مع تصاعد السجال حول الاستفتاء القادم على عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي يرى مراقبون ان غالبية البريطانيين لا يعرفون لماذا كان بلدهم الذي خرج منتصرا من الحرب العالمية متلهفا على الانضمام الى هذا "النادي".
&
ويعتقد غالبية الباحثين ان بريطانيا كانت في ضائقة اقتصادية وان المجموعة الاقتصادية الاوروبية ، كما كانت تسمى ، توفر محركا اقتصاديا يمكن ان ينعش الاقتصاد البريطاني. &ويرى آخرون ان بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية كانت بحاجة الى اعادة النظر بموقعها الجيوسياسي بعيدا عن الامبراطورية وباتجاه موقع واقعي في قلب اوروبا.
&
ولكن المجموعة الاقتصادية الاوروبية في الستينات والسبعينات لم تكن في وضع يتيح انعاش أي اقتصاد. &فهي انفقت غالبية مواردها الضئيلة اصلا على الزراعة وصيد الاسماك ولم تكن لديها الوسائل ولا السياسات لدفع عجلة النمو.
&
وعندما حدث النمو فانه لم يأت من الاتحاد الاوروبي بل تحقق نتيجة اصلاحات اجرتها بلدان منفردة واقتدت بها بلدان أخرى ، سواء أكانت اصلاحات لودفيغ ايرهارد الاقتصادية في المانيا الغربية عام 1948 لجهة تنشيط العرض أو خصخصة مارغريت ثاتشر للصناعات المؤممة في الثمانينات. &وكانت سياسة الاتحاد الاوروبي إما نافلة أو ضارة ، كما في حالة اليورو ، بحسب البروفيسور الان سكيد استاذ التاريخ الدولي في كلية لندن للاقتصاد.
&
كما ان النمو البريطاني لم يتلكأ قط وراء نمو اوروبا بل كان يندفع متقدما بعض الأحيان. &وفي الخمسينات بلغ معدل النمو في اوروبا الغربية 3.5 في المئة وفي الستينات كان 4.5 في المئة. &ولكن في عام 1959 حين تولى هارولد ماكيملان رئاسة الوزراء كان المعدل الحقيقي لنمو اجمالي الناتج المحلي البريطاني نحو 6 في المئة ، كما تبين ارقام مكتب الاحصاءات الوطنية. &وكان معدل النمو يقرب من 6 في المئة حين اعترض الرئيس الفرنسي شارل ديغول على طلب بريطانيا العضوية في المجموعة الاقتصادية الاوروبية عام 1963.
&
وفي عام 1973 حين انضمت بريطانيا الى المجموعة كان معدل نمو الاقتصاد البريطاني معدلا قياسيا بلغ 7.4 في المئة. &وان وزير المالية الحالي جورج اوزبورن سيقتل نفسه من اجل تحقيق مثل هذه الأرقام اليوم ، على حد تعبير البروفيسور سكيد. &وبالتالي فان الاعتبارات الاقتصادية لم تكن وراء تلهف بريطانيا على العضوية.
&
فما الذي دفع بريطانيا الى بيع حلفائها من بلدان الكومنولث خلال الحرب العالمية الثانية مقابل العضوية في مجموعة تضم بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وفرنسا والمانيا وايطاليا؟ &لا سيما وان اربعة من هذه البلدان لم يكن لها أي ثقل دولي والمانيا كانت محتلة ومقسمة. &وفرنسا في هذه الأثناء خسرت حربا كولونيالية في فيتام واخرى في الجزائر. &وتسلم ديغول مقاليد السلطة لانقاذ فرنسا من حرب أهلية.
&
ومن المؤكد ان غالبية المحللين الواقعيين كانوا سينظرون الى هذه الدول على انها دول خائبة. &واشار ديغول نفسه ، بوصفه من أكبر الواقعيين ، الى ان لدى بريطانيا مؤسسات سياسية ديمقراطية وعلاقات تجارية دولية ومواد غذائية رخيصة من بلدان الكومنولث ، وانها كانت قوة دولية كبرى. &فلماذا تريد الانضمام الى المجموعة الاقتصادية الاوروبية؟
&
الجواب ان ماكميلان ومستشاريه الأقرب كانوا جزء من تقليد فكري يرى ان خلاص العالم يكمن في شكل من اشكال الحكومة العالمية القائمة على فيدراليات اقليمية. &كما كان ماكميلان يرتبط بعلاقة متينة مع جان مونيه الذي يتفق معه في اعتقاده هذا. &لذا اصبح ماكميلان ممثل الحكومة الفيدرالية الاوروبية في مجلس الوزراء البريطاني ، بحسب البروفيسور سيكد.
