اعتبر مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية السابق&مايكل فلين أن داعش ما كانت لولا غزو العراق وسقوط بغداد، واصفًا حرب العراق بأنها "خطأ هائل". ورأى أن صدام حسين على وحشيته كان من الخطأ إسقاطه، والاكتفاء بهذا، الأمر نفسه ينطبق على& القذافي في ليبيا، التي وصفها بالدولة الفاشلة اليوم.


إعداد عبدالاله مجيد: خدم مايكل فلين في الجيش الأميركي أكثر من 30 عامًا حتى أصبح مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية، حيث كان أكبر مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأميركية. وعمل فلين (56 عامًا) قبل ذلك مساعد مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة أوباما. وخلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2007 عمل في أفغانستان والعراق، حيث كانت مهمته بصفة قائد للقوات الخاصة الأميركية اصطياد أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة، وسلف أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" اليوم.&

قال فلين في مقابلة صحافية إن العواطف العمياء بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر قادت الولايات المتحدة في الاتجاه الخاطئ استراتيجيًا. وتحدث عن الأسباب التي تقف وراء قرار داعش الانتقال إلى العمل دوليًا، كما يتضح من اعتداءات باريس وإسقاط الطائرة الروسية، أن تحذيرات استراتيجية وتكتيكية عديدة سبقت هذا التوجّه، بل إن قياديين في داعش قالوا إنهم يخططون لتنفيذ هجمات في الخارج، لكنّ أحدًا في الغرب لم يأخذ هذه الإشارات على محمل الجد.&

خلايا صغرى
وأعرب مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية السابق عن اعتقاده بأن لدى داعش إطارًا قياديًا في أوروبا، وإن هناك على الأرجح قائدًا أو هيكلًا قياديًا للتنظيم في كل بلد أوروبي، وربما حتى في الولايات المتحدة.

وقال فلين إن مثل هذه القيادة قد تكون أميرًا أو قيادة إقليمية، مذكرًا بأن أسامة بن لادن تحدث باستفاضة في كتاباته عن الانتشار والعمل في خلايا صغيرة لصعوبة اكتشاف قيادتها وسهولة تحركها. ولفت إلى أن ثمانية مسلحين فقط نفّذوا اعتداءات باريس، وعشرة في مالي، وأن واحدًا أو اثنين قد يكونان كافيين في المرة المقبلة.&

وأكد فلين أن مثل هذا التكتيك لا يتطلب تنسيقًا مع القيادة العليا أو تفويضًا منها، حتى إذا كان الهجوم معقدًا ومتقنًا، مثل اعتداءات باريس، بل يكفي أن يكون هناك عنصر واحد تلقى بعض التدريب، ثم يُكلَّف من القيادة بمهمة أن يعود ويفعل كل ما يخدم أيديولوجيا داعش. حينذاك ينتقي هذا الشخص الأهداف بنفسه، وينظم المهاجمين، الذين يعملون معه، وينفذ المهمة.&

وتطرق مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية السابق إلى شخصية أبو بكر البغدادي قائلًا إنه من المهم حقًا التمييز بين طريقة أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري في تقديم نفسه حين يظهر في العلن، وكيف قدم البغدادي نفسه حين أعلن الخلافة.&

صورة إعلامية
لاحظ فلين في حديثه مع مجلة شبيغل الألمانية أن "بن لادن والظواهري يظهران في أفلام الفيديو التي تصورهما جالسين متربعين، وراءهما علم، وفي حضنهما كلاشنكوف. فهما يقدمان نفسيهما كمحاربين، في حين أن البغدادي توجه إلى مسجد في الموصل، وتحدث من شرفة كما يتحدث البابا، مرتديًا جلبابًا أسود مناسبًا". وأضاف فلين إن البغدادي "وقف هناك بوصفه وليًا، وأعلن الخلافة الإسلامية. وكان ذلك عملًا له دلالة رمزية كبيرة رفع مستوى المعركة من نزاع مسلح تكتيكي ومحلي إلى مستوى حرب دينية وعالمية".

وبشأن ما يمكن أن يحدث إذا قُتل البغدادي، قال فلين "نحن سنواصل قتل القيادات"، مضيفًا أن الزعيم المقبل لن يكون بكفاءة البغدادي، على خلاف ما حدث في السابق، "لأن البغدادي أفضل من الزرقاوي، والزرقاوي في الحقيقة أفضل من بن لادن"، بحسب مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية السابق.

