وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره فلادمير بوتين اتفاقية لإقامة محطتين نوويتين لتوليد الكهرباء في أرض الضبعة كمرحلة أولى، فيما يعتبره المصريون أول بعث جديد للحلم النووي الذي يراودهم منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي.


&
بعد مرور ما يقرب من 59 عامًا على إطلاق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر المشروع النووي في أرض الضبعة لإقامة محطة توليد كهرباء وتحلية مياه من الطاقة النووية عام 1956، ولم يتمكن الراحل من تنفيذ هذا الحلم بسبب نكسة 1967، ثم تكرر التأجيل في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وتقاعس الرئيس الأسبق حسني مبارك في إتمام المشروع، رغم أن مصر لم تخض أية حروب طوال 30 عاماً.
&
الأسبوع الماضي، بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي، أولى الخطوات الفعلية، لإحياء المشروع النووي، وتحقيق حلم ينتظر المصريون منذ 59 عاماً. وبدأ الحلم النووي عام 1956م عندما وقع الرئيس جمال عبد الناصر عقد الاتفاق الثنائي مع روسيا بشأن التعاون في شؤون الطاقة الذرية وتطبيقاتها في النواحي السلمية، وغيرها من الاتفاقيات والعقود التي تتيح لمصر الدخول إلى العالم النووي، ومع حلول عام 1964م طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 150 ميغاوات وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم، وبلغت التكلفة المقدرة للمشروع 30 مليون دولار، إلا أن نكسة 1967م أوقفت كل هذه المشاريع، وظل مشروع الضبعة النووي مجرد حلم لم يخرج للنور حتى 10 فبراير 2015 م عندما وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره فلادمير بوتين اتفاقية إقامة أول محطتين نوويتين لتوليد الكهرباء بأرض الضبعة كمرحلة أولى والتي تستوعب حتى 8 محطات نووية.
&
خلال أشهر
&وفقا لتصريحات منسوبة للحكومة المصرية فإن البدء في إنشاء أول محطة نووية في الضبعة سيكون خلال الأشهر القليلة المقبلة، معتبرة أن قرار إسناد إنشاء المحطة لشركة "روزاتوم" الروسية وفر عامين من مدة إنشاء المحطة، وهي فترة طرح المشروع في مناقصة عامة،وأن المواصفات الخاصة بالمشروع قد أعدتها شركة عالمية متخصصة في التكنولوجيا النووية وهي جاهزة للتنفيذ. كما أكدت الحكومة عدم وجود أزمات بشأن أراضي الضبعة بعد استلام الهيئة الهندسية للقوات المسلحة الأرض من الأعراب، وفقا للاتفاق&الذي أبرم بين الطرفين خلال العام الماضي تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
&
توليد الطاقة وسد العجز
إحياء البرنامج النووي المصري، يأتي لتوليد الطاقة، وسد العجز في الكهرباء، لاسيما أن مصر تعاني أزمة طاحنة في مجال الطاقة، وقال الدكتور محمد رضا محرم، أستاذ هندسة اقتصاديات الموارد المعدنية والطاقة، إنه ومجموعة من كبار العلماء المتخصصين في مجال توليد الطاقة أعدوا دراسة مستفيضة عام 2009م حول البرنامج النووي المصري، وأضاف ل"إيلاف": طالبنا في الدراسة بضرورة قيام الحكومة المصرية &بإحياء البرنامج &النووي المصري، لكونه البديل الوحيد والضروري لتأمين إمداد الطاقة في مصر لعدة دوافع أهمها الحاجة الملحة لبناء محطات توليد كهرباء سنويا تتراوح ما بين "1200-1500" ميغاوات، لمواجهة الزيادة على طلب الكهرباء في ظل ضرورة الحفاظ على موارد الطاقة البترولية من غاز طبيعي وزيت وهي مواد غير متجددة وقابلة للانتهاء وكذلك في ظل المحدودية الاقتصادية لإنتاج طاقة كهربائية من الرياح والشمس .
&
وفرة اليورانيوم
وأوضح محرم أن مصر تتمتع بتعدد أماكن &تواجد عناصر الطاقة النووية واليورانيوم فيها، مشيرا إلى أن الدراسات أظهرت وجود اليورانيوم في منطقة أم بجمة التي تقع غرب ووسط سيناء، كما توجد في منطقة سانت كاترين ،وقدر الاحتياطي من اليورانيوم المتوفر في مصر &ب"15 ألف طن". ونوه بأن خامات العناصر المشعة ويقصد بها مجموعة المعادن التي تحتوي على تركيبات كيميائية من عنصر اليورانيوم أو الثوريوم متوافرة في صحراء النقب بالقرب من بئر سبع التي تحوي من 30ألفا إلى 60 ألف طن يورانيوم ،وهناك 435 محطة كهرباء نووية على مستوى العالم بنسبة 16 % وينتظر أن تزيد تلك النسبة إلى 22% عام 2050 م خاصة وأن تكلفة &سعر اليورانيوم &تصل إلى 5% من إجمالي إنتاج الكهرباء ،وأن إنتاج تشغيل محطات الكهرباء باليورانيوم أقل تكلفة من التشغيل بالبترول أوالغاز الطبيعي أو الفحم.
