"زواج ثوري" عنوان السيرة المجهولة لجورج ومارثا واشنطن، يكشف أسرارًا خفية من حياة أول عائلة رئاسية أميركية.

إعداد عبد الاله مجيد: تبدأ الكاتبة فلورا فريزر السيرة الثنائية لحياة جورج ومارثا واشنطن بمواجهة أسئلة عن التركة والأرث. ففي القرن الذي اعقب وفاة واشنطن عام 1799 أخذت صورة أبو الأمة تظهر على الطوابع البريدية والأوراق النقدية، وأُطلق اسمه على مدن ومبان إحياءً لذكراه، لكن مُحيت زوجته مارثا من هذا التاريخ. وتلاحظ فريزر أن الزوجة أو الأم لم تكن مرغوبة في "قرن الفحولة الأميركي التاسع عشر".

اللقاء

تأتي دراسة فريزر لتصحيح هذه النسخة المقلوبة من التاريخ، كاشفة عن الدور المركزي الذي قامت به مارثا واشنطن في حياة زوجها، وكيف كانت الحياة العامة لعائلة أميركا الأولى متشابكة مع حياتها الخاصة.

عندما التقى جورج واشنطن بمارثا في عام 1758، كان الاثنان في السادسة والعشرين. كان هو ضابط في فرجينيا وكانت أرملة ثرية لديها طفلان ومديرة المزرعة الكبيرة التي ورثتها من زوجها الراحل. اتسمت علاقتهما بمزيج من الحنان والبرغماتية. وبعد سنوات على زفافهما، كتب واشنطن: "كنتُ دائمًا اعتبر الزواج الحدث الأشد اثارة في حياة المرء، اساس السعادة أو البؤس".

وأسفر قرانهما عن تغيير الظروف الزوجية لحياتهما بدرجة كبيرة، إذ تخلت مارثا عما ورثته من زوجها الأول وكفّت عن مراسلة الوكلاء والمحامين ومراقبي العمال.

وأصبح واشنطن والد طفليها المسؤول عن تعليمهما وايقاع حياتهما. وعثرت فريزر بين ملفات واشنطن المالية على فاتورة تذكرة بسعر 7 بنسات لابن زوجته جاكي كي يشاهد عرضًا من الألعاب السحرية. وهي جزئية لطيفة تشير إلى أن واشنطن كان يقوم بواجب الابوة تجاه ابن زوجته مثلما كان أب الأمة الأميركية.

التقتير

تقرأ فريزر أرشيف الرئيس الأميركي الأول بحساسية مرهفة وتعيد موضوعيها جورج ومارثا واشنطن إلى الحياة من خلال التفاصيل التي نقَّبت عنها في السجلات والحسابات المالية. ورغم أن& الزوجين كتبا مجلدات من الرسائل أحدهما إلى الآخر، لم يبق إلا القليل من هذه المراسلات.

وتعين على كاتبة سيرتهما أن تبذل مجهودًا مضاعفًا لبناء صورة عن علاقتهما مركزة على التداخل بين حياة عائلة الرئيس واشنطن العامة والخاصة.

وفي حين أن واشنطن كان شديد الحرص في استخدام المال العام، فإنه كان دائمًا يسجل تكاليف سفر مارثا إلى موقعه في ميدان القتال والعودة منه على حساب الخزينة العامة، من أجل تأكيد دورها الحاسم في مساعدته على تحمل الضغوط الهائلة لمسؤولية القيادة العسكرية. كما يرسم تاريخ إنفاق العائلة الرئاسية معالم تاريخ الأمة الجديدة. ففي السنوات الأولى من زواجهما اقنعت ضرورة التقتير الرئيس واشنطن بأن جميع سكان فرجينيا يستطيعون تقليل الاعتماد على البضائع الانكليزية.

وبحسب فريزر، كانت عائلة واشنطن تتألف من الأطفال والأحفاد وزوجات الأطفال وزوجاتهم لاحقًا، إلى جانب العسكريين الذين وقفوا مع واشنطن وكانوا يحيطون به واصدقاء مارثا ومرافقاتها والأكثر من ذلك كله العبيد الذين كانوا ملك الزوجين. وحتى عندما كان واشنطن رئيسًا، كان ينقل عبيد العائلة إلى بنسلفانيا ومنها متجاهلًا قوانين الولاية بتحرير العبيد.

وفي السنوات التي اعقبت حرب الاستقلال الثورية، اصبح سلوك الثنائي واشنطن في البيت موضع نقاش عام بين الأميركيين. فإذا كانت غرفة الضيوف كبيرة وفخمة تعرضا لتهمة التصرف وكأنهما بديل العائلة الملكية البريطانية التي حكمتهم قبل الاستقلال. ولكن الأميركيين كانوا في الوقت نفسه ينتظرون من الزوجين أن& يكون بيتهما مكانًا مناسبا لادارة شؤون الدولة.

ثغرات أرشيفية

ليس من المستغرب أن مشاعر مارثا كانت مترددة ومختلطة حين انتخب زوجها واشنطن رئيسًا. وقالت: "الله وحده يعرف متى سيعود إلى البيت مرة اخرى، وإذا كان سيعود. واعتقد أنه عاد إلى الحياة العامة في مرحلة متأخرة جدًا ولكن لم يكن من ذلك بُد".

ولم تحاول مارثا أن تثني زوجها عن قبول الرئاسة، لكنها بعد وفاته كافحت لمنع نقل جثمانه إلى العاصمة الجديدة التي سُميت باسمه، وانتصرت في المعركة. ومع اقتراب موعد رحيلها استعادت المزيد من قصة حياتهما من سيطرة المجال العام وقامت باحراق اكوام من المراسلات الشخصية مع زوجها.

تروي سيرة حياة جورج ومارثا واشنطن، بعنوان "زواج ثوري"، قصة حياة ثنائي وعائلة بروح من التعاطف وبمهارة عالية، كما تقول الناقدة ديزي هاي في صحيفة ديلي تلغراف مشيرة إلى أن& فريزر كاتبة سيرة متمكنة تحترم موضوعها وتكتب عنه بلا اثارة، ولا تحاول ملء الثغرات الارشيفية بالتكهن بل تتحدث بصراحة عن الأشياء التي تبقى مجهولة.

وتعيد سيرة الحياة موقع مارثا واشنطن في الرواية التاريخية بوصفها أم الأمة الأميركية وامرأة عن جدارة. كما أن& الصورة المركبة التي ترسمها الكاتبة لأول رئيس أميركي تحرر واشنطن من عبادة البطل. فالقائد العسكري والرئيس يشعر بالحياة، لا على أرض المعركة بل حين يكون مضيفًا يحتفي بضيوفه ويظهر في الليل بجانب سرير زائر يعاني من البرد حاملا له كوبًا من الشاي الساخن.