فيما كان مقررًا أن تبدأ الكتل النيابية العراقية داخل مجلس النواب اليوم رحلة نقاشات شاقة وطويلة حول مشروع قانون المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث وحظر الحزب، فقد تم الاعلان عن حذف فقرة مناقشته من جدول أعمال الجلسة في آخر لحظة بسبب ما قيل إنها أسباب إجرائية، وحيث ينتظر أن يمر القانون بمراحل صعبة تشهد تقاطعات واجتماعات مكثفة لمسؤولي هذه الكتل في محاولة للتوصل إلى توافقات حوله.


لندن: لدى بدء جلسة مجلس النواب العراقي في بغداد صباح اليوم، فقد تم الاعلان فجأة عن رفع بند مناقشة قانون المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث وحظر الحزب من جدول الاعمال المقرر سابقًا بسبب ما قيل إنها أسباب إجرائية خاطئة اوصلت مشروع القانون إلى المجلس. وابلغ مصدر برلماني "إيلاف" أن مشروع القانون وصل إلى المجلس من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فيما تنص القوانين المعمول بها في مثل هذه الحالات أن يرسله مجلس الوزراء الذي وافق عليه الثلاثاء الماضي إلى مجلس الشورى لإبداء رأيه فيه ثم يعيده اليه ليقوم بإيصاله إلى مجلس النواب.

وأشار إلى أنّ رئاسة مجلس النواب ستقوم اليوم باعادة مشروع القانون إلى أمانة مجلس الوزراء لارساله إلى مجلس الشورى قبل اعادة ارساله إلى النواب.. وأكد أنه لايستطيع تحديد الفترة الزمنية للانتهاء من هذه الاجراءات ليباشر مجلس النواب بمناقشة مشروع القانون هذا والمثير للجدل.

وتوقع البرلماني أن تشهد نقاشات مشروع القانون صعوبات ومحاولات للوصول إلى توافقات سياسية حوله ستستغرق وقتًا طويلاً، وخاصة ما يتعلق منها بحظر حزب البعث والتعامل مع المنتمين له خلال حقبة النظام السابق في محاولة للتخلص من الارث الذي خلفه هذا الملف على مدى 11 سنة الماضية منذ سقوط نظام الحزب في العراق ربيع عام 2003 ومصير حوالي مليوني منتمٍ اليه. وقد أكد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ان البرلمان سيرفض أي تشريع من الحكومة لاتتوافق عليه الكتل.

وأشار خلال مؤتمر صحافي في بغداد أمس الى أن رفض تشريع أي من القوانين يعكس ممارسة الحق الدستوري لمجلس النواب ولا يعني فشل البرلمان.

وأقر بعدم وجود توافقات سياسية تكفل تشريع قانوني الحرس الوطني والمساءلة والعدالة لاجتثاث البعث لكنه عبر عن ثقته بالمضي في عملية تشريع القوانين التي تم الاتفاق عليها في الاساس وليس إضافة فقرات اليها في ما بعد وتعتبر خارج النسق الطبيعي والنهج السياسي ولا تتماشى مع مبدأي المصالحة والوئام السياسي، في إشارة إلى رفض النواب السنة لبعض مواد مشروعي القانونين المتعلقين بالبعث والتي يقولون إن مجلس الوزراء أضافها اليهما بخلاف الاتفاقات السياسية بين الكتل، والتي افضت إلى تشكيل حكومة حيدر العبادي الحالية في ايلول (سبتمبر) الماضي.

وأشار الجبوري إلى أن "الخلافات أمر طبيعي، وهناك آليات للحسم سنعتمدها داخل البرلمان، وسنجري لقاءات مكثفة بين الأطراف السياسية لغرض الوقوف على نقاط الجدل في القانونين".

أضاف انه "في حال لم يقنع البرلمان بتشريع معيّن جاء من الحكومة، فهناك خيار آخر هو الرفض".. موضحًا أن هذا أمر وارد، ويؤخذ بالاعتماد، ولا يعني فشل البرلمان، بل يعني ممارسة حق دستوري، يمكن أن يلجأ اليه مجلس النواب، اذا وجد أن التشريع لا يتوافق مع الاجواء السياسية ولا مع مصلحة الجمهور العراقي"، بحسب قوله.

واوضح الجبوري "ان هذه التشريعات سياسية تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ في البرنامج الحكومي، وغايتها البناء الديمقراطي وتعزيز الثقة". وقال "احتواء التشريعات على جملة من الخلافات التي يمكن أن تتجاذبها الاطراف السياسية لا يتحملها مجلس النواب، أي لا يتحمل مسؤولية تلك المشاكل والاختلافات في وجهات النظر داخل هذه التشريعات المهمة".

