تمثل مدن مثل ازمير وبودروم واسطنبول نقاط انطلاق مثالية للقوارب المنطلقة من تركيا الى اليونان، حاملة مهاجرين اغلبهم سوريون يأملون في الحصول على فرصة حياة افضل في اوروبا. يجري التهريب تحت نظر ومسمع الجميع والعمليات مستمرة.&

نرى في احد محلات مدينة ازمير، وهي ميناء بحري مهم في تركيا مجموعة من علب الكارتون الضخمة مع اشارة "صنع في الصين"، وهي تحوي قوارب مطاطية يمكن نفخها بالهواء.&
&
ومن المتوقع ان تنتهي هذه القوارب في غضون يومين على ساحل اليونان.&
&
فهنا في هذا المحل تباع القوارب التي تنقل اللاجئين الى اوروبا.
&
وقال صاحب المحل واسمه ايمري لزبون سوري، "نبيع يوميًا اكثر من عشرة قوارب، ولكنا كنا نبيع اكثر في فصل الصيف".
&
وأضاف: "حاليًا نبيع ستة قوارب من النوع الرخيص وخمسة من الاغلى. كم قارباً تريد؟".
&
محاولة اتفاق
&
والتقى مسؤولون اوروبيون مع نظرائهم الاتراك اليوم الاحد في محاولة لاقناع انقرة بالتدخل لوقف اضخم موجة هجرة تشهدها المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية.&
&
ورغم سوء الاوضاع الجوية حاليًا، وصل 125 الف طالب لجوء الى اليونان قادمين من تركيا خلال تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أي اكثر بأربع مرات من عددهم في كل أيام عام 2014، علمًا أن الجزء الاكبر من هؤلاء اللاجئين يغادرون من ازمير.&
&
في وضح النهار
&
وتجري عمليات التهريب في وضح النهار هنا، إذ ما ان يغادر المرء محل ايمري ويتوجه يمينًا الى شارع فوزي باشا حتى يلحظ لوحات تنتشر في كل مكان تشير الى محال مهربين واسعارهم.&
&
ويقول ابو خليل وهو مهرب وافق على التحدث لصحيفة الغارديان، "الى اليسار ترى فنادق يخصصها المهربون لاقامة زبائنهم. والى اليمين هناك محال التأمين"، وهي المحال التي يدفع فيها الركاب مبلغ الرحلة ليسلم لاحقًا الى المهربين ما ان يأتي إبلاغ بوصول الركاب الى ساحل اليونان.&
&
وعلى رصيف الشارع يمكن مشاهدة اشخاص يبيعون بالونات للاجئين لا لغرض الاحتفال، ولكن لشد الاغراض خلال عبور البحر.&
&
محال عديدة في هذا الشارع تبيع احذية وملابس، والاهم انها تبيع سترات نجاة بعضها بأحجام صغيرة للاطفال ويبدو انها تجارة مربحة جدًا.&
&
وقال احد اصحاب المحال في شارع فوزي باشا "لا نزال نبيع ما بين 100 و300 سترة نجاة الان. أما في الصيف فكنّا نبيع احيانا ألف سترة. حتى المصانع ما كانت قادرة على مواكبة الطلب".&
&
تركيا وغض النظر
&
عمليات تهريب البشر الواضحة جدًا في ازمير تدفع الى الاعتقاد بأن الحكومة التركية تغض النظر عنها.&
&
تركيا تمنع أغلب السوريين من الحصول على عمل شرعي ولا تمنحهم إلا القليل من المحفزات للبقاء في اراضيها، ويبدو أن المسؤولين لا يفعلون الكثير لوقف عمليات التهريب علمًا أن المحال الصغيرة في شارع فوزي باشا تقع بين مركزي شرطة يبعد احدهما عن الاخر مسافة تقل عن كيلومتر واحد. ومع ذلك فهم لا يفعلون شيئًا.&
