قال الشيخ سيف بن زايد آل نهيان إن أبرز ما يشغل الرأي العام العالمي اليوم قضيتا الإرهاب وانخفاض أسعار النفط نظرًا لما يشكلانه من تهديد خطر على السلم والاستقرار العالمي، منبهًا من الارهاب الجديد الذي يسخر التكنولوجيا لبث الكراهية.

أحمد قنديل من دبي: قال الفريق أول الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الإماراتي، أن أخطر ما في الإرهاب الحديث هو استخدامه تقنيات العصر وتسخيرها لبث روح الكراهية للآخر، والفكر الإقصائي الداعي إلى العنف، بما ينتج جيلًا مشوهًا ويبني أسرًا مناهضة لفكرة الوطن والصالح العام، رابطًا نجاح وفعالية حكومات المستقبل بقدرتها على مواجهة هذه الآفة ومعالجة مصادرها وقائيًا عبر تعزيز روح المواطنة الإيجابية.

مجرد تحدٍّ

أضاف خلال الجلسة الرئيسية التي شارك فيها للمرة الثالثة على التوالي في افتتاح فعاليات القمة الحكومية: "أبرز ما يشغل الرأي العام العالمي اليوم قضيتا الإرهاب وانخفاض أسعار النفط نظرًا لما يشكلانه من تهديد خطر على السلم والاستقرار العالمي".

ولفت إلى أن هذا التهديد لا يمثل أزمة بالنسبة للإمارات بل مجرد تحد يمكن التعامل معه بفضل السياسة العلمية الفاعلة التي تتبناها الحكومة في ظل قيادة الوطن الرشيدة، "حيث عملت على تنويع مصادر الدخل لتقليص حجم الاعتماد على النفط، كما غرست القيادة منذ نشأتها روح التسامح والانفتاح والاعتدال في نفوس أبنائها حتى غدت السمة العامة للمجتمع الإماراتي بمختلف شرائحه".

تنويع مصادر الدخل

وأوضح أن اقتصاد الإمارات كان يعتمد في البدايات على النفط بنسبة 90 بالمئة واليوم أصبح الاعتماد عليه بنسبة 30 في المائة وتسعى حكومتنا للوصول إلى نسبة 5 بالمئة بحلول 2021.

أضاف: "الإمارات نشطت في تنويع مصادر الدخل القومي فأنشأت أربعة صناديق سيادية أحدها يتصدر الرقم الثاني عالميًا وبرز فيها مطار دبي الدولي بكونه الأول على مستوى العالم باستيعابه 70 مليون مسافر سنويًا، وتحتل إمارة دبي المرتبة 12 عالميًا باستقبالها 10 ملايين سائح سنويًا".

فكرة المواطنة

وقدم الشيخ سيف صورة حية لواقع المواطنة الإيجابية في الإمارات، مصطحبًا معه إلى منصة العرض نخبة من الطلبة الإماراتيين المبدعين ونخبة من المنتسبين للخدمة الوطنية كنموذج لروح المواطنة القائم على التميز والتفوق والإبداع بما يرفد الوطن بالإنجازات والأعمال المشرفة.

واستعرض صورة قديمة معبرة لمجموعة من شباب الوطن خلال ابتهاجهم بحياتهم البسيطة وقتها، قائلا: "روح المواطنة الإيجابية والتفاؤل والأمل بمستقبل مشرق زاهر ظلت حلمًا يراود أبناء الوطن وقادته ولم تتمكن صعوبة الحياة وشح الموارد في الماضي من ثني عزمهم على مواصلة البناء".

وأكد أن المواطنة الإيجابية تتمثل في التفاعل بروح إيجابية وأنها الركيزة الكبرى في نجاح حكومات المستقبل ولحمة الشعوب ونمائها.

واستقصى الشيخ سيف جذور فكرة المواطنة عبر التاريخ، بدءًا من الحضارة اليونانية في القرن الرابع قبل الميلاد، كما ظهرت صورها الأولى أكثر وضوحًا لدى الفيلسوف اليوناني الشهير افلاطون، التي عبر عنها في كتابه المدينة الفاضلة بوصف أن التعليم والتربية مرتبطان بالدولة وما يتعلمه المواطن ليس لذاته بل لغرض حماية الدولة وتحقيق الانسجام والتكامل الشاملين بين اركانها.

ماذا قدمت؟

وبين الشيخ سيف استمرار تطور مفهوم المواطنة مع ثبات ارتباطه بصالح الوطن والمجتمع وصولا إلى القرون الحديثة، حيث قال الرئيس الأميركي في القرن الماضي جون كيندي مقولته الشهيرة مخاطبًا مواطنيه: "لا تسأل ماذا قدم لك وطنك بل سل ماذا قدمت أنت لوطنك".

وتأسيسًا على ذلك، قال الشيخ سيف: "المواطنة أكثر من مجرد انتماء يتم إثباته بالأوراق الثبوتية وهي ليست التغني بالولاء والانتماء بالقول فقط وانما ممارسة الولاء والاعتناء بالوطن ومصالحه العليا على نحو وثيق ومستمر في مختلف الظروف والأوقات وفي ارتباط مصيري لا يقبل الانفصام".