تابع فلين إن مقتل البغدادي لن يغيّر شيئًا بالمرة قائلًا إنه "قد يكون ميتًا اليوم، فهو لم يظهر أخيرًا، وكنتُ سأُفضل القبض على بن لادن والزرقاوي، لأن قتلهما يقدم خدمة إليهما وإلى حركتهما بجعلهما شهداء. فالزرقاوي كان حيوانًا شرسًا، وكنتُ أُفضل أن أراه حيًا في زنزانة طوال ما تبقى من حياته. إن منطقهم صعب الفهم علينا نحن في الغرب".&

وتناول فلين في حديثه ما يميّز البغدادي عن الزرقاوي، الذي قاد تنظيم القاعدة في العراق بين 2003 و2006، قائلًا إن "الزرقاوي حاول استقدام مقاتلين أجانب، ولكن ليس بالطريقة التي تمكن البغدادي من استقدامهم بها. ففي ذروة أيام الزرقاوي كانوا يستقدمون ربما 150 مقاتلًا في الشهر من 12 بلدًا. أما البغدادي فإنه يستقدم 1500 مقاتل في الشهر مما يربو على 100 بلد. وهو يستخدم الأسلحة الحديثة لعصر المعلومات بطرق تختلف من الأساس لتقوية جاذبية أيديولوجيته. الفارق الآخر هو طريقتهما في اختيار أهدافهما. فالزرقاوي كان وحشيًا يقتل بصورة عشوائية أشخاصًا يصطفون في طابور بانتظار تشغيلهم في وسط بغداد، في حين أن البغدادي أذكى بكثير وأدق بكثير في اختياره الهدف، ولكنه يبقى وحشيًا".&

متعددة الجنسيات
عمّن يقود الجناح العسكري لتنظيم الدولة الإسلامية، قال فلين "أعتقد أن البغدادي أو الزعيم الحالي للتنظيم يمارس أسلوب الإشراف المباشر حين يتعلق الأمر بجوانب من العمل العسكري، ولكنه تنظيم أفقي جدًا ومترابط جدًا. وباعتقادي أن لديه في سوريا والعراق، ضمن منطقة الشام، بعض الأتباع المسؤولين عن العمليات العسكرية واللوجستية والمالية، الخ، وهم يمثلون مجموعة مختلطة من المصريين أو السعوديين أو الشيشان أو الداغستانيين والأميركيين والأوروبيين".&

أضاف إن استجواب عناصر من داعش كشف أن الرقة قُسمت إلى مناطق دولية، بسبب حواجز اللغة، وأن داعش وضع مترجمين في هذه المناطق للتواصل ونقل رسائله إليها.& على سبيل المثال، فإن المنطقة الأسترالية وحدها مأهولة بنحو 200 شخص، وهناك حتى قاطع أسترالي في الرقة، يرتبط بالآخرين الناطقين بالانكليزية، لأن ليس كل من يحضر يتكلم العربية، "وهذا يتطلب هيكلًا أشبه بالهيكل التنظيمي العسكري، وقيادة أشبه بالقيادة العسكرية"، كما نوّه فلين.

ولاحظ فلين أن داعش يوثق كل شيء قائلًا إنه بارع في التوثيق، وهو سواء في تجنيد عناصر جدد أو في مقابلاته معهم يسأل "ما هي أصولك؟، هل تجيد التعامل مع الإعلام؟، استخدام السلاح؟، وهذه القدرة هي التي أسفرت عن تطور داعش إلى قوة غير تقليدية إلى درجة كبيرة، بحسب فلين.

لحسم بري
وحين سُئل مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية السابق كيف يجب أن يقاتل الغرب مثل هذا التنظيم، أجاب إن "الحقيقة المؤسفة تتمثل في أن علينا أن نضع قوات على الأرض. فنحن لن ننجح ضد هذا العدو بالضربات الجوية وحدها، ولكن الحل العسكري ليس غاية على الإطلاق، بل يجب أن تكون الاستراتيجية العامة انتزاع السيطرة على الأرض من داعش، ثم بسط الأمن والاستقرار لتيسير عودة اللاجئين. هذا لن يكون ممكنًا بسرعة. إذ علينا أولًا أن نتعقب ونقضي على قيادة داعش بكاملها، ونفكك شبكاتهم، ونوقف عمليات تمويلهم، ونبقى إلى أن يكون هناك إحساس بعودة الأوضاع الطبيعية. وهي قطعًا ليست مسألة أشهر، بل تحتاج سنوات. أنظروا إلى المهمة التي اتخذناها على عاتقنا في البلقان كنموذج. فنحن بدأنا هناك في أوائل التسعينات، لتحقيق قدر من الاستقرار، وما زلنا هناك اليوم".&