&
وفي كلمة في مجلس العموم دعا ماكميلان حتى الى تشكيل مجموعة اوروبية للفحم والفولاذ قبل أن تُنشأ فعلا المجموعة الاوروبية للفولاذ والفحم. &وقام لاحقا بترتيب معاهدة الارتباط التي وُقِّعت بين بريطانيا وهذه المجموعة. &وكان ماكميلان من تكفل بارسال ممثل بريطانيا الى مفاوضات بروكسل بعد مؤتمر مسينا الذي تمخض عن تأسيس المجموعة الاقتصادية الاوروبية.&
&
في اواخر الخمسينات دفع ماكميلان المفاوضات حول رابطة حرية التجارة الاوروبية باتجاه العضوية في المجموعة الاقتصادية الاوروبية. &وحين بدأ ديغول يحول المجموعة الى هيئة أقل فيدراليةً غامر ماكميلان بتقديم طلب العضوية الكاملة بأمل احباط المطامح الديغولية. &
&
وكان هدف ماكميلان بالتحالف مع الولايات المتحدة والاوروبيين من الداعين الى اقامة نظام عالمي فيدرالي ، اجهاض التحالف الفرنسي ـ الالماني الناشئ الذي عُد تحالفا بين النزعتين القوميتين الالمانية والفرنسية.&
&
واجتمع مونيه سرا مع ادورد هيث وماكميلان في مناسبات لا تُحصى لتيسير انضمام بريطانيا. &ورغم نصيحة رئيس السلطة القضائية اللورد كيلموير بان العضوية تعني نهاية السيادة البرلمانية البريطانية فان ماكميلان تعمد تضليل مجلس العموم وتضليل الجميع عمليا ، من زعماء دول الكومنولث الى زملائه في مجلس الوزراء والجمهور ، بأن الأمر لا يتعدى اجراء مفاوضات تجارية ثانوية ، كما يكتب البروفيسور سكيد في صحيفة الديلي تلغراف مضيفا ان ماكميلان حاول حتى &ان يخدع ديغول بأنه ضد الفيدرالية وانه صديق صدوق سيعمل لترتيب حصول فرنسا على صواريخ بولاريس من الاميركيين. &ولكن ديغول اكتشف لعبة ماكميلان واعترض على انضمام بريطانيا ، بحسب الأكاديمي سكيد.
&
وترك ماكميلان الى هيث مهمة دفع الأمور قدما وقام هيث مع دوغلاس هيرد ـ بحسب اوراق مونيه ـ بالعمل على جعل حزب المحافظين عضوا سريا في لجنة العمل للولايات المتحدة واوروبا برئاسة مونيه. &
&
ويقول كبير مستشاري مونيه وكاتب سيرة حياته فرانسوا دوشين ان حزبي العمال والديمقراطيين الأحرار فعلا الشيء نفسه لاحقا. &وفي هذه الأثناء قام اللورد غوسفورد احد وزراء الدولة للشؤون الخارجية الموالين لماكميلان في مجلس اللوردات بابلاغ المجلس ان هدف السياسة الخارجية للحكومة هو اقامة حكومة عالمية.
&
وتلقت لجنة العمل برئاسة مونيه دعما ماليا من وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الاميركية. &واصبحت المؤسسة الانغلو ـ اميركية الآن ملتزمة باقامة الولايات المتحدة الفيدرالية الاوروبية.
&
وما زالت هذه هي الحال اليوم. &فان لوبيات دولية قوية إثبات أن أي عودة الى الحكم الديمقراطي المستقل من جانب بريطانيا يعني نهايتها. &وأُعد مسؤولون اميركيون للقول ان فك ارتباط بريطانيا باوروبا سيؤدي الى استبعادها عن أي اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة وان العالم يحتاج الى معاهدة الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي (تي تي آب بي) التي تعتمد على بقاء الاتحاد الاوروبي.
&
ولكن المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية الاميركية أخذوا يتخذون موقفا مناهضا للاتحاد الاوروبي وتنشر مجلات مثل ناشنال انتيرست مقالات لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد. &وسيجد التحالف الدولي وراء ماكميلان وهيث الوضع أصعب هذه المرة لا سيما إزاء المصاعب التي تواجه منطقة اليورو وفشل سياسة الهجرة التي انتهجها الاتحاد الاوروبي وغياب أي سياسة أمنية متماسكة ، كما يكتب البروفيسور الان سكيد استاذ التاريخ الدولي في كلية لندن للاقتصاد في صحيفة الديلي تلغراف مختتما بالقول ان الجمهور البريطاني بعد ان استُغفل مرة سيكون من الصعوبة بمكان استغافله مرة اخرى.