لمع نجم عبدالفتاح السيسي سريعًا، وصار رئيسًا لمصر وقائدًا لها، بعد تراكم مناسبات وصدف، صبت في صالحه أخيرًا، فظهر كأن الرئاسة أتته وهو لم يذهب إليها.

إعداد عبدالاله مجيد: بعد أربع سنوات على ثورة أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك، ما زالت مصر بلدًا مضطربًا يتطلع إلى الاستقرار، كما اتضح في الذكرى السنوية للثورة في 25 كانون الثاني (يناير)، إذ أُغلق ميدان التحرير حيث تظاهر ملايين المصريين مطالبين بالحرية والديمقراطية، وقُتلت شيماء الصباغ (34 عامًا) ولديها طفل في الخامسة، برصاص قوى الأمن عندما حاولت مع مجموعة من اعضاء التحالف الشعبي الاشتراكي دخول الميدان.

أجواء الخوف

في هذه الأثناء، تتساءل السياسية الليبرالية هالة شكر الله من حزب الدستور: "كيف نتوقع اجراء انتخابات نزيهة إذا كان من ينظمها وزير الداخلية نفسه المسؤول عن قتل أطفالنا؟" ونقلت مجلة شبيغل عن شكر الله قولها إن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة في آذار (مارس) المقبل أمر صعب في اجواء الخوف هذه.

لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يأمل بأن تسفر الانتخابات عن اعتراف من المجتمع الدولي. وإذا لم تكن الانتخابات نزيهة جزئيًا على أقل تقدير فمن المستبعد أن يستقبله زعماء مثل المستشارة الالمانية انغيلا ميركل. لكن زيارة السيسي لبرلين هي على وجه التحديد ذلك النوع من الاعتراف الذي تحتاج إليه مصر، كما تلاحظ شبيغل في تقرير يقتفي صعود السيسي.

صعود السيسي

لا يُعرَف الكثير عن السيسي الذي بزغ نجمه من ظلال الحياة العسكرية. قدم نفسه خلال حملة الانتخابات الرئاسية رجلًا صبورًا حنونًا، وخفض عينيه عندما تحدث عن طفولته في حي الجمالية الذي يعتبر من أقدم احياء القاهرة. سمى نفسه مسلمًا ورعًا لكنه نشأ محاطًا بالانفتاح على الثقافات الأخرى، إذ كان بيت والديه قرب حي اليهود، كما اشار، وما زال يتذكر صوت أجراس الكنيسة ايذانًا بقداس يوم الأحد.

حاول السيسي، ككثير من المصريين ذوي الاصول المتواضعة، أن يحقق النجاح والمكانة الاجتماعية المحترمة من خلال الانخراط في السلك العسكري. فالجيش المصري أكبر الجيوش العربية بنحو نصف مليون جندي، وهو قوة اقتصادية ايضًا. فاسواق القاهرة وبقالياتها تبيع بضائع من انتاج القوات المسلحة، والجيش اكبر منتج في مصر للسلع الاستهلاكية ويشارك في كل القطاعات عمليًا، بحسب شبيغل التي تنقل عن خبراء قولهم إن حجم مصالح الجيش الاقتصادية يزيد على 100 مليار دولار.

11 صفحة!

كان صعود السيسي سريعًا في القوات المسلحة. تخرج من الأكاديمية العسكرية في 1977 وأُرسل إلى بريطانيا لتطوير علومه العسكرية في 1992، وإلى الولايات المتحدة في 2005.

نال شهادة بالدراسات الاستراتيجية من كلية الحرب في ولاية بنسلفانيا في 2006. كان معروفًا بكونه طالبًا مجتهدًا في الثانية والخمسين من العمر يأخذ مسؤولياته بجدية رغم أن رسالة الماجستير التي قدمها تقع في 11 صفحة فقط، بحسب شبيغل.

وبعد عمل السيسي ملحقًا لبعض الوقت في السفارة المصرية في السعودية، وقيادة وحدات مختلفة في سلاح المشاة، رُقي إلى قائد المنطقة الشمالية في 2008، وكان مقره في مدينة الاسكندرية حيث اندلعت بعد سنوات شرارة الثورة على مبارك إثر مقتل الناشط خالد محمد سعيد وما فجره من احتجاجات امتدت إلى ميدان التحرير في القاهرة.

أقوى الشخصيات

بعد فترة قصيرة على خلع مبارك، حقق السيسي خطوة بالغة الأهمية في حياته العسكرية بتعيينه رئيس المخابرات الحربية، ليصبح بذلك واحدًا من أقوى الشخصيات في مصر. وانضم إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم السلطة بصفته حكومة طوارئ انتقالية.

