حلّ المغرب أزمته السياسية مع فرنسا على طريقة "لا غالب ولا مغلوب"، بعد استثماره أوراقه القوية في المفاوضات، خصوصًا الأمنية منها لتعديل اتفاقية التعاون القضائي المعقودة بينهما.

أيمن بن التهامي من الرباط: تجاوز المغرب وفرنسا مرحلة الأزمة بالتوقيع أخيرًا، بالأحرف الأولى، على تعديل اتفاقية التعاون المغربي الفرنسي في المجال القضائي.

وجاء التوصل إلى الاتفاق بعد مفاوضات امتدت يومين، بين وزير العدل والحريات المغربي مصطفى الرميد، ونظيرته الفرنسية كريستيان توبيرا. وحرصت الرباط على بناء عهد جديد في العلاقة مع باريس، يرتكز على مبدأ المعاملة بالمثل.

مزيد من التوازن

أكد تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية، أن العلاقات بين البلدين ستبنى بعد تجاوز الأزمة على مزيد من التوازن، خلافًا للعهد السابق الذي كانت تتعامل فيه فرنسا بمبدأ التفوق، باعتبارها دولة تتميز بالتفوق على مستوى توازن القوى الإقليمي.

وقال تاج الدين الحسيني لـ "إيلاف": "باريس تتعامل بمنطق الدولة المستعمرة السابقة، التي تتميز بقوة اقتصادية على الصعيد العالمي، وعضو في مجلس الأمن، إلى جانب لعبها دور القيادة في الاتحاد الأوروبي، وهذه المميزات دفعت فرنسا إلى ممارسة نوع من الوصاية في علاقتها بالمغرب، كما أن الاشتراكيين الحاكمين في فرنسا ينظرون إلى الأنظمة المحافظة والتقليدية بشكل عام نظرة دونية".

أحوال شخصية

أضاف الحسيني: "رفض المغرب أن تستمر الأحوال على ما هي عليه، وكانت مبادرته متمثلة في وقف التعامل بالاتفاقيات القضائية الموقعة مع فرنسا، وتعود إلى 1957، وجددت في 1965 و1970 و1971، قبل التوقيع على الاتفاقية الكبرى في سنة 1980".

وتتناول هذه الاتفاقيات التعاون الجنائي بين البلدين، وتبادل المجرمين، والإنابات القضائية، "وقد تعززت في 1981 بزيادة جرعة التواصل على مستوى الزواج والطلاق والأحوال الشخصية بصفة عامة، وقضايا النفقة والحضانة، وهذه القضايا ليست سهلة، فهي مهمة للتواصل البشري القوي القائم بين المغرب وفرنسا"، بحسب الحسيني.

أوراق قوية

بيد المغرب أوراق قوية في المجال الأمني، وكانت هي مفتاح تعديل اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا. فبعد أحداث شارلي إيبدو الإرهابية، وجدت باريس نفسها مضطرة إلى أن تحذو حذو إسبانيا، التي قطفت ثمار تعاونها الأمني الممتاز مع الرباط إفشالًا لمخططات إرهابية خطيرة، وفرط عقد عدد من الخلايا المكلفة بتجنيد المقاتلين لتنظيم الدولة الإسلامية& (داعش).

يقول الحسيني: "مراجعة هذه الاتفاقيات والتفاوض بخصوص أخرى جديدة يظهر المغرب في مركز قوة، خصوصًا أن المسألة الأمنية ملحة بعد أحداث شارلي إيبدو، والتي كان المغرب يعرف معلومات بالغة الحساسية بشأنها".

باريس المهمّشة

وأشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن فرنسا كانت تنظر بعين الريبة إلى التعاون المغربي ـ الإسباني في المجال الأمني، "فمدريد تستفيد من المعلومات التي تقدمها المخابرات المغربية، في حين أن فرنسا التي كانت تحظى بأهمية بالغة لدى هذه المصالح أصبحت مهمشة".

وقال: "أظن أن هذه الأوراق القوية التي بيد المغرب مكنته من الحصول على اتفاقيات جديدة، وأعتقد أنها وضعت الرباط في مركز يمكّنها من التمتع بمبدأ المعاملة بالمثل".

أضاف الحسيني: "الاتفاق الجديد ليس فيه مركز للغالب والمغلوب بل هو يحقق التعامل بالمثل ومبادئ الإنصاف والمساواة، وهذا مفتاح حقيقي لتجاوز المرحلة الراهنة والدخول إلى مرحلة جديدة تتميز بالانفتاح على المستوى السياسي والاستراتيجي وعودة المياه إلى مجاريها".

مرحلة أهم

تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية حافل بالأزمات، التي وجدت طريقها إلى الحل.

وقال الحسيني: "ظهر هذا واضحًا في الخطاب السياسي لكل من الرئيس فرانسوا هولاند، كما ظهر في الخطاب السياسي لوزيره الأول، الذي قال صراحة أمام البرلمان الفرنسي إن المغرب صديق لفرنسا، وفرنسا صديقة للمغرب، وهولاند قالها صراحة عند افتتاح معرض المغرب المعاصر في معهد العالم العربي، إن فرنسا لا تستغني عن المغرب، والمغرب لا يستغني عن فرنسا".

لا حصانة للمغاربة

ووقعت الرباط وباريس على اتفاق حول نص يعدل اتفاقية التعاون القضائي بين البلدين، ويتيح تسهيل دائم لتعاون أكثر نجاعة بين السلطتين القضائيتين في البلدين، وتعزيز تبادل المعلومات في إطار الاحترام التام لتشريعاتهما ومؤسساتهما القضائية، والتزاماتهما الدولية، بحسب ما جاء في بيان مشترك صدر عقب اللقاء الذي جمع مصطفى الرميد بكريستيان توبيرا.

ويستمد هذا الاتفاق، الذي لا يمنح الحصانة لأي مسؤول مغربي، من روح اتفاقية روما الدولية حول محكمة الجنايات الدولية٬ إذ لا يمكن قبول شكوى تتهم شخصية في دولة ما حتى يتم وضعها في الدولة التي وقعت فيها الجريمة، بحسب ما جاء في تصريحات إعلامية لوزير العدل المغربي.