عقب اعتداءات باريس ولجوء الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ اجراءات استثنائية في التعامل مع الأوضاع الأمنية، توالت الاتهامات بحق هولاند، لا سيّما لجهة رغبته في الحصول على صلاحيات مطلقة، تؤثر بشكل مباشر على الديمقراطية والحريات العامة، وذلك ضمن حملة شعبوية يخوضها في وجه منتقديه.


إعداد عبد الإله مجيد: تسفر الاعتداءات الإرهابية الكبيرة عادة عن تنحية التفكير السياسي المتأني جانبًا لمصلحة العاطفة، ومع الميل إلى الرد بقوة عسكرية ساحقة، يأتي إغراء الحكومة بتركيز سلطات أكبر بيدها، وإعفاء نفسها من المحاسبة بطرق تنال من الممارسة الديمقراطية.
&
ويرى مراقبون أن رد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على اعتداءات 13 تشرين الثاني (نوفمبر) لم يشذّ عن هذه القاعدة، فهو أعلن في ليلة الاعتداءات أن فرنسا تعرّضت لـ "عمل من أعمال الحرب نفذه جيش إرهابي"، وبعد ثلاثة أيام قال إن فرنسا في حالة حرب، ودعا البرلمان إلى تعديل الدستور لمنح الرئيس "سلطات استثنائية".&
&
بنظر هولاند فإن السلطات التي يمنحها الدستور للرئيس في الأوضاع الاستثنائية ليست كافية، على سبيل المثال، فإن حالة الطوارئ يجب أن تنتهي بعد 12 يومًا، ما لم يقرر البرلمان تمديدها، لكن هولاند يريد إطلاق يده للعمل بحالة الطوارئ ثلاثة أشهر. كما يريد الرئيس إسقاط جنسية "الإرهابيين" المولودين في فرنسا، في حال إدانتهم، وكان سحب الجنسية يقتصر، حتى الآن، على من لديهم جنسية مزدوجة.
&
مراوغة قانونية
ضمن هذا السياق، انطلقت احتجاجات في فرنسا تُشبِّه مقترحات الرئيس هولاند بقانون الوطنية الأميركي على الطريقة الفرنسية. وتساءل منتقدون "لماذا وصف هولاند مرتكبي الاعتداءات بأنهم "جيش إرهابي"، مستخدمًا تسمية ليست معروفة في القانون الدولي، كما عبّر ناشطون حقوقيون عن خشيتهم من أن تكون هذه التسمية غطاء للإلتفاف على اتفاقية جنيف حول قواعد الحرب، مثلما فعل جورج بوش بنحته مصطلح "المقاتل العدو".
&
يريد هولاند أن يزايد على الحزب الجمهوري الجديد بزعامة الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي، وعلى اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين ممثلًا في الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن، على أمل الحدّ من الانتقادات التي تتهمه بعدم الكفاءة في المعركة ضد الإرهاب.

لكن محللين يستبعدون أن يفوز هولاند في المنافسة على من يكون الأشد قمعًا لمسلمي فرنسا، فهو يعرف أن هناك دائمًا ديماغوجيا أكبر تتفوق عليه، كما لاحظ الكاتب الفرنسي سيلفان سيبال في صحيفة نيويورك تايمز، مشيرًا إلى أن ساركوزي مثًلا اقترح وضع 11 ألف شخص يُشتبه في أنهم "متطرفون" تحت الإقامة الجبرية، فيما اقترح اليمين توقيفهم في معسكرات اعتقال.&&
&
العرقية تخدم داعش
في هذه الأثناء ترتفع أصوات من داخل حزب هولاند الاشتراكي، مُطالبة بإلغاء حق نيل الجنسية الفرنسية، بحكم الولادة في فرنسا، وتطلق الجبهة الوطنية، التي تمثل ربع الناخبين، دعوات متزايدة إلى "طرد المهاجرين غير القانونيين" وإعلان "صفر هجرة".
&
في هذه الأجواء المشحونة بالعداء للمسلمين، يتعيّن على الرئيس هولاند تذكير مواطنيه بأن إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في "موطن حقوق الإنسان" لن يتحقق إلا من خلال احترام الديمقراطية وانفتاح فرنسا التاريخي على الغرباء والمهاجرين والهاربين من الاضطهاد، كما أكد سيبال. وإذا تنكرت فرنسا لتقاليدها، ستكون اعتداءات داعش حققت هدفها، وهو أن تُري مسلمي فرنسا، الذين تقف غالبيتهم الساحقة ضد داعش، أنهم لن يُقبلوا أبدًا كمواطنين على قدم المساواة، وأن فرنسا هي باختصار عدوتهم، على حد تعبيره.
&