وكاد صعود السيسي ينتهي مع أول ظهور له كرجل قوي، إذ حاول تبرير اختبار العذرية على المحتجات في ميدان التحرير قائلًا إن هذه الاختبارات المهينة رد فعل على الاتهامات التي كانت توجه إلى الجنود بارتكاب اعتداءات جنسية واعمال اغتصاب. وأوقف الجيش هذه الاختبارات بعد موجة من الاحتجاجات فيما توارى السيسي مرة أخرى عن الانظار.

إنقاذ مصر!

بعد انتخاب الاخواني محمد مرسي رئيسًا، قرر تعيين السيسي بمنصب القائد العام الجديد للقوات المسلحة، ثم أعقب هذا القرار بتسليمه حقيبة الدفاع. أطلق قرار التعيين تكهنات بشأن ميول السيسي. واشار كثيرون وقتذاك إلى أن هذا العسكري المؤمن عضو سري في جماعة الاخوان المسلمين. ولفتوا إلى عقلية السيسي التي تتبرقع من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، ما عدا فتحة للعينين.

ولم يكن أحد يتصور أنه من الممكن أن يتحرك السيسي لاسقاط مرسي بعد عام.

أتته الرئاسة

بعد الثورة الثانية، كما يسمي السيسي عزل مرسي، اختار الفريق البقاء في الظل. وتولت حكومة انتقالية تصريف الأمور فيما رفض فكرة الترشيح في الانتخابات الرئاسية. لكن الانتخابات هي التي جاءت إلى السيسي مثلها مثل العديد من الأشياء الأخرى في حياته، وكأن السيسي، صاحب العقل الاستراتيجي، خطط صعوده إلى الرئاسة كمن يخطط لحملة عسكرية، على حد تعبير مجلة شبيغل واصفة منافسه الناصري حمدين صباحي بأنه كان "ورقة توت" حصل على أقل من 3 بالمئة من الأصوات.

وأجرت مجلة شبيغل مقابلة مستفيضة مع السيسي في القصر الرئاسي في منطقة هليوبوليس حيث الشوارع أعرض قليلًا والهواء أقل تلوثا من غالبية المناطق الأخرى في القاهرة التي يسكنها 12 مليون مصري.

ورغم أن السيسي مدرج على قائمة الاسلاميين بأسماء المستهدفين بالاغتيال، فإن مقر اقامته الرسمي يقع قرب طرق رئيسة. ويخضع الزوار لتفتيش دقيق مع عدم السماح بالهواتف الخلوية وأجهزة التسجيل داخل القصر الرئاسي. وسرعان ما يُنسى ضوضاء القاهرة وتلوثها بين الحدائق الغناء وراء اسوار القصر.

القصر المنيف

صمم المعماري البلجيكي ايرنست جاسبار المجمع قبل أكثر من 100 عام ليكون جنينة تضم أفخر فندق في العالم، أو على الأقل في الشرق الأوسط. وأنشأ جاسبار مبنى من 500 غرفة مع صالة رقص ومطاعم ليكون فندقًا يقيم فيه السياح الأجانب. كما مد خط للسكة الحديد من اجل خدمة المجمع.

وبنى جاسبار قبة ارتفاعها 55 مترًا فوق البهو تعيد إلى الاذهان كنيسة القديس بطرس في روما. وبُني القصر بكل مظاهر الترف من مرمر وخشب ماهاغوني وثريات كريستال وسجاد فارسي. أراد السيسي اغتنام هذه الفرصة ليشرح موقفه، فهو يعرف أن هناك وجهات نظر مختلفة بأخذه مقاليد السلطة.

حقق إرادة الشعب

يعتقد غالبية المصريين والسيسي نفسه بالطبع انه حقق إرادة الشعب وان مرسي كان سيدمر البلد. لكن الرأي السائد في الغرب يذهب إلى أن نتائج الانتخابات يجب أن تُحترم حتى إذا جاءت بشخص مثل مرسي إلى الحكم.

لوحات سفن تاريخية معلقة على جدران مكتب السيسي وهناك حقيبة على الأرض. والسيسي البالغ من العمر 60 عاما يجلس على كرسي ذراعاه مطليان بلون ذهبي. وعلى امتداد ساعتين وعشرين دقيقة ظلت ساقاه ساكنتين ولم يمد يده إلى قدح الماء أو الشاي. كان يتحدث بهدوء ومن دون انفعال وبدا متحررا من أي أسباب للقلق، رجلا مؤمنًا بأنه يستطيع أن ينقذ القاهرة ومصر.&