يبدو أن عصر "النمو على الطريقة الصينية" للاقتصاد التركي قد ولّى الآن، فيما بدأ أداؤه المقبل بإثارة قلق المستثمرين تغذيه تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان الرافضة للتقليد، والقاطعة مع الماضي.


إيلاف - متابعة: القفزة المذهلة التي حققتها تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم مع تسجيل مستويات قياسية للنمو تجاوزت 8% في 2010 و2011، تشكل أحد مفاتيح استمرار إردوغان على رأس البلاد، وحجته الرئيسة للحفاظ على موقعه. لكن قبل أربعة أشهر من استحقاق الانتخابات التشريعية المقبلة، تضررت هذه الحصيلة، إلى حد كبير، بسبب أزمة منطقة اليورو والنزاعات المجاورة في العراق وسوريا.

معركة مع المركزي
فضلًا عن ذلك، فإن استمرار التوترات السياسية الحادة داخل البلاد يسبب بالحد كثيرًا من حماسة ونشاط الأسواق، لاسيما وأنها تتعلق مباشرة برئيس الدولة، الذي يخوض منذ أشهر حربًا مع البنك المركزي، الذي يتهمه بالإبقاء على نسب فائدة مرتفعة مضرّة بالنمو.

وأسهمت آخر تصريحاته في هذا الخصوص في إضعاف الليرة التركية، التي تدهورت هذا الأسبوع إلى أدنى مستوى تاريخي لها، ليتم تداولها بمعدل 2.50 ليرة تركية للدولار الواحد، قبل أن تعاود التحسن.

واعتبر المحلل وليام جاكسون من مؤسسة كابيتال إيكونوميكس أنه "من الصعب معرفة ما إذا كان الأمر متعلقًا بوضع سابق للانتخابات أو إنه أمر آخر أكثر خطورة. لكن ذلك يطرح في مجمل الأحوال مشكلة استقلالية المؤسسات في تركيا". وإضافة إلى الشكل، فإن تصريحات رئيس الدولة تسببت باضطراب الأسواق لجهة أفكاره الاقتصادية غير التقليدية.

فقد أشار إردوغان إلى أن نسب الفائدة المرتفعة التي أبقتها المؤسسة المالية هي المسؤولة المباشرة عن التضخم المستمر (8.17% في 2014)، فيما تقول النظرية الاقتصادية إن خفض نسب الفائدة يشجّع على ارتفاع الأسعار من خلال زيادة كمية المال المتوافر في الاقتصاد.

طمأنة باباجان
وقال الرئيس التركي "إن نسبة الفائدة هي السبب، والتضخم هو النتيجة. لكن بعض أصدقائنا يعتقدون أن العكس (صحيح). فأي منطق يختبئ وراء ذلك؟". وعلى الفور رد عليه حاكم البنك المركزي آردم باشتشي، الذي يستهدفه رئيس الدولة مباشرة، قائلًا "إن أفضل إسهام في النمو هو الحفاظ على استقرار الأسعار".

وسعى نائب رئيس الوزراء المكلف الاقتصاد علي باباجان إحدى الشخصيات النادرة في حزب العدالة والتنمية، الذي احتفظ بثقة الأسواق، إلى تهدئة الخواطر، بإشارته إلى خطر جعل نسب الفائدة "موضوعًا يوميًا في الجدل السياسي".

باللهجة نفسها، قال كاتب الافتتاحية الاقتصادية في صحيفة حرييت أردال ساغلام باسف إن مواقف الرئيس "تضر بالمستقبل الاقتصادي والسياسي" للبلاد، لأنها تثير قلق المستثمرين الأجانب، الذين يُعتبرون عنصرًا ضروريًا لضمان الصحة الاقتصادية.

في هذا المناخ المتوتر، انضمت تركيا، التي تترأس هذه السنة مجموعة العشرين التي تضم الدول الأكثر ثراء في العالم، إلى نادٍ آخر، هو نادي الدول الناشئة، التي يعد اقتصادها أكثر ارتباطًا بالاستثمارات الأجنبية، وتضم الاقتصادات "الخمسة الهشة" المعروفة، وهي البرازيل، الهند، أندونيسيا وجنوب أفريقيا.

المعجزة انتهت
ولخص وليام جاكسون الوضع بقوله "يمكن القول إن المعجزة الاقتصادية التركية في الألفية الثانية انتهت، وما لم يحصل تحسن كبير، سأكون مندهشًا لرؤية النمو التركي يتجاوز 3 % خلال فترة طويلة". لكن انخفاض أسعار النفط حمل نفحة أوكسجين إلى أنقرة، التي تستورد معظم مصادر طاقتها، وتعاني من عجز كبير في حساباتها الجارية. وهذا الأخير تدهور في العام لماضي بنسبة 29% ليصل إلى 45.8 مليار دولار.

لكن هذه النعمة لن تكون كافية. فقد لفتت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إلى "قدرات إعادة التوازن" للاقتصاد التركي، لكنها حذرت من أن صموده سيكون "على المحك في 2015" بفعل السياسة المالية الأميركية والوضع الجيوسياسي.

هذا يبدو مسيئًا إلى الهدف الطموح، الذي حدده الرئيس إردوغان، الذي يرغب في رفع بلاده من المرتبة الثامنة عشرة إلى المرتبة العاشرة في السلم الاقتصادي العالمي، مع حلول الذكرى المئة لتأسيس الجمهورية التركية في العام 2023.

ولفت تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية نشر هذا الأسبوع إلى أن الهوة بين تركيا والنصف الأول من دولها الأعضاء "مستمرة في التقلص، لكنها تبقى مع ذلك كبيرة". ويربط تقلصها بإصلاحات كبيرة في مجال سوق العمل والتعليم.
&