دعت بريطانيا إلى مزيد من التقدم في المصالحات السياسية في العراق، مؤكدة أن قواتها تساهم في مواجهة تنظيم (داعش)، الذي يزعم أنه يمثل الإسلام وهو ليس كذلك.

نصر المجالي: أثنى السفير البريطاني لدى العراق فرانك بيكر، على الخطوات التي اتّخذها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وحكومته، معتبراً أن تقدّماً كبيراً قد تحقّق منذ أن تولّى السلطة وسط ظروف صعبة واستثنائية أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد استيلاء تنظيم (داعش) على مساحاتٍ واسعةٍ من غرب العراق وشماله، ما أدّى إلى نشوء أزمة أمنية وسياسية واقتصادية وإنسانية.

&وقال السفير بيكر إن التقدم الذي حقّقه العبادي بعد أكثر من 100 يوم بقليل على تولّيه مهمّات منصبه مثير للإعجاب، فقد باتت لدى العراق الآن حكومة هي الأكثر تمثيلاً لطوائف المجتمع العراقي منذ أعوام طويلة، يتولّى فيها وزراء أكراد وسنّة مناصب حكومية أساسية.

وأضاف سفير المملكة المتّحدة في بغداد أن رئيس الوزراء العراقي تمكّن من التوصّل إلى اتّفاق نفطي مع إقليم كردستان العراق يعود بفوائده الاقتصادية على العراقيّين كافة.

علاقات إيجابية

وقال إن العبادي مدّ يده أيضًا إلى الدول المجاورة، وبذلك أعاد تأسيس علاقاتٍ إيجابية مع شركاء أساسيين في المنطقة، بمن فيهم تركيا والسعودية.

وأشار إلى أن العبادي بدأ كذلك معالجة مشكلة الفساد لدى قوّات الأمن العراقية، وألغى مدفوعات كان تُعطى لنحو 50,000 (جندي شبح)، وعزل مسؤولين كباراً من الجيش ووزارة الداخلية في سياق جهوده لإعادة بناء المؤسّسات العراقية.

&ورأى السفير بيكر في مقابلة نشرها موقع وزارة الخارجية البريطانية أنه "مع ذلك، ما زالت توجد طبعاً تحدّيات كبيرة، وأتطلّع إلى أن أرى تقدّماً في الخطط التشريعية للحكومة ولا سيما منها ما يتعلّق بجهود بناء المصالحة السياسية. فالحكومة الجديدة حقّقت فعلاً بعض التقدّم في هذا المجال".

وأضاف أن الحكومة العراقية التزمت عدم قصف مناطق مدنية في أثناء استهداف مواقع (داعش) في الأنبار. وأنها أحالت إلى البرلمان مشاريع قوانين تتعلّق بتشكيل الحرس الوطني وبـ "المساءلة والعدالة".

وقال إن العمل في نهاية المطاف نحو عملية سياسية تشمل الجميع ويستفيد منها كافة العراقيين هو السبيل الوحيد لأن يحقق العراق ازدهاره على الأجل الطويل ومكافحة التهديدات الخطيرة التي ما زال يشكّلها تنظيم (داعش).

مواجهة داعش

&وفي ما يتعلّق بمواجهة (داعش)، أوضح السفير البريطاني في بغداد أن ضغوطاً شديدة يتعرّض لها مقاتلو هذا التنظيم، فقد استطاعت قوات البشمركة تحرير عدد من المدن الاستراتيجية المهمّة في شمال العراق، بدعم من ضرباتٍ جوية تنفّذها قوات التحالف.

وأضاف بيكر أن قوّات الأمن العراقية استعادت منطقة داخل مدينة بيجي وفي محيطها تضم حقول نفط مهمّة، واستطاعت أيضًا إخراج (داعش) من غالبية محافظة ديالى. وأكد أن في موازاة ذلك، نفّذت قوات التحالف الجوية ما يربو على 2,000 ضربة جوية ضدّ مواقع (داعش)في العراق وسوريا منذ أغسطس/آب.

وقال السفير البريطاني إن هذه الجهود مجتمعة أدت إلى خسارة التنظيم ما يفوق 700 كيلومتر مربّع من الأراضي، أي ما يعادل تقريبًا 20% من مساحة دبي. ودعا السفير بيكر إلى "وجوب أن يظلّ القتال ضدّ داعش في العراق بقيادة العراقيّين أنفسهم، مع ضمان أن تكفل الحكومة العراقية استمرار ردّها الشامل والموحّد".