&
الشيء نفسه ينطبق على بلدة شمشمة الساحلية غرب ازمير، والتي تنطلق منها القوارب في اتجاه جزيرة خيوس اليونانية.&
&
سائقو التكسي في البلدة يرفضون نقل المسافرين الى موقع انطلاق المراكب خوفًا من اتهامهم بالضلوع في التهريب، غير أن صحافيي الغارديان لاحظوا ان هذا المكان بلا حراسة ويمكن لأي شخص الوصول اليه.&
&
نفعل الممكن
&
ترفض الحكومة التركية هذه الانتقادات، وتؤكد أن الشرطة اعتقلت اكثر من 200 من كبار المهربين منذ عام 2014 كما ردت ثمانين ألف مسافر على اعقابهم، علمًا أن تركيا تستضيف اكثر من 2.2 مليون لاجئ سوري في اراضيها، وهو العدد الاضخم في العالم.&
&
وقال متحدث باسم الحكومة في رسالة الكترونية للغارديان، "إننا نبذل كافة الجهود الممكنة حاليًا لوقف تدفق اللاجئين وتجنب تكبد خسائر جديدة. ولكن، وحسب تجربتنا، نلاحظ أن اللاجئين يحاولون مرة ثانية وثالثة حتى لو منعناهم".&
&
هذا ويلاحظ انخفاض عدد اللاجئين منذ تشرين الاول/اكتوبر الماضي عندما كان 10 آلاف شخص يغادرون كل يوم الى اليونان في غضون 24 ساعة. ومع ذلك،&لا يزال العدد كبيرًا، فبعد ايام توقفت فيها الحركة بسبب سوء الاحوال الجوية وصل معدل عدد المسافرين الى خمسة آلاف شخص الاسبوع الماضي، وفقًا لمعطيات الحكومة اليونانية.&
&
ويقول مهربون، منهم ابو خليل المهرب من ازمير، وهو كردي سوري، إن عاملين يقفان وراء مد اللاجئين، "هناك اولا تفاقم اوضاع الحرب بسبب الضربات الروسية الاخيرة على مناطق يسيطر عليها متمردون حيث اصبحت الحياة لا تطاق".&
أما السبب الثاني فهو انخفاض السعر الذي يطلبه المهربون.&
&
وقال اثنان من المهربين إن سعر مقعد في قارب مطاطي ينفخ بالهواء الى اليونان انخفض من 1200 دولار في ايلول/سبتمبر الى 900 دولار قبل فترة ثم الى 800 قبل ايام.&
&
وقال ابو خليل: "الاشخاص الذين لم يكونوا يملكون ما يكفي من المال في السابق اصبحوا يأتون الآن".&
&
المغادرة
&
والى جانب هذه المناطق، يغادر اللاجئون عادة من بودروم التي تقع الى الجنوب وبعضهم يغادر من اسطنبول غير أن المسافة هنا ابعد عن الجزر اليونانية خوس وليروس وكاليمنوس.&
&
مغادرة ازمير سهلة على اية حال، فجادة فوزي باشا مليئة بأشخاص يرصدون السوريين، وهو أمر سهل للغاية، ثم يقتربون منهم لعرض تجارتهم عليهم. واذا ما تم الاتفاق يوضع المسافرون في فنادق بائسة ثم يؤخذون في شاحنات او حافلات في رحلة تدوم عدة ساعات في وقت متأخر من الليل وسط ظلام دامس واحيانًا يحشر عدد كبير من الاشخاص داخل شاحنة لنقل الماشية واحيانًا يمكن استخدام حافلات النقل العام.&
&
وعلى اية حال، لكل مهرب طريقته في العمل ولكن البداية والنهاية واحدة فهناك اولا اشخاص مثل ابو خليل عليه ان يجمع ما بين 40 الى 50 راكباً لملء قارب، وأن يلهيهم في فنادقهم لحين حلول موعد الانطلاق. وبعد ذلك، هناك سائقون يأخذونهم الى الساحل ثم عمال يسلمون قوارب المطاط والمكائن لدفعها ثم يجمعونها عند موقع الانطلاق.&
