قبل 3 ساعات على اغتياله، وعبر إذاعة في موسكو، دعا الوزير السابق بوريس نيمتسوف، الذي يعد من أشد منتقدي الكرملين، مستمعيه إلى التظاهر، وذلك في خطاب حماسي حول أوكرانيا وبوتين، يعد وصية سياسية. وسرعان ما تحولت المسيرة ضد الأزمة التي دعا إليها نيمتسوف الأحد في ضاحية موسكو دعوة إلى التظاهر في وسط موسكو.


إيلاف - متابعة: قال المحققون الروس اليوم السبت ان اغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف في وسط موسكو "تم التخطيط له بدقة". واعلنت لجنة التحقيق الروسية في بيان "لا شك ان هذه الجريمة تم التخطيط لها بدقة تماما مثل المكان الذي تم اختياره للقتل" على الجسر الكبير بالقرب من الكرملين تماما.

واضاف البيان ان "السلاح الذي استخدم على ما يبدو هو مسدس من نوع ماكاروف"، وهو سلاح تستخدمه قوات الامن والجيش ومنتشر بشكل كبير. وتابع ان المحققين عثروا على ست رصاصات فارغة من عيار 9 ملم من انتاج شركات عدة، مما يجعل تحديد مصدرها صعبا.

وقالت اللجنة ان "بوريس نيمتسوف كان متوجها مع رفيقته الى شقته الواقعة في مكان غير بعيد، ومن المؤكد ان مرتكبي الجريمة كانوا على علم بمساره". واكد البيان ان المحققين قاموا باستجواب الشهود.

توظيف اللحظة
احتلت المسيرة ضد الازمة التي دعا اليها نيمتسوف الاحد في ضاحية موسكو، واصبحت فور مقتله دعوة الى التظاهر في وسط موسكو، الجزء الاكبر من حديثه، الذي قال احد الصحافيين، اللذين حاوراه، انه اقرب الى "مونولوغ".

وقال نيمتسوف مذكرا ان "هذه المسيرة تطلب الوقف الفوري للحرب في اوكرانيا، وتطلب ان يوقف (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين عدوانه". وتحدث بعد ذلك عن موقفه من الازمة الاقتصادية التي تواجهها روسيا. وصرح نيمتسوف ان "سبب الازمة هو العدوان، الذي تلته عقوبات، ثم هروب رؤوس اموال، وكل هذا بسبب العدوان العبثي على اوكرانيا، الذي يشنه بوتين"، معبّرًا بذلك عن موقف يدافع عنه الغرب وكييف.

كما اكد ان موسكو ارسلت قوات لدعم الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق البلاد، وهو امر ينفيه الكرملين باستمرار. وعندما تحدثت صحافية عن القرم شبه الجزيرة التي كانت تابعة لاوكرانيا، وضمتها روسيا بعد استفتاء في آذار/مارس، قال المعارض بلهجة حاسمة معبّرًا عن قناعاته المتعلقة بـ"قوة القانون": "السكان يريدون العيش في روسيا وهذا امر اوافق عليه. لكن المسألة في مكان آخر: يجب الا نعمل حسب رغباتنا، بل حسب القانون، ويجب احترام الاسرة الدولية".

كارثة بالمطلق
من اهدافه محاكمة السياسيين الفاسدين، وخفض الميزانية العسكرية بمقدار النصف، وزيادة ميزانية التعليم. لكن بوريس نيمتسوف لم تكن لديه اوهام. وقال ان "المعارضة لا تملك تأثيرًا كبيرًا على الروس حاليا".

ولمعالجة هذا الوضع، طالب بتخصيص ساعة كل اسبوع على شبكات التلفزيون الكبرى للمعارضة. وقال نيمتسوف، الذي كان من الشخصيات النادرة التي تجرؤ على انتقاد بوتين، "عندما تتركز السلطة بيد شخص واحد، فهذا لا يؤدي سوى الى كارثة.. الى كارثة بالمطلق".

هولاند: مدافع شجاع عن الديموقراطية
استنكارًا، دان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم السبت "الاغتيال الدنيء" للمعارض الروسي والنائب السابق لرئيس الوزراء بوريس نيمتسوف مشيدا بـ"المدافع الشجاع بلا كلل عن الديموقراطية". وقال الاليزيه في بيان ان "رئيس الجمهورية يدين جريمة الاغتيال الدنيئة لبوريس نيمتسوف هذه الليلة في موسكو". واضاف ان "بوريس نيمتسوف كان مدافعا بلا كلل عن الديموقراطية ومناضلا شرسا ضد الفساد".