&
ونبه إلى أن الحزب الوطني المنحل في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2007م طالب بضرورة احياء البرنامج النووي المصري بتنفيذ أربع محطات نووية تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية حتى عام 2022م، ويبدأ تشغيل المحطة الأولى عام 2017م/2018م ،وقد قام مبارك في ذلك الوقت بتوقيع عدة اتفاقيات دولية &مع هيئة الطاقة النووية للمساعدة في الاستفادة من التكنولوجيا النووية ومن المواد غير المستغلة لتوليد الطاقة كبديل في مصر.
&
ابتعاد عن أميركا
في السياق ذاته قال الدكتور حسام الدين محمود ، خبير الطاقة النووية، ﻠ"إيلاف": "إن مصر طلبت &شراء محطات نووية من روسيا بالأمر المباشر بعيداً عن أميركا والغرب لكونهما لا يمكن أن يعطياها تكنولوجيا نووية من أجل إرضاء حليفتهما في المنطقة "إسرائيل ". ولفت إلى أن السياسة الأميركية تقضي بألا يمتلك المصريون تكنولوجيا نووية سلمية، منوهاً بأن أميركا واللوبي الصهيوني في أعوام 64،74،1983م وقفا أمام مناقصات كانت تعرض على مصر لإقامة محطات نووية سلمية وأفشلاها".
&
&وأضاف أن روسيا هي الدولة الوحيدة القادرة على إعطاء مصر التكنولوجيا النووية، نظراً لخبرتها الكبيرة في هذا المجال كما أنها ستقف في وجه أي محاولة أميركية &لوقف المشروع النووي &المصري من أجل مصلحتها أولا في مجال الاستثمار في هذا المشروع الضخم. &
وتابع الخبير النووي أن تكلفة المحطة النووية في الضبعة سوف تصل إلى خمسة مليارات دولار، ينتظر وفقا للاتفاق أن يتحمل الجانب الروسي نسبة 80 % من تكلفة المشروع &في حين تتكلف مصر 20% &فقط لضمان سرعة إقامة المحطة بعيدا عن الأزمات الاقتصادية الداخلية التي تواجه الحكومة المصرية.
&
قلق من إشراف أميركي
فيما أعرب الدكتور صلاح حسب الله، أستاذ العلوم السياسية، خشيته من أن تطالب أميركا والدول الأوروبية بالإشراف على المشروع النووي في مصر لتخوفها من استغلاله عسكريا مثلما حدث في إيران، من أجل ضمان أمن وسلامة إسرائيل. وأضاف أن هناك عقبة أخرى تضاف إلى عراقيل المشروع، هي أن روسيا تمر بأزمة اقتصادية صعبة بسبب الحصار الغربي الأميركي على خلفية الأزمة الأوكرانية، وبالتالي لن تقوم بإنشاء المحطة لمصر كمنحة مجانية، وهو الأمر الذي يحمل الحكومة المصرية التكلفة الكبيرة من إنشاء المشروع، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة أيضا التي تمر بها البلاد فقد يقف التمويل أمام تمويل إنشاء المحطة وتحقيق حلم المصريين.&
&
المقابل.. مواد غذائية
ولفت إلى أن روسيا الأكثر استفادة من اتفاق إنشاء المحطة النووية في مصر، مشيرا إلى أنه بمقتضى الاتفاق فإن مصر سوف تورد مواد غذائية لروسيا دون انقطاع حتى يتم اكتمال المشروع، وبالتالي قضاء الدب الروسي على أزمة الحصار الغربي له بوقف الإمداد الغذائي بسبب العقوبات على خلفية الأزمة الأوكرانية، وهو ما سوف يترتب عليه أزمات داخلية كبيرة في ظل توفير الحكومة المصرية احتياجات المواطن من الغذاء بالكاد.
ودعا إلى ضرورة دراسة المشروع من كافة جوانبه دون التسرع بحيث يكون هناك فائدة حقيقية من إقامة المشروع في الوقت الحالي، والذي قد يستغرق إنشاؤه أكثر من سبع سنوات.
أميركا قالت إنها لا تعارض الإتفاق النووي المصري الروسي، وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، إن واشنطن لا تعارض مذكرة التفاهم التي وقعت عليها مصر وروسيا خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة بشأن بناء محطة نووية في مصر.
وأضافت في تصريحات صحافية: "ما نفهمه هو أنه كانت هناك مباحثات بين الجانبين منذ فترة في هذا الشأن"، مشيرة إلى أنه لا يوجد لدى واشنطن أي قلق إزاء ما قد أُعلن عن هذا الاتفاق.
وأكدت ساكي دعم الولايات المتحدة لبرامج الطاقة النووية السلمية في إطار الالتزامات باتفاقية حظر الانتشار النووي التي تعتبر مصر إحدى الدول الموقعة عليها وكذلك بالتزامات المنظمة الدولية للطاقة النووية وأقصى درجات المعايير الدولية للأمن وحظر الانتشار النووي والرقابة على الصادرات.
&