ما زالت تداعيات مقتل 19 من مشجّعي نادي الزمالك في إستاد الدفاع الجوي في القاهرة تتوالى، وكشفت التحقيقات أن الغالبية العظمى من الضحايا سقطت نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع بكثافة، بينما قالت محامية في لجنة الحريات في نقابة المحامين المصرية، إن قوات الشرطة ألقت القبض على بعض المشجعين وأصدقاء الضحايا، مشيرة إلى أنهم تعرّضوا للتعذيب، بالضرب والصعق بالكهرباء، وأعلنت إنسحاب هيئة الدفاع عنهم، إحتجاجًا على هذا الإجراء.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تسيطر حالة من الغضب على المصريين، جراء مقتل 19 مشجّعًا لنادي الزمالك، أثناء دخولهم إلى إستاد الدفاع الجوي لمتابعة مباراة بين فريقهم ونادي إنبي، ووقعت مواجهات بين قوات الشرطة ومجموعات "أولتراس وايت نايتس"، المشجعة لنادي الزمالك، أسفرت عن مقتل 19 منهم، وإصابة نحو 69 آخرين.

ووفقًا لمعلومات حصلت عليها "إيلاف"، فإن تقارير مصلحة الطب الشرعي عن الضحايا، تشير إلى أن غالبيتهم قتلت جراء الإستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع من جانب قوات الشرطة.

عنف مقصود
تقول التقارير التي تسلمتها النيابة العامة، إن تشريح جثث الضحايا، يشير إلى أن الوجه فيه زرقة شديدة، وإسمرار قاتم يميل إلى الزرقة في الشفتين. وأضافت التقارير التي جاءت مفصلة عن كل جثة على حدة، أن التشريح انتهى إلى أن غالبية الجثث تعاني من بقع سوداء قاتمة، وأخرى حمراء في عضلة القلب، وتظهر الأمعاء في حالة سواد قاتم أيضًا.

ورجحت التقارير أن يكون سبب الوفاة يرجع إلى استنشاق كميات ضخمة من غاز سام، رجحت أيضًا أن يكون الغاز المسيل للدموع المستخدم من قبل الشرطة في فض التظاهرات.

بينما اتهمت رابطة "أولتراس وايت نايتس" الحكومة بإجبار أسر الضحايا، على التوقيع على تقارير طبية تفيد بأن الوفاة نتيجة التدافع، وقالت الرابطة في تدوينة لها في موقع فايسبوك، إن "النظام يمنع الأهالي من استلام جثث أبنائهم حتى يقوموا بتوقيع إقرار بأن سبب الوفاة هو التدافع، وليس الاختناق بقنابل الغاز".

في السياق عينه، كشفت المحامية في لجنة الحريات في نقابة المحامين سيدة قنديل، عن تعرّض بعض المعتقلين من أصدقاء القتلى للضرب والتعذيب، وقالت إن "المتهمين الـ 18 المفرج عنهم بكفالة 200 جنيه، تعرّضوا للضرب على يد أربعة ملثمين في مدرعة"، مشيرة إلى أن "التحقيقات كشفت أن معظم المتهمين لديهم تذاكر لحضور المباراة، ولا يوجد أحراز معهم تثبت إدانتهم".

إخفاء محاضر
وأضافت قنديل في تصريحات أرسلتها إلى "إيلاف" أن بعض المتهمين تعرّضوا للتعذيب، لا سيما ثلاثة منهم حضروا مع حراسة خاصة للنيابة العامة، وهم: أشرف حمدان قاسم، (22 سنة)، عمر شريف حسين (19 سنة) طالب في كلية التجارة قسم اللغة الانكليزية، وعلي شعبان أبو الغيط (15 سنة) طالب في المرحلة الإعدادية.

ولفتت إلى أن النيابة العامة رفضت إطلاع هيئة الدفاع عن المتهمين على المحضر الخاص بالمتهمين الثلاثة، منوهة بأن المحامين شاهدوا آثار تعذيب واضحة على المتهمين، ولفتت إلى أن النيابة قالت لهم إن المتهم أشرف حمدان اعترف بحصوله على مبلغ 2000 جنيه، لتوزيعها على زملائه ولشراء صندوق شماريخ، وإن الاتفاق تم بين "كابوهات الأولتراس مشاغب وطبلة وجودزيلا"، (قيادات مشجعي كرة القدم في مصر)، وآخرين، من بينهم إخواني يدعى ياسر من شبرامنت، من أجل إحداث الفوضى والعنف، وأيضًا هم من قاموا بتنفيذ هذه الأعمال في إستاد بورسعيد"،على حد قول قنديل.

