نجحت مصر في استعادة دورها الريادي في القارة السمراء "أفريقيا"، خلال فترة وجيزة، بسبب ما أطلق عليه مصطلح "القوة الناعمة". وتعتمد مصر في سعيها إلى استعادة دورها الريادي على جوانب غير سياسية، منها تنظيم دورات تدريبية للمسؤولين والنشطاء والصحافيين والإعلاميين الأفارقة، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية في مجالات الصناعة والزراعة وحماية البيئة، فضلًا عن تنظيم زيارات أو استقبال وفود شعبية مع الدول الأفريقية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يرى خبراء ودبلوماسيون أن مصر تمتلك الكثير من مقومات القوة الناعمة، مؤكدين أن مصر حصلت على مكانتها الرائدة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عبر القوة الناعمة، ومنها الثقافة والسينما، معتبرًا أن الأفلام السينمائية والروايات والأدب المصري كانوا خير سفير لها، وفتحوا أمامها الكثير من الآفاق في مختلف أنحاء العالم.

جذب إقليمي
في إطار سعيها الدائم نحو استعادة دورها الريادي في أفريقيا، وحل أزمة مياه حوض النيل، بطرق دبلوماسية، تستخدم مصر ما يعرف بـ"القوة الناعمة" سبيلاً إلى استمالة الأفارقة إليها. وفي هذا الإطار تنظم العديد من الدورات التدريبية، وتستقبل وفودًا أفريقية في شتى المجالات.

ونظرًا إلى قناعة الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن الصحافة والإعلام أخطر وسائل العمل السياسي، نظمت مصر زيارة لوفد ضم رؤساء تحرير ومسؤولين صحافيين وإعلاميين من دول حوض النيل ودول تجمع "السادك" بلغ عددهم 28. وشملت تلك الزيارة مقابلته، وعقد لقاءات مع وزير الخارجية سامح شكري، والسفير حازم فهمي أمين عام الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، والوزير مفوض محمد حمزاوي نائب مساعد الوزير لشؤون دول حوض النيل.

كما شملت زيارة الصحافيين الأفارقة مقابلة مع مسؤولي المجلس المصري للشؤون الخارجية والجمعية الأفريقية، وزيارات أخرى إلى أكاديمية ناصر العسكرية العليا، وأكاديمية الشرطة، والهيئة العامة للاستعلامات، ومقر اتحاد الصناعات في مدينة العاشر من رمضان، وصحيفتي الأهرام والمصري اليوم، والقرية الذكية وهيئة توثيق التراث الحضاري. كما تضمنت الزيارة جدولًا سياحيًا شمل زيارات إلى أهرامات الجيزة ومجمع الأديان في مصر القديمة والمتحف المصري وزيارة إلى مدينة أسوان وحضور عرض الصوت والضوء في معبد فيلة.

دورات تدريبية
في مجال المياه والريّ، نظمت مصر دورة تدريبية لنحو 20 مسؤولاً أفريقياً، تحت عنوان "تنمية القدرات في إدارة المياه للكوادر الأفريقية"، خلال الفترة من 18يناير/ كانون الثاني، حتى 26 فبراير/ شباط الجاري. وضمت الدورة متدربين من دول غانا، ومدغشقر، وزامبيا، وأوغندا، وجامبيا، ونيجيريا، وموزمبيق، وإريتريا، وبوركينا فاسو، وتشاد، وتوجو.

أما في مجال الطب، فاحتضنت مصر دورة تدريبية تحت عنوان "إدارة الجودة الشاملة للرعاية الصحية" في كلية الطب في جامعة الفيوم، خلال الفترة من 8 حتى 26 فبراير/ شباط الجاري، وشارك فيها 19 متدربًا من دول الصومال، ومالاوي، وغانا، وتنزانيا، والكونغو الديمقراطية، وأوغندا، والسودان، وزيمبابوي.

وفي ما خص مجال الطب البيطري، عقدت في المركز المصري الدولي للزراعة، دورة تدريبية للأطباء البيطريين في مجال الثروة الحيوانية في دولة السودان، لمدة أسبوعيّن، وضمت ثلاثة وعشرين متدربًا سودانيًا. وتناولت الدورة التدريبية أهم الطرق الحديثة لتربية وتغذية الثروة الحيوانية، وتقدير الإحتياجات الغذائية والعوامل المٌؤَثرة عليها، والأسس العلمية لتغذية الثروة الحيوانية، وبرامج الوقاية والتحصينات للثروة الحيوانية، والتقويم الاقتصادي للحيوانات.

وقال السفير حازم فهمي، أمين عام الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، إن مصر حريصة على تعزيز علاقاتها المتميزة مع السودان الشقيق في مختلف المجالات لما فيه مصلحة شعبيّ وادي النيل، وأكد اهتمام الوكالة بمثل هذه الدورات التدريبية التي تدفع بجهود السودان قدمًا لتحقيق التنمية في المجال الزراعي والأمن الغذائي. كما أثنى على التعاون البناء القائم مع المركز المصري الدولي للزراعة، متمنيًا للمشاركين المزيد من التقدم بهدف تنمية الثروة الحيوانية في السودان.

وللدبلوماسية حصتها
من جانبهم، أعرب المتدربون عن شكرهم لمصر لما تقدمه من دعم فني إلى السودان في مختلف المجالات، وسعادتهم بفترة التدريب التي أمضوها، معربين عن رغبتهم في زيادة دعم مصر الفني في مجال الزراعة والثروة الحيوانية في ضوء الفائدة التي عادت عليهم، والخبرات التي اكتسبوها. وفي مجال الدبلوماسية، عقد معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية، دورة تدريبية لـ24 دبلوماسيًا من دول السودان، وجنوب السودان، وأثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا، ونيجيريا، ومالاوي، وزيمبابوي، وإريتريا، وزامبيا، وناميبيا، وجيبوتي.