جرائم التنظيم

وعمّا إذا كانت لدى السفارة البريطانية في العراق صورة عن الوضع المعيشي في المناطق التي يسيطر عليها (داعش)،& أوضح بيكر أن في زياراته الدورية لأنحاء مختلفة من العراق ولا سيما للشمال وأخيراً لمدينة النجف المقدسة والبصرة، التقى بمن اضطرهم إرهابيّو (داعش) إلى ترك بيوتهم. وقال: "شاهدتُ بنفسي أثر ذلك عليهم: أعداد لا تحصى من الأطفال الذين كانوا يتطلّعون إلى بدء الدراسة في المدارس قد حرموا من مستقبل يستحقونه".

وأوضح أنه "من الصعب دخول المناطق التي يسيطر عليها إرهابيّو التنظيم، لكن بدأت تبرز إلى الضوء روايات لما يحدث فيها، وهي روايات كئيبة جدًا. ففي الفترة من يونيو (حزيران) إلى أكتوبر (تشرين الأول) اعتُقل نحو 20,000 شخص لمجرد تدخينهم السجائر".

وأضاف السفير البريطاني في العراق: "لإعطاء فكرة عن ضخامة ذلك، فإن الرقم 20,000 يمثل متوسّط عدد مشجعي مباريات كأس آسيا لكرة القدم، التي حقق فيها الفريق العراقي وفرق أخرى من المنطقة نتائج جيدة".

كما تم قطع شبكات الهواتف الخلوية بينما الاتصال بالإنترنت متقطع، ما تسبب بصعوبات كبيرة لعدد من الناس، بمن فيهم من يحاولون فقط كسب أرزاقهم.

وتضاعفت أسعار الوقود، رغم أن أسعار الوقود عالميًا تشهد انخفاضًا. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 50% في بعض الحالات. وأغلقت جامعة الموصل، وهي ثاني أكبر جامعات العراق.

مواصة القتل

ونبه السفير البريطاني إلى أن إرهابيي داعش يواصلون قتل مئات من مواطني العشائر، بمن فيهم النساء والأطفال، بطريقة وحشية لمجرد عدم موافقتهم على قواعد داعش الصارمة.


وقال بيكر: "أعتقد أن كلّ ذلك إنما يؤكد على مدى بربرية تنظيم داعش الإرهابي. فإرهابيّوه يزعمون أنهم يمثلون الإسلام، لكنهم ليسوا كذلك. بحيث أن عدد ضحاياهم القتلى من المسلمين هو أكثر بكثير من ضحاياهم من غير المسلمين، وهو ما اتّضح أخيراً من جريمة القتل البربرية والسادية للطيّار الأردني الملازم أول معاذ الكساسبة".

&وأكد أن "داعش تنظيم إرهابي يضم إرهابيين بربريين. وهو يحاول فرض إرادته من خلال وحشيته باللجوء إلى ممارسات حرق الناس أحياء وقطع الأعناق والصلب وذبح الأطفال وبيع النساء كعبيد والاغتصاب المنهجي كسلاح. وما ذلك إلا إرهاب مخفي بستار الدين الإسلامي& الذي هو أحد أعظم أديان العالم، ولا يربطه أي رابط مشترك على الإطلاق مع بربرية داعش. فإرهابيّو التنظيم يحاولون استغلال الدين ذريعة لتنفيذ أعمالهم الوحشية الفظيعة".

تهديد عالمي

وعن تأثير هذه الأوضاع على المملكة المتّحدة، قال إن "داعش هو مصدر تهديد عالمي. وإرهاب التنظيم يشكّل تهديداً حقيقياً لكل دولة في العالم".

واضاف بيكر: "ربما أن مواطني المنطقة يشعرون أكثر بهذا التهديد، لكن للمملكة المتحدة مصلحة مباشرة أيضًا بالقضاء عليه"، واعتبر أن هناك الكثير ممّا يمكن أن تقوم به بريطانيا في هذا المجال. فهي عنصر أساسي في تحالف يضمّ أكثر من 60 دولة تعمل معاً لإضعاف (داعش) ومن ثمّ هزمه، بما في ذلك تقديم الدعم للحكومة العراقية، إلى جانب مساعدة آخرين يقاتلون التنظيم مثل المعارضة المعتدلة في سوريا.

الدعم العسكري

وأكد سفير المملكة المتّحدة في بغداد أن القوات البريطانية المسلّحة تساعد في تدريب قوات الأمن العراقية ميدانياً هناك. وقال إن “من مصلحتنا ومن مصلحة العراق أن نقدّم خبرات المملكة المتحدة الفريدة، ولا سيما حيثما تتوافر لدينا موارد ليس باستطاعة دولة أخرى في التحالف المساهمة فيها.