حكومات المستقبل

واستشرف أبرز التحديات التي تواجه حكومات المستقبل قائلًا: "إنها ذات التحديات التي تواجه معظم حكومات العالم أجمع القائمة اليوم كون تلك التحديات ذات طبيعة متغيرة على نحو مستمر، وتزداد تعقيدًا وخطورة لارتباطها بمستجدات العلوم وأنساق المعرفة الإنسانية والتطور البشري، لكنه اعتبر أن مسألتي الإرهاب وانخفاض أسعار النفط تقعان في قمة سلم تلك التحديات المؤثرة على استقرار العالم وأمن شعوبه وسلط الضوء على كيفية مواجهة هاتين المعضلتين عبر ثيمة المواطنة الإيجابية".

وقال: "الارهاب جريمة قديمة قدم التاريخ البشري وقد عانت غالبية الشعوب والحكومات من هذه الآفة بشكل أو بآخر، ولم تزل، وقد تنوع وتدرج الإرهاب في أشكاله ومستوياته، إلا أنه يمكننا تقسيم الإرهاب إلى مرحلتين واضحتين قديم وجديد بالاستناد إلى تحليل أدواته وليس محركاته لأن مصادر الإرهاب وبواعثه تكاد تكون واحدة تقوم على التعصب والتطرف والكراهية والجهل وغيرها".

أكثر فتكًا

أضاف الشيخ سيف: "بيد أن الإرهاب القديم استخدم أسلحة تقليدية استهدفت التخريب المادي المباشر، فيما راح الإرهاب الجديد يستهدف العقول والأسرة والمجتمع عبر ترسانة من الأسلحة الحديثة التي أضاف إليها ما أنتجته علوم العصر من تقنيات وأدوات أكثر فتكًا بالناس من سابقها فاستخدام الشبكة العنكبوتية وما تحتويه من وسائل التواصل الاجتماعي أفسح المجال أمام المجرمين وصناع الإرهاب للوصول إلى عقول النشء والشرائح المجتمعية كافة وعلى نحو أشمل وبث سمومهم الفكرية لينتج أجيالا مشوهة الفكر ويؤسس أسرًا قائمة على التعصب وتعشش فيها الكراهية ولا تستولد إلا نفسها كما لا يمكنها الإسهام بشيء إيجابي في مجتمعاتها سوى العمل على تقويضه وزعزعة أمنه واستقراره".

ودلل على الوعي والإدراك المبكر لدى قادة الإمارات بهذه التحديات وحتى قبل ظهورها، فعرض سموه فيلمًا يظهر الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان متحدثًا إلى مجموعة من طلبة جامعة الإمارات قبل عقود من الزمن، منبهًا إياهم ومحذرا من تيارات فكرية خارجية ومسمومة وطالبا منهم الحذر منها.

محاربة الفكر الإرهابي

وأوضح أن محاربة الفكر الإرهابي مسؤولية جماعية ومشتركة تبدأ من الأسرة والبيت عبر نشر وإشاعة الفكر والوعي المناهض لقواعد الإرهاب، وترسيخ القيم الإيجابية الأصيلة في مجتمعنا الإماراتي، القائم على التسامح والوسطية والاعتدال، "وتمر بدور الموظف الحكومي المناط به تأدية واجباته بشكل صحيح وتقديم أفضل سبل ومستوى الخدمة العامة وقبول فكرة التغيير والتطوير بغض النظر عن كم العمل الموكل إليه".

ولفت إلى دور الشركاء المقيمين على أرض الوطن وأهمية ضلوعهم في تعزيز روح المسؤولية الفردية والمشاركة المجتمعية ودور القطاعين الحكومي والخاص في تعزيز أوجه الاستثمارات البشرية والمادية وتبني ثقافة العمل التطوعي البناء.

وناشد المجتمع الدولي وضع أطر ومفاهيم حديثة للإرهاب لا تعتمد فقط على القوانين والإجراءات الجنائية بل تتعداها إلى معالجات معمقة لمصادر ومحركات الإرهاب وقائيًا، ومحاسبة مموليه ومروجيه وبعض الساسة القائمين على رعايته بوصف اعمالهم جرائم حرب ضد الانسانية، خصوصًا مع الزيادة المضطردة في جرائم الارهاب التي بلغت بين 2013 و 2014 نحو 60 بالمئة.

أهمية الإعلام

وتطرق إلى أهمية الإعلام في تعزيز جهود مواجهة الإرهاب، قائلًا: "للإعلام دور مهم لأنه من أكثر الأدوات الحديثة تأثيرًا في عقول البشر وتغيير أنماطهم السلوكية واتجاهاتهم الفكرية، ومن هنا نثمن في الإمارات دور المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها، لما يقومون به من جهود مشكورة في كشف الحقائق وإشاعة الوعي الهادف إلى لحمة المجتمع وتمتين روابطه داعيًا إلى تبني المزيد من المبادرات والوسائل الرامية إلى بث روح المواطنة الإيجابية في المجتمع والإسهام بشكل أكبر في الحرب على الإرهاب وكشف زيفه وطرائقه في التلاعب بعقول الناس وخداعهم بأساليبه العاطفية".

المواطنة الإيجابية

وخلص إلى القول إن المواطنة الإيجابية أساس كل نجاح، "ومصدر كل فاعلية ولنا في الشعب المصري الشقيق مثال حي وواضح على أرقى صور هذه المواطنة الإيجابية، فرغم كل التحديات التي تواجه طريقه وأمنه واستقراره، فقد تسابق هذا الشعب للاكتتاب في مشروعه القومي الكبير قناة السويس، معبرًا عن التفافه الصادق والصارم حول قيادته ما يدفع بدوره زهاء المستقبل".