وأشارت قنديل إلى أنها التقت " والد المتهم عمر شريف حسين، وأكد أن المتهمين الثلاثة، ألقت قوات الأمن القبض عليهم فجرًا وتعرّضوا للتعذيب والصعق، ولا يزال في قسم شبرامنت 4 متهمين آخرين تعرّضوا جميعًا للتعذيب، حتى حضروا للتحقيق الساعة العاشرة. ونبهت إلى أن النيابة قررت حبس المتهمين 15 يومًا على ذمة القضية.

انسحاب الدفاع
وأعلنت قنديل أن "هيئة الدفاع عن معتقلي إستاد الدفاع الجوي، قررت الانسحاب بعد ما تأكد لنا تعريض المتهمين الثلاثة للتعذيب الشديد والصعق بالكهرباء وتجاهل النيابة لوجودنا، ومنعنا من&حضور التحقيق من بدايته مع المتهمين، الأمر الذي دفعنا إلى الاستقرار على عدم الحضور مع باقي المتهمين".

وقالت قنديل: "إن وقائع ضبط المتهمين وموقف النيابة وشهادة والد عمر شريف واعترافه وما ظهر على المتهمين من آثار تعذيب ومنع المحامين من الإطلاع على المحضر وإثبات الانسحاب فتح باب الشك على مصراعيه بشفافية التحقيقات برمتها".

وتعرضت وزارة الداخلية لإنتقادات واسعة، بسبب الإستخدام المفرط للقوة أثناء التظاهرات والفعاليات الإحتجاجية. وقال صفوت جرجس، رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان، إن واقعة مقتل أعضاء الإولتراس "يفتح باب الانتقادات لوزارة الداخلية والاستراتيجية التي تتبعها في التعامل مع التظاهرات السياسية والفاعليات الرياضية المختلفة".

وأضاف في تصريح لـ"إيلاف" إن واقعة استاد الدفاع الجوي تأتي بعد أيام قليلة من مقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ على هامش الاحتفاء بالذكرى الرابعة لثورة يناير، وبالرغم من الاعلان عن ملاحقة الجاني وتقديمه للمحاكمة، إلا أن جريمة استاد الدفاع الجوي تكشف عن استمرار إفلات الجناة من العقاب وعدم تدريب أفراد الشرطة على الطرق المناسبة للتعامل مع أعمال الشغب".

لصرف تعويضات
ودعا إلى التحقيق مع قيادات الداخلية المسؤولة عن تأمين المباراة، وكذلك مسؤولي الزمالك منظم المباراة وقيادات مشجعي الزمالك للتعرف على ملابسات الحادث وإعلان الحقائق كاملة ومعاقبة الجناة بشكل عاجل وتحقيق العدالة الناجزة وصرف تعويضات عاجلة لأسر الضحايا خاصة"، مشيرًا إلى أن "ايقاف الدوري وتهدئة الرأي العام لن ينجح في تخفيف حدة غضب الرأي العام".

وحذر السلطة الحاكمة في مصر من خطورة استمرار الموقف الراهن، خاصة وأن أحداث مباراة الزمالك أسفرت عن مذبحة جديدة للجماهير المصرية، بعد مذبحة بورسعيد في شباط/فبراير 2012، وبالرغم من ذلك لم يحاكم أحد في هذه المذبحة، وهو ما يزيد من شكوك جدية ملاحقة الجناة، وهو ما يهدد بتكرار جرائم جديدة في ظل عدم ملاحقة المسؤولين عن هذه الجريمة.

كما حذر من تصاعد الغضب الشعبي ضد الحكومة والسلطة الحاكمة نتيجة تكرار الأخطاء وملاحقة النشطاء والسياسيين وقمع الداخلية للمتظاهرين وللاستخدام المفرط للقوة وغياب التعامل الحاسم مع جماعات الشغب السياسية والرياضية، مشيرًا إلى أن هذه الأفعال تعمل على تأجيج الاحتقان في المجتمع. واعتبر أن استمرار نزيف الدماء يهدد استقرار المجتمع، خاصة مع قرب الانتخابات البرلمانية والمؤتمر الاقتصادي، الذي يهدف إلى دعم الاقتصاد المصري، وهو يسمح لجماعات العنف والتطرف بتحقيق& اهدافها على حساب استقرار المجتمع وحقه في التعايش الكامل وسيادة دولة القانون والمساواة.

&