كل الاتهامات التى تلاحقه، كما أن أي حديث عن مؤامرة ضد مصر، هو نوع من أنواع العبث"، وتابع: "هناك من يريد إخفاء الحقيقية".
&
غياب غير مقبول
&
فيما انتقد الناشط عمرو عبد الهادى، عضو "جبهة الضمير"، اختفاء وصمت وائل غنيم طوال السنوات الماضية، وقال: "السكوت على الدماء التي سالت وصمة عار في جبين كل من رآها وآثر الصمت"، واصفًا عودة غنيم بالـ "محمودة"، وتابع: "توجه جيد، شريطة أنه حينما يسرد الماضي لا بد أن يراعي الحاضر ومن يتألمون منه". وأضاف عبد الهادي، الهارب خارج مصر بسبب دعمه لجماعة الإخوان المسلمين ومعاداته لنظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي: "ما سيقوله وائل لن يكون جديدًا، هو فقط يحاول أن يكون فاعلًا في المرحلة الحالية، لا سيّما بعد أن استشعر الخطر".
&
واعتبر عبد الهادي أن عودة غنيم تصب في صالح ما وصفه بـ "الاصطفاف الذي ننشده"، مشيرًا إلى أن "مجموعة مبادرة (احنا الحل) كانت أول من طرحت اسمه في شراكه وطنية عبر مرحلة انتقالية، وهو مرحب به على الرغم من تأخره في العودة، ولكن أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي"، ودعا عبد الهادي "كل من لم يحسم أمره من الصراع الدائر في مصر إلى العودة حتى يتقبله الثوار".&
&
غياب مشروع
&
من جانبها، قالت "زهرة"، شقيقة خالد سعيد، في تصريح لـ "إيلاف"، إنها لا تعرف شيئًا عن وائل غنيم، ولا يوجد تواصل بينهما منذ تدشين صفحة "كلنا خالد سعيد"، مشيرةً إلى أنها لم تقابل غنيم إلا مرة واحدة فى ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير. هذا والتمست العذر لـ"غنيم" في اختفائه، وقالت: "لم يختف وائل غنيم وحده فقط من الساحة المصرية، ولكن هناك الكثير ممن شاركوا في ثورة يناير اختفوا، وهم إما داخل السجون بتهم مختلفة، أو فروا للخارج، أو التزموا بيوتهم حفاظًا على سلامتهم".
&
التدوينات
&
منذ عودة غنيم للتدوين من جديد، كتب تدوينتين، الأولى في 27 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، وهي عن مؤسس حركة "6 أبريل"، الذي دعا إلى الإفراج عنه، وقال: " أحمد ماهر عمره ما عمل حاجة شايف إنها ضد مصلحة بلده، وعمره ما سرق ونهب فلوس أهل البلد الغلابة، وعمره ما تاجر بشعارات أو سعى لمناصب ميستحقهاش أو مش أهل ليها".
&
وأضاف: "لما هاحكي لأولادي عن مصر 2011، مش هانسى أحكيلهم عن الشاب المصري السكندري اللي وهو عنده 30 سنة انتفضت جهات سيادية ووسائل إعلامية وشخصيات سياسية عشان يحاربوه ويشوهوا سمعته. بالضبط كده، منظومة فاشلة بتحارب شبابها على إنهم هما الخطر اللي بيواجه البلد، مش الجهل والتخلف والفساد والظلم. والمهم إنهم لما لقوه مكمل في طريقه رغم كل اللي بيعملوه فيه، حبسوه".
&
وكتب غنيم التدوينة الثانية في 29 أكتوبر الحالي، فتحدث فيها عن بعض المواقف في تظاهرات 30 حزيران (يونيو) 2013، ووصف عزل الرئيس السابق محمد مرسي بـ "الإنقلاب العسكري". وسرد غنيم بعضاً من ذكرياته عن أحداث 30 يونيو.
&
وقال: "في يوم 22 يونيو 2013 اتصلت بأحد مستشاري الدكتور محمد مرسي لأوجه له النصح بأن يعلن الرئيس عن استفتاء شعبي أو انتخابات رئاسية مبكرة، وجاءني رد استنكاري بيتعلل بإن الحشد لـ 30 يونيو هو حشد فلولي طائفي وأن المشاركة هتكون ضعيفة. قلتله إني شايف العكس تماما وإن التظاهرات هتكون في الغالب أكبر من التظاهرات اللي نزلت ضد مبارك في 25 يناير، فقال لي: دي قراءة خاطئة وإنه في كل الأحوال، د.مرسي رئيس منتخب ولا تنازل عن الشرعية، فقلت له: بس إنكار الواقع وعدم التعامل معاه بشكل سياسي هيخلي الصراع يبقى في الشارع وإن ده هيتسبب في موجات من العنف تسيل فيها الدماء، فقال لي: لا بديل عن الشرعية وحماية الديمقراطية وأهداف الثورة وإن الإخوان مستعدون للتضحية بدمائهم لحماية ثورة يناير حتى لو مات منهم عشرة أو عشرين ألفًا".
&
وأضاف: "يوم 23 يونيو، قررت أسجل فيديو في محاولة لزيادة الضغط على الرئيس محمد مرسي بيطالبه بإنقاذ الديمقراطية وحماية الدم المصري وعمل انتخابات رئاسية مبكرة خاصة، وأنه بالفعل قد أخلف الكثير من وعوده وفقد الكثير من شعبيته وأن الغضبة الشعبية ضده حقيقية وإن البديل هيكون فتنة بين المصريين (والسؤال هو: لو كان مرسي أعلن عن استفتاء شعبي أو انتخابات رئاسية مبكرة. هل كنا هنعيش نفس المعادلة الصفرية الحالية؟)
&
ووصف غنيم تدخل الجيش المصري لعزل مرسي، بـ"الإنقلاب العسكري"، وقال: موقعتش استمارة تمرد، منزلتش تظاهرات الثلاثين من يونيو. مأيدتش الانقلاب العسكري كما يدعي البعض، مفرحتش كغيري ببيان الجيش كما فرح بيه البعض.
&
وقال غنيم إن عقارب الساعة عادت بمصر إلى العام 1984، وكتب: "يوم ٢ يوليو كتبت بوست إن اللي يعتقد بعودة النظام السابق واهم، والحقيقة إني كتبت اللي كنت مقتنع بيه وقتها، ولسه شايف إن على المدى الطويل استحالة مثل هذه الأساليب في إدارة الدول تستمر وينتج عنها حكم رشيد، لكن لا أنكر سذاجتي في كتابة ما كتبت يومها معتقدا أن عجلة الزمان لن تعود إلى الوراء. وأعتذر عما كتبته يومها لثبوت خطأه وعدم صحته. لأن عجلة الزمان عادت إلى الوراء. It's 1984".