&
شبكات
&
عندما يكون الركاب سوريين بشكل رئيسي، فكل العاملين في عملية التهريب سوريون وعادة ما يتبعون مديرًا سوريًا. ولكن هذا المدير يحتاج ايضا الى شركاء اتراك مثل مالكي الاراضي الساحلية التي تنطلق منها القوارب وعادة ما يتعاون هؤلاء الملاك مع العديد من الشبكات ويتسلمون نسبًا عالية من الارباح لأن تعاونهم مهم لانجاح عمليات التهريب.&
&
وقال ابو خليل "لا يمكن الانطلاق من أي مكان كان، ولذا اقول إن للاتراك هنا دورًا مهمًا. فبدونهم لا يمكن أن نسير أي رحلة".&
&
وقال مهرب من شبكة اخرى إن جماعته يقومون بتأجير سواحل من اصحابها الاتراك لغرضين، الاول تسيير رحلات الى الجزر اليونانية، والثاني التمكن من تغيير المكان في اللحظة الاخيرة إذا ما اقتربت الشرطة.&
&
وقال محمد وهو مهرب سوري، "نراقب كل النقاط وعندما نلاحظ أن إحداها فارغة نسارع الى استخدامها. لا نترك شيئًا للصدفة فكل شيء مخطط".&
&
المكاسب
&
هذا وتحقق كل شبكة تهريب مكاسب كبيرة رغم ان الارقام تختلف أحياناً. فمحمد قال مثلا إن كل راكب يدفع في موسم الذروة 1200 دولار للشخص الواحد، ما يعني ايرادًا قدره 48 الف دولار بالنسبة لقارب فيه اربعون راكبًا.&
&
وعادة ما يتسلم جامعو الركاب ما بين 75 الى 300 دولار عن كل راكب ليتبقى مبلغ 36 الف دولار على الاقل.&
&
خلال فترة الذروة في ايلول/سبتمبر كان اعلى سعر للقارب 8500 دولار، واعلى سعر لماكنة الدفع 4 آلاف دولار وبعدها انخفضت الاسعار.&
&
ويتسلم العمال والسواق ما يقارب من 4 الاف دولار، فيما تكلف الاقامة في الفنادق حوالى 500 دولار لليلة واحدة.&
&
ويتم دفع المال لاصحاب السواحل بطريقة اخرى، حيث انهم يتسلمون نسبة 15% عن كل مبلغ يدفعه الركاب ما يعني ان حصتهم تصل الى 6 آلاف دولار عن كل قارب.&
&
وفي النهاية، يحصل المهرب الرئيسي على ما لا يقل عن 13 الف دولار. واذا ما قلل من اجور الاخرين وحشر ركاباً اكثر داخل قارب واحد، فقد يضاعف مكسبه وهذا ما يحدث عادة إذ يحشر خمسون في كل قارب بدلاً من اربعين ثم يتم ارسال القارب دون وقود.&
&
ويقول مهاجرون إنهم يجبرون على صعود القوارب تحت تهديد السلاح.&
&
هجرة مستمرة
&
ومع ذلك يستمر المهاجرون في مغادرة تركيا الى اليونان رغم تدهور الحالة الجوية، ورغم تداعيات هجمات باريس، علمًا أن انباءً ذكرت أن احد المهاجمين دخل اوروبا بصفة نازح قادمًا من تركيا.&
&
آلاف&لا يزالون يغادرون السواحل القريبة من ازمير كل يوم، فيما اعتبر خليل الامر طبيعياً جدًا.&
&
السبب هو انه لا يمكن للسوريين العمل بشكل شرعي في تركيا فيما تسوء الاوضاع في بلادهم.&
&
وقال ابو خليل: "نعرف تماما ما حدث في باريس، ولكننا يائسون، وليس امامنا خيار آخر".&
&
ابو خليل قال اخيرا إنه سيحاول الوصول بنفسه الى اوروبا، مثل الآخرين.