كان لافتًا خلال تفجيرات باريس وتفجيري برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية، الاختلاف في التعاطي مع تصوير جثث الإنفجار حيث نأت فرنسا بنفسها عن تصوير مشاهد الجثث بعكس ما حصل في بيروت.

بيروت: خلال التفجير الذي شهدته باريس كان بارزًا احترام الجثث في مسرح الجريمة وعدم تصويرها، بعكس ما حصل في لبنان، إذ قام بعض الناشطين بتغطية الجثث بطريقة مؤذية، وكانت خطوة أظهرت الاختلاف بين ثقافة حرمة الموتى في فرنسا ولبنان بالنسبة للتعاطي مع مسرح الجريمة.

في هذا الصدد يقول الأكاديمي أمين كركي لـ"إيلاف" إن الصورة في الإعلام هي سلاح فتاك، أو ربما سلطة، وسلطتها خطيرة ومخيفة، الصورة أحيانًا "تقتل" على حد تعبير المخرجة الارجنتينية آنا كاتز، والصورة ليست حياديّة على الإطلاق، هي تهميش للآخر، وتعنيفًا له.

ويضيف:"الصورة رأي، موقف، ويبدو اليوم أن الصورة أخذت أعنف مظاهرها، خصوصًا مع عمليات الذبح والحرق الجارية التي تأتينا صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ويتابع:"لا يمكن أن ننكر أن الصورة استخدمت في الدعاية في التلاعب في التضليل في الحرب النفسيّة، في الوقوف إلى جانب فريق ضد "الآخر"، في تفسير جوانب من دوافع الحرب وأسبابها ونتائجها في نقل ملامح مما تسببه من مآس وآلام، وما تلحقه من تدمير وتهجير.

لذلك تمطرنا بعض القنوات التلفزيونيّة ومواقع التواصل الاجتماعي بمئات الصور المؤذية خصوصًا في ثقافتنا العربية، وتحديدًا في لبنان، التي تعري الإنسان من إنسانيته والسؤال اليوم على من يقع اللوم، هل على من يقتل أو من ينقل الصورة؟

الأخلاق الإعلاميّة

ويتحدث كركي عن أهم أسس الأخلاق الإعلاميّة فيقول إن أهم أسسها احترام الكرامة الإنسانيّة، مما يقتضي عرض الأخبار و الصور بما لا يمس هذه الكرامة جماعيّة كانت أي فئة أو ثقافة أو دين أو فردية مثل عرض صورة شخص دون إذنه، إن هذا يقتضي استعمال وسائل قانونيّة سليمة للحصول على المعلومات، بحيث لا يجوز استعمال أساليب الخداع أو التوريط أو الابتزاز أو التلاعب بالأشخاص مثل التسجيل أو التصوير غير القانوني.

حرمة الميت

ويقول المحلل الاجتماعي رياض علم الدين لـ"إيلاف" إن الصور التي تظهرها بعض مواقع التواصل الإجتماعي وكان آخرها إظهار جثث تفجيري برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، تشير الى أن حرمة الميت مفقودة، في بلد لم تعد فيه مفردات الموت وصورها تحترم الفرد كقيمة إنسانيّة واجتماعيّة.

وهذه الصور تأتينا أيضًا من مختلف مناطق الحراك العربي وهي تُعيد إلى الأذهان تصرفات غير انسانيّة، احتلتها وسائل الإعلام كافة، وتتكرّر المجازر المرتكبة اليوم بحق المدنييّن العزّل، أما هل الصورة المأساوية عن أفعال "داعش" في معظم الدول بما فيها لبنان في وسائل الإعلام كافة مسموحة؟

يجيب علم الدين :" لا يمكن تجاهل الخبر لأهميته ولكن لتكراره أصبحت ردود الفعل الانسانيّة والاجتماعيّة حول موضوع داعش باردة، أما تأثير فظاعة الصورة على المشاهد، فيؤكد أن ما يجري من فظائع له تأثير نفسي كبير وكارثي على الأشخاص، لكل من يتابع هذه الصور، بأي مكان في العالم، لأن الصور الصادمة التي تأتينا عن الجثث وغيرها من المآسي، لا يمكن أن يتصوّرها في بعض الأحيان الذهن البشري، وهذا يؤدي إلى صدمات لدى المشاهدين وإحساس المواطن، أو"الآخر" بالخيانة، ويمكن تشبيه الامر وكأن أي فرد يتعرّض لإساءة من شخص قريب جدًا منه كالأب أو أحد أفراد العائلة.