وأوضح أنه تمّ بالفعل تقديم دورات تدريب في إقليم كردستان العراق للتصدّي للعبوات الناسفة محلية الصنع، وموّلنا دورة تدريب في بغداد.

وأشار إلى أن& "المملكة المتحدة أهدت أيضاً معدّات عسكرية للقوات العراقية تشمل 40 مدفعاً رشاشاً ثقيلاً ونحو نصف مليون طلقة من الذخائر، و50 طنّاً من السترات الواقية وغير ذلك من الدعم غير الفتّاك، وأوصلنا 300 طن من الأسلحة والذخائر نيابة عن دول أخرى في التحالف".

وأوضح بيكر أن عسكريين بريطانيّين أتمّوا تدريب عراقيين على الأسلحة الرشاشة الثقيلة المهداة، بحيث درّبوا 144 من قوات البشمركة، وتقدم المملكة المتحدة الآن سلسلة دورات تدريب لمقاتلي البشمركة لتنمية مهارات المشاة القتالية لديهم ومهارات القيادة ودقة التصويب والإسعافات الأولية.

واعتبر السفير بيكر أن الضربات الجوية التي ينفّذها سلاح الجوّ الملكي البريطاني تساعد القوات العراقية على الأرض، فبحلول 23 يناير/كانون الثاني 2015، كانت طائرات تورنادو وريبر قد نفّذت 335 مهمّة قتالية و127 ضربة جوية ضد مواقع (داعش).

&وتواصل كل من طائرات ريبر بلا طيّار مع طائرات تورنادو تقديم مساعدة حيوية في مجال المعلومات وعمليات الاستطلاع والمراقبة في سياق دورها ضمن التحالف الدولي الذي يدعم الحكومة العراقية.

&وقال بيكر: "يتّضح تماماً من الضربات الجوية البريطانية وغيرها من الإسناد العسكري أن المملكة المتحدة ستلعب دورها لمساندة العراق في تصديه لداعش، لكننا كنا دائماً واضحين أن التصدي لهذا التهديد سيستغرق وقتًا طويلاً. والضربات الجوية وحدها لن تهزم داعش، وعلينا أن نتحلّى بالصبر إلى أن نهزم كل وجه من أوجه الأيديولوجية الشريرة للتنظيم. وستقوم& المملكة المتحدة بدورها في تدميره ومساعدة أصدقائنا المسلمين في بريطانيا وفي أنحاء العالم، في جهودهم الرامية إلى استرداد سمعة دينهم".

المساعدات الإنسانية

أما عن الجهود التي تبذلها بريطانيا لمساعدة الفارّين من وجه (داعش) في العراق والمنطقة، فقد أوضح السفير البريطاني أن وزارة التنمية الدولية تتولّى جهود المملكة المتّحدة في الاستجابة الإنسانية وتأمين مساعدات منقذة للأرواح للمواطنين من أنحاء العراق الذين اضطرهم إرهابيّو (داعش) إلى النزوح عن بيوتهم.

واشار إلى أن المملكة المتحدة تُعدُّ أحد أكبر المساهمين في الجهود الإنسانية، بحيث خصصت 39.5 مليون جنيه استرليني من المساعدات.

&وقال السفير البريطاني في هذا السياق، إن المملكة المتحدة استجابت خلال الصيف لمساعدة الأعداد المتزايدة من العراقيّين الذين فروا من بيوتهم، بحيث قدّمنا 23 مليون جنيه استرليني من المساعدات الإنسانية الطارئة.

وقال: وما زالت هذه الأموال توفّر المواد الغذائية والمأوى والماء واللوازم الصحية والرعاية الطبّية لآلاف العائلات المحتاجة النازحة. ومع حلول فصل الشتاء في العراق وانخفاض درجات الحرارة لما دون الصفر، نواصل دعمنا بالمساهمة بمبلغ إضافي مقداره 16.5 مليون جنيه استرليني لتوفير مساعدات أساسية لعشرات آلاف العائلات.

وأشار إلى أن ذلك يشمل بطانيات ومواقد تدفئة وغير ذلك من لوازم الوقاية من برد الشتاء لنحو 14,000 عائلة نازحة، ومساعدة 16,000 عائلة على شراء ملابس شتوية، وتوفير مأوى لنحو 4,500 عائلة لحمايتها من ظروف طقس الشتاء، إلى جانب الرعاية الصحية وزيادة الماء الصالح للشرب لآلاف العراقيّين.