ميركل: جريمة جبانة
أما المستشارة الالمانية انغيلا ميركل فعبّرت عن "استيائها" بعد اغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف، الذي وصفته بـ"جريمة قتل جبانة"، ودعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى العمل على كشف ملابسات الاغتيال. وقال بيان صدر من المستشارية السبت ان "المستشارة انغيلا ميركل مستاءة لجريمة القتل الجبانة للمعارض الروسي بوريس نيمتسوف".

واضاف البيان ان ميركل "تدعو (...) الرئيس الروسي الى العمل لكشف ملابسات هذا الاغتيال ومحاسبة مرتكبيه". واكدت المستشارة الالمانية على "شجاعة نائب رئيس الحكومة السابق، الذي لم يكفّ عن التعبير علنًا عن انتقاداته للسياسة الحكومية". من جهته، قال وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير انه "حزين وغاضب (...) وصدم مثل كثيرين في روسيا" من جريمة القتل "بدم بارد" هذه.

سيرة الوزير الاصلاحي
نائب رئيس الوزراء الروسي السابق بوريس نيمتسوف الذي اغتيل ليل الجمعة السبت في موسكو كان يمثل جيل الاصلاحيين الشباب في التسعينات، قبل ان يصبح من اشد منتقدي الرئيس فلاديمير بوتين، الذي كان ينوي تحديه مجددًا في تظاهرة الاحد.

ونيمتسوف (55 عاما) الذي قتل بالرصاص بالقرب من الكرملين، كان خصوصًا احد قادة موجة الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها الحملة الانتخابية لفلاديمير بوتين في 2011-2012 عندما كان مرشحا لولاية رئاسية ثالثة. وقد اوقفته قوات النظام مرات عدة خلال تظاهرات، كما تعرّض لعمليات دهم وتنصت، لكنه لم يكف عن ادانة فساد ما كان يسميه "النظام الاوليغارشي" في الكرملين.

ونيمتسوف، الذي درس الفيزياء، بدأ حياته المهنية قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي عند انتخابه في 1990 عضوا في مجلس السوفيات الاعلى او البرلمان السوفياتي. وبعدما اصبح حاكم منطقة نيجني نوفغورود، التي تبعد 400 كلم شرق موسكو، بدأ صعوده السريع في عهد بوريس يلتسين، الذي جسد في عهده جيل الوزراء الاصلاحيين الشباب في روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي.

ومن آذار/مارس 1997 الى آب/اغسطس 1998 تولى حقيبة نائب رئيس الوزراء لقطاع الطاقة والاحتكارات، لذلك واجه انتقادات من الكرملين، الذي اعتبره سياسيًا مرتبطا بالاثرياء الذين استفادوا من اجراءات الخصخصة في تسعينات القرن الماضي. وكان مقربا جدا من بوريس يلتسين، فكر اولا في اختياره خلفا له قبل ان يفضل عليه رئيس الاستخبارات فلاديمير بوتين.

وازدادت معارضته للسلطة حدة بعد الانتخابات التشريعية في 2007 التي رأى انها "الاقل نزاهة في تاريخ روسيا". وبعد عام اي في 2008 وبعد اخفاقه في التقدم للانتخابات الرئاسية كمرشح وحيد لمعارضة اضعفها التشتت، قرر تأسيس حركة سوليدارنوست برعاية المعارض وبطل الشطرنج السابق غاري غاسباروف. لكنه برز خصوصا كإحدى شخصيات التظاهرات التي هزت موسكو شتاء 2011 و2012 الى جانب الكسي نافالني المعارض الشرس الآخر لبوتين.

وبعد اعادة انتخاب بوتين رئيسا في ايار/مايو 2012 واصل نيمتسوف ادانة النفقات، التي اعتبرها مفرطة للرئيس والفساد، خصوصا في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي (جنوب). لكن تأثير هذا المعارض الحاضر جدا على شبكات التواصل الاجتماعي تراجع مع صعود جيل جديد من المعارضين يجسده الكسي نافالني الذي يصغره بـ17 عاما. وقد اشتركا معا في الدعوة الى تظاهرة كبيرة الاحد لإدانة الإدارة السيئة للكرملين للأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها روسيا بسبب العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط.
&