تناول البرنامج التدريبي الموضوعات المتعلقة بالسياسة الخارجية المصرية، والمنظمات الأفريقية، والأمم المتحدة، والمراسم، ودبلوماسية المياه، والشؤون الاقتصادية، وفن التفاوض، والملكية الفكرية، والدبلوماسية العامة، وغيرها من الموضوعات الأخرى المتعلقة بالعمل الدبلوماسي.

وتضمن البرنامج التدريبي أيضًا لقاء مع الدكتور بطرس غالي الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق، الذي تحدث فيه، عن السياسة الخارجية المصرية ودور مصر الرائد في أفريقيا، وفي نهاية اللقاء وجّه حديثه إلى المتدربين قائلًا: "إنكم صغار السن، ومن فضلكم إعملوا بجد، لأن بلادكم تحتاج مساعدتكم دائمًا، هذه رسالتي إليكم".

من جانبهم، أعرب المشاركون في الدورة عن شكرهم وتقديرهم العميق لوزارة الخارجية ممثلة في الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وكذلك معهد الدراسات الدبلوماسية، على البرنامج التدريبي القيّم، كما وجّهوا شكرهم إلى الحكومة المصرية والشعب المصري على حفاوة الاستقبال.

تقارب الشعوب
وقال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي، إن القوة الناعمة بنواحيها الثقافية والإجتماعية والإقتصادية تلعب دورًا مهمًا في التقارب بين مختلف الشعوب. وأضاف لـ"إيلاف" أن مصر حصلت على مكانة إقليمية ودولية متميزة، لاسيما في قارة أفريقيا، بفضل مقوماتها الثقافية والإجتماعية، مشيرًا إلى أن السينما والأدب المصريين لعبا أدوارًا واضحة في منح مصر مكانتها المتميزة بين دول العالم حاليًا. ولفت إلى أن أميركا تعتمد على القوة الناعمة أيضًا في السيطرة على العالم، معتبرًا أن السينما والثقافة والمنتجات الأميركية لها دور قوي في اجتذاب الناس من مختلف دول العالم إليها.

ولفت إلى أن الدبلوماسية التقليدية تحتاج دعم منظمات المجتمع المدني، معتبرًا أن المنظمات الدولية صارت شريكًا في صنع القرار على المستويين المحلي والدولي، لاسيما في ظل انتشار قيم الديمقراطية والحقوق والحريات. وأضاف أن مصر تمتلك الكثير من مقومات القوة الناعمة، ومنها الحضارة التي يتحدث عنها العالم كله، والثقافة والأدب، والسينما، إضافة إلى الأزهر الشريف، والكنيسة الأرثوذكسية.

وقال السفير مصطفى عبد العزيز، مساعد وزير الخارجية السابق، إن القوة الناعمة تعني استخدام وسائل علمية أو ثقافية أو اجتماعية أو حضارية لتحقيق أهداف سياسية أو للتقارب مع الشعوب. وأوضح لـ"إيلاف" أن مصر من الدول التي تعتمد في سياستها الخارجية دومًا على القوة الناعمة، حتى قبل ظهور هذا المصطلح في السياسة الدولية، مشيرًا إلى أن عقد دورات تدريبية أو تنظيم زيارات عمل أو سياحة لوفود من دول أخرى، سواء أفريقية أو أميركية، يساهم في تعزيز العلاقات بين الدول، وذوبان أية خلافات سياسية على المدى البعيد.

الأزهر والكنيسة
ونبه إلى أن الوفود التي تزور مصر ثم تعود إلى بلادها، يكون لها تأثير واضح في تحسين العلاقات والتقارب مع الشعوب الأخرى، لاسيما إذا كان أعضاء الوفود من الصحافيين أو الدبلوماسيين أو رجال الدين، ولفت إلى أن الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية يعتبران من أهم مقومات القوة الناعمة لمصر.

وزير الخارجية السابق محمد العرابي، يرى أن مصر تحتاج القوة الناعمة أكثر من أي وقت مضى، لاسيما أنها تواجه حربًا شرسة تستهدف تشويه صورتها. وأضاف في تصريح له أن "بعض الدول تسعى إلى تشويه صورة مصر، وتتهم السلطات المصرية بالتعامل التعسفي والقمعي تجاه جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها مجرد فصيل سياسي معارض يتم التنكيل به، في محاولة منهم لطمس الحقيقة والترويج لمثل هذه الجماعات، خاصة بعدما استشرى نشاطها الإعلامي في بعض الدول، كالولايات المتحدة الأميركية".

تصويب صورة
وأضاف: "الخارجية المصرية تسعى جاهدة إلى تصحيح الصورة أمام العالم أجمع، ومواجهة هذا الفكر بفكر آخر، من خلال سياسة القوة الناعمة، التي تتميز بها الدولة المصرية في تعاملها مع مثل هذه التحديات".

بينما يؤكد مفتي الجمهورية شوقي علام أن "الأزهر الشريف وعلماءه لهم مكانة عظيمة في نفوس مسلمي العالم، مما أهّله ليكون قوة ناعمة ومؤثرة في كل الدول الأفريقية والعربية والإسلامية، التي جاء أبناؤها للدراسة في الأزهر طلابًا للعلم".

&