وقال فلين إنه بالإمكان التعلم من دروس نموذج البلقان، وإنه يضع في تصوره "استراتيجيا تقسيم منطقة التأزم في الشرق الأوسط إلى قواطع، كما فعلنا في البلقان، مع تولي دول معينة مسؤولية هذه القواطع. وسنحتاج إضافة إلى ذلك مركز قيادة عسكرية للتحالف، وعلى المستوى السياسي يجب أن يكون للأمم المتحدة دور. ويمكن أن تتولى الولايات المتحدة مسؤولية قاطع وروسيا أيضًا، والأوروبيون مسؤولية قاطع آخر. وستتوافر فرص بهذا النموذج. فروسيا على سبيل المثال يجب أن تستخدم نفوذها مع إيران لحملها على الخروج من سوريا، وإنهاء محاولات التدخل من خلال وكلائها".

ورأى فلين أن هذا يعني أن على الغرب أن يعمل بصورة بناءة مع روسيا قائلًا "شئنا أم أبينا، فإن روسيا اتخذت قرارًا بأن تكون موجودة في سوريا، وأن تعمل عسكريًا. إنهم هناك، وهذا أحدث تغييرًا كبيرًا في الديناميكية. لذا لا يمكن القول إن روسيا سيئة، وعليها أن تعود من حيث أتت. فإن هذا لن يحدث، ويجب أن نكون واقعيين. أنظروا إلى ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية: الرئيس الفرنسي طلب من الولايات المتحدة المساعدة عسكريًا. وهذا أمر غريب بنظري كأميركي. إذ كان علينا أن نكون هناك من البداية، وأن نقدم الدعم. وها هو الآن يطير إلى موسكو، ويطلب من بوتين المساعدة".

تغريم الممولين
وعن مخاطر النظر إلى التدخل العسكري الغربي على أنه محاولة أخرى لغزو المنطقة، قال فلين في حديثه مع مجلة شبيغل، إن الغرب لهذا السبب تحديدًا "يحتاج العرب كشركاء، فهم يجب أن يكونوا وجه المهمة، ولكنهم اليوم ليسوا قادرين على تنفيذ هذا النوع من العمليات أو على قيادتها، بل إن الولايات المتحدة وحدها التي تستطيع ذلك، ونحن لا نريد أن نغزو سوريا أن نتحمل مسؤوليتها، بل يجب أن تكون رسالتنا هي أننا نريد أن نساعد، وسنرحل ما أن تُحل المشاكل. ويجب أن تكون الدول العربية معنا". ودعا فلين إلى فرض عقوبات على أي جهة تُضبط متلبسة بتمويل داعش.

كما تطرق إلى إطلاق سراح البغدادي حين كان في قبضة الجيش الأميركي في العراق عام 2004. وقال في هذا الشأن: "كنا مغفلين، لم نعرف مَنْ هو الذي بقبضتنا. فعندما وقعت هجمات 11 أيلول/سبتمبر سيطرت علينا العواطف، وكان ردنا "من أين جاء هؤلاء الأوغاد؟، لنذهب ونقتلهم". وبدلًا من أن نسأل لماذا هاجمونا، سألنا من أين أتوا. ثم سرنا استراتيجيًا في الاتجاه الخاطئ. أولًا ذهبنا إلى أفغانستان، حيث كان تنظيم القاعدة، ثم العراق. وبدلًا من أن نسأل أنفسنا لماذا نشأت ظاهرة الإرهاب، كنا نبحث عن أماكن. وهذا درس كبير يجب أن نتعلمه، لكي لا نرتكب الأخطاء نفسها".&

وقال مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية مايكل فلين إن داعش ما كان ليوجد لولا سقوط بغداد، واصفًا حرب العراق بأنها "كانت خطأ هائلًا. فصدام حسين على وحشيته كان من الخطأ الاكتفاء بإسقاطه. والشيء نفسه يصحّ على معمّر القذافي في ليبيا، التي هي الآن دولة فاشلة. ويتمثل الدرس التاريخي في أن غزو العراق كان فشلًا استراتيجيًا.& والتاريخ لن يرحم، بل يجب ألا يرحم هذا القرار".