وأكد "سنبذل كل الجهود الممكنة كرئاسة مجلس وكأطراف سياسية في أن نتلاءم ونتوافق لتأخذ هذه التشريعات المهمة مداها، لكن الاحتمالات كلها واردة". وكانت الحكومة العراقية وافقت الثلاثاء الماضي على مشاريع قوانين المساءلة والعدالة للاجتثاث وحظر حزب البعث والحرس الوطني.&

مواد خلافية وتشديد لإجراءات حظر البعث

وقد اظهرت النسخة الجديدة لقانوني المساءلة والعدالة للاجتثاث وحظر حزب البعث، اللذين حصلت "إيلاف" على نصيهما، و صادق عليهما مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة قبل ايام، جملة من التعديلات والتغييرات، التي تمت صياغتها من لجنة التوازن الوطني في مجلس الوزراء خلافًا للنسخة المعتمدة في الدورة السابقة للمجلس.

وينص قانون الاجتثاث في مادته السادسة على انهاء خدمات الموظفين ممن كانوا بدرجة عضو (فرع، شعبة) في الحزب، وهي درجات متقدمة، واحالتهم إلى التقاعد، وبدرجتهم الوظيفية التي كانوا يشغلونها قبل تفرغهم للعمل في حزب البعث المنحل، بموجب قانون الخدمة والتقاعد. كما تضمنت المادة نصًا آخر يتعلق باحالة الموظفين الذين يشغلون احدى الدرجات (مدير عام او ما يعادلها فما فوق) ممن كانوا بدرجة عضو فرقة في صفوف حزب البعث الى التقاعد بحسب قانون الخدمة والتقاعد، اضافة الى انهاء خدمات منتسبي الاجهزة الامنية واحالتهم الى التقاعد بموجب قانون الخدمة والتقاعد، استثناء من شرطي الخدمة والعمر.

وتشير المادة نفسها الى انه يمنع قادة وآمرو جهاز فدائيي صدام ومن تطوع للعمل في هذا الجهاز من أي حقوق تقاعدية، ويستثنى من ذلك التلاميذ والطلبة والمنسبون والمنقولون من العسكريين والموظفون من الوزارات ومؤسسات الدولة كافة للعمل في جهاز فدائيي صدام، على ان لا تحتسب خدمتهم في الجهاز المذكور لاي غرض كان.

كما تضمن نص مشروع القانون في فقرة أخرى لاحقة السماح لجميع الموظفين من غير ذوي الدرجات الخاصة ممن كانوا بدرجة عضو فرقة فما دون في صفوف حزب البعث بالعودة الى دوائرهم او الاستمرار في وظائفهم. وايضًا نص على انه لا يسمح لأعضاء الفرق بالعودة إلى الخدمة أو الاستمرار في الخدمة في الهيئات الرئاسية الثلاث ومجلس القضاء والوزارات والأجهزة الامنية ووزارتي الخارجية والمالية.

لذلك فقد اعلن الوزراء السنة، الذين ينتمون الى تحالف القوى السنية، الاعتراض على تمرير تعديلات قانون الاجتثاث، بسبب مخاوفهم من تحوله الى "مصيدة" لمعاقبة كل شخص معارض للحكومة، بتهمة الانتماء الى حزب البعث، فيما كان يأمل التحالف أن يتم الغاء قانون المساءلة للاجتثاث بالكامل، وتحويله الى ملف قضائي ومنع (مجرمي البعث) فقط من التوظف او النشاط السياسي وعدم وضع ملحق في القانون ينص على حظر الحزب بدون ضوابط واضحة.

والمتوقع في حال اجتاز القانون عقبة البرلمان، وتم تأييده من قبل الاكثرية الشيعية الكردية، أن يحجب الوظائف عن آلاف العراقيين بتهمة الانتماء الى البعث سابقًا. ويؤكد السنة أن التعديل الاخير على الاجتثاث يتناقض مع المادة السابعة من الدستور العراقي، التي تهدف الى منع انتشار فكر البعث، وليس معاقبة الاشخاص، كما يحصل الآن، ولذلك فإن نوابهم يستعدون لاقتراح تعديلات على القانون لدى عرضه على البرلمان خلال الاسابيع المقبلة.

لكنّ المسؤولين الشيعة يرون أن القانون الجديد يضم موادَّ إيجابية، مثل انه "سيرفع تهمة الانتماء الى حزب البعث عن كل السياسيين والقادة العسكريين الذين ثبتت وطنيتهم وشاركوا في العمليات العسكرية ضد (داعش)، ما يعني بأن اجراءات المساءلة للاجتثاث سترفع عن كل السياسيين والقادة العسكريين الموجودين حاليًا.. ويقرّون بأن القانون الجديد يضع شروطًا على الاستثناءات اصعب مما كانت في النسخة السابقة، لانه اضاف (حظر البعث) الى القانون، الذي ينص ايضًا على "شمول أي شخص باجراءات الاجتثاث، بمجرد ان يثبت عليه انتماؤه الى حزب البعث".

ومن المتوقع ان تمر نقاشات البرلمان المقبلة لمشروع القانون بصعوبات كبيرة، بسبب معارضة السنة، ورغبة رئيس الحكومة حيدر العبادي مدعومًا من الادارة الاميركية في إنهاء هذا الملف والزجّ بالبعثيين ممن لم يرتكبوا جرائم أدانها القانون في العملية السياسية، والتخلص بشكل تام من الإرث الصعب، الذي خلفه الاجتثاث على الوحدة الشعبية والمصالحة الوطنية.