صرف الكاتب محمد السيف ثلاثة أعوام في جمع كل ما له صلة بالشيخ ناصر المنقور، الوزير الدائم والسفير الملكي ومؤسس "الرياض" والانسان، ليلمها في سيرة تعيده إلى الأذهان، في كتابه "ناصر المنقور.. أشواك السياسة وغُربة السفارة".
&
مِن الرجال مَن يترك أثرًا في هذه الدنيا، فيمر مرور كرامٍ لا يمكن أن تُنسى كراماتهم. مِن هؤلاء الشيخ ناصر المنقور مؤسس جامعة الملك سعود، وأول وآخر وزير لشؤون مجلس الوزراء، الذي غادر الدنيا منذ ثمانية اعوام، بينما بقي ماثلًا في نفوس كثيرين، من أمثال الكاتب محمد السيف، الذي اختصّ لنفسه فن كتابة السيرة.
&
جنى السيرة
&
أصدرت دار جداول البيروتية للسيف كتابه "ناصر المنقور.. أشواك السياسة وغُربة السفارة"، الذي يستعيد بين دفتيه تجربة الشيخ المنقور الحافلة بمواقف عاشها بين مكاتب الإدارة ومتاهات السياسة ومسارب الدبلوماسية، فتضعه في متناول القراء في معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي ينطلق في الأسبوع القادم.
&
يجني السيف في هذا الكتاب مسيرة أربعة عقود من العمل الدؤوب، التي انصرف في خلالها المنقور إلى ترسيخ دعائم العمل الإداري والسياسي والدبلوماسي في المملكة العربية السعودية، فكان المدير العام العارف بإدارته، والوزير الذي لا غناء عنه، والسفير الذي تخطى أسوار السفارة، وفي كل الأحوال كان السعودي الذي لا تغره المناصب ولا تغيّره الألقاب.
غلاف الكتاب
&
ثراء التجربة
&
إنها تجربة، لا شك، تستحق القراءة والتمثل، استقاها السيف من معلومات موثقة جمعها في ثلاثة أعوام، واضعًا نقاطًا على حروف سيرة الشيخ المنقور، منذ ولد وترعرع في حوطة سدير، حتى وافته المنية ودفن جثمانه في مقبرة لوتشمند في لندن.
&
تجربة غنية بناها المنقور لبنة فوق أخرى، ورصفها مرحلة تلو أخرى، منذ توليه معتمدية المعارف بنجد في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، ثم تنقّله في الرياض ومكة المكرمة والقاهرة.
&
حشر الكاتب السيف هذه التجربة الثرية في 576 صفحة من القطع الوسط، وبوّبها في أحد عشر فصلاً، وفصّل فيها تفاصيل دقيقة من سيرة المنقور، انتخبها محطات لا يمكن إغفالها، لما تشتمله من أدوار وطنية رائدة، كدوره السبّاق في تأسيس جامعة الملك سعود وإدارتها، ودوره في سياسة شؤون مجلس الوزراء، إذ كان الوحيد الذي حمل هذه الحقيبة، قبل أن يحمل حقيبة العمل والشؤون الاجتماعية، وكدوره البناء في السلك الدبلوماسي.
&
السفير الملكي
&
بحسب السيرة التي لمّها الكاتب، سار المنقور مسيرة دبلوماسية استمرت لأكثر من ثلاثين عامًا، مهدها في العاصمة اليابانية ولحدها في العاصمة البريطانية، كان خلالها السفير الملكي، كما لقّبه السيف، إذ مثّل ثلاثة من الملوك السعوديين أولًا، وكان الوحيد الذي عُيّن سفيرًا في ست ممالك آسيوية وأوروبية ثانيًا، هي اليابان والسويد والنروج والدنمارك وإسبانيا والمملكة المتحدة.
&
وإن كان المنقور هذا الوزير السفير القدير، فهو كان أيضًا ذلك المثقف، الذي بدأ متعاونًا مع حمد الجاسر في مجلة اليمامة، والذي كان له اليد الطولى، مع مثقفين من أمثاله، ومع رجال أعمال وثقوا في حكمه، في تأسيس صحيفة "الرياض" المستمرة حتى يومنا هذا، وكان له أول افتتاحية في أول أعدادها، وكان حينها سفير السعودية في اليابان.&
&
شخصية فريدة&
&
يجد السيف نفسه، بعد ثلاثة أعوام صرفها في البحث عن اركان سيرة المنقور، ملتقيًا رفاق دربه واصدقاءه وأفرادًا من عائلته، يجد نفسه أمام شخصية فذة، مميزة بإنسانية بلا حدود، وبفكر واعٍ بلا تردد، وبحس أخلاقي مرهف، لا تهمه متاع الدنيا فيرذلها، من دون أن ينطوي على نفسه، بل بسط كفه في محبة الناس بمعروف وإحسان، وخدم المملكة أربعة عقود بلا كلل وبلا تأفف، بكل تواضع وبرفعة عن السوء، ما قرّبه من العامة، وما دفع الخاصة إلى اصطفائه ومصادقته.
&
يرفع السيف هذه السيرة عن المنقور وكأنه يريد أن يكون لسان حاله، وهو الذي ما تكلم عن إنجازات حققها، متمسكًا بنبل قلّ نظيره في من يتبوأ المناصب العليا، وبابتسامة يرجوها كل طالب خدمة أو معروف. وما أراد أن يشقى به أحد متى يموت، كما كان خفيفًا متى لاقت به الحياة، فأوصى أن يدفن حيث يلفظ أنفاسه الأخيرة، فكان له ما أراد.