اعتبر العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، أن&الحرب التي يشنها "التحالف الدولي ـ العربي" على تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، هي "حرب عالمية ثالثة.


نصر المجالي: دعا العاهل الأردني إلى توحيد الجهود لدحر التنظيم المتشدد المعروف باسم (داعش)، واصفاً مسلحيه بأنهم "خوارج هذا العصر".

وفي أول حديث منذ إعدام تنظيم (داعش) للطيار الأردني معاذ الكساسبة، قال العاهل إنه لم يشاهد الفيديو، وأكد أن الكثير من الأردنيين يرفضون مشاهدته باعتباره "شكلاً من الدعاية الزائفة"، لافتاً إلى أنه تلقى تقارير مفصلة حول ما حدث، وشاهد "الصور المؤلمة" في الصحف.

وقال الملك عبدالله الثاني في مقابلة أجراها فريد زكريا بثتها شبكة CNN مساء الأحد، إن عصابة (داعش) حاولت من خلال نشر الفيديو "تخويف الأردنيين"، لافتاً إلى أن "ما حدث هو العكس"، وأضاف أن "داعش قد جنت على نفسها بالاقتراب من العرين الأردني، إذ أن ما اقترفته بحق البطل الشهيد معاذ قد حفز الأردنيين على الالتفاف حول رايتهم، والتمسك بوحدتهم والتصدي لأساليب هذه العصابة الدنيئة".

وعن مشاعره تجاه جريمة (داعش) بحق الطيار الكساسبة قال العاهل الهاشمي: أما عن مشاعري في ذلك الوقت، فقد اعتراني الاشمئزاز مما حدث، والحزن مع عائلة الشهيد، وكنت قد التقيتهم سابقا، لقد حزنت كثيرا على والد الشهيد، وأمه وإخوته وأخواته وزوجته - وكان لم يمضِ على زواجه أكثر من خمسة أشهر، وكجندي وابن للجيش العربي، القوات المسلحة الأردنية، فقد شعرت بغضب شديد، فمعاذ، يرحمه الله، هو رفيق سلاح، واعتقد أن كل جندي أردني عامل أو متقاعد قد غضب واشمأزّ من الوحشية التي تعرض لها معاذ.

تزوير دولة الخلافة

وأضاف: "إن داعش يحاول زوراً وبهتاناً خلق صلة بينه وبين دولة الخلافة، المرتبطة بتاريخنا الإسلامي، وخلافتهم المزعومة الكاذبة ليست لها علاقة بتاريخنا من قريب أو بعيد".

وقال: إنهم يحاولون "إغواء الشباب وخداعهم بأنهم يمثلون الأمة الإسلامية، وفي الحقيقة، فإن الطريقة الوحشية التي أعدم بها الكساسبة صدمت العالم الإسلامي.. وشعوب المنطقة تعلم يقينا أن الإسلام بريء من كل هذا.. وأعتقد أن الترهيب والوحشية هو السلاح الرئيسي، الذي تستخدمه عصابة داعش".

واعتبر العاهل الأردني الحرب على التنظيم المتشدد "هي حربنا منذ فترة طويلة ضد هؤلاء، الذين يصفهم الكثيرون بالخوارج، وهؤلاء، بشكل أو بآخر، خارجون عن الإسلام، وقد حاولوا تنفيذ سياسات توسعية منذ اللحظة التي ظهروا فيها، في محاولة لتوسيع وبسط سيطرتهم على مناطق المسلمين."

شارلي إيبدو

وعن مشاركته والملكة رانيا في المسيرة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، عقب الهجوم على صحيفة (شارلي إيبدو)، قال: "ذهبت أنا ورانيا إلى باريس لأن هذا هو الموقف الصحيح للوقوف في وجه العنف والإرهاب.. لكننا كنا أيضاً هناك للتضامن مع شرطي مسلم شاب اسمه أحمد.. دفع حياته ثمناً للدفاع عن واجبه".

وأضاف: "كنا هناك أيضاً للتضامن والدفاع عن الأبرياء الذين قتلوا زوراً باسم الإسلام، ومنهم ما يقرب من 150 من التلاميذ الذين قتلوا في مدرسة في باكستان، والآلاف الذين قتلوا في قرية في نيجيريا في يوم واحد، والآلاف من المسلمين الذين يقتلون كل يوم في سوريا والعراق".

الرد المزلزل

وحول ما إذا كان هناك&المزيد من الردود في المستقبل ضد (داعش) من جانب الأردن الذي توعد برد مزلزل؟ وكيف يمكن أن تتوقع ما سيحدث؟ قال الملك عبد الله الثاني: إن الرد المزلزل الذي يتطلب تسخير جميع القدرات العسكرية ليس شيئًا يتم إنجازه بين عشية وضحاها، لقد كان هناك رد هائل من خلال الحملة الجوية، والعمليات لا تزال مستمرة في سوريا، ونحن كذلك ننسق مع أشقائنا في العراق، وهناك نهج طويل المدى اعتمدناه في هذه المسألة.

وأضاف: إن هذه الحرب هي حربنا منذ فترة طويلة ضد هؤلاء، الذين يصفهم الكثيرون بالخوارج وهؤلاء، بشكل أو بآخر، خارجون عن الإسلام وقد حاولوا تنفيذ سياسات توسعية منذ اللحظة التي ظهروا فيها في محاولة لتوسيع وبسط سيطرتهم على مناطق المسلمين، وفي الوقت الذي حاولوا أن يلعبوا فيه دور الضحية مدعين أننا كمسلمين نستهدفهم، ماذا إذا عن المئات إن لم يكن الآلاف من المسلمين الذين سفكت داعش دمهم في سوريا وفي العراق على مدى العام والنصف الماضي؟ وكذلك بالنسبة للعشائر التي تم إعدام أعداد كبيرة من أبنائها خلال العام والنصف الماضي في شرق سوريا، وعلى نفس القدر من الأهمية في غرب العراق، ومسؤوليتنا أن نمد يد العون لهم، لذلك فهذه الحرب هي حربنا ولدينا مسؤولية أخلاقية تستوجب التواصل مع هؤلاء المسلمين لحمايتهم ومنع داعش من أن يصلوا إلى حدودنا.

التحالف مع بشّار

ورداً على سؤال حول احتمالية "التحالف" مع نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في محاربة داعش، قال الملك عبدالله الثاني: "هذا هو جزء من الحيرة التي ألمسها لدى المجتمع الدولي.. أعني، كيفية التعامل مع سوريا.. لأنه في هذه اللحظة&توجد قضيتان: مسألة التعامل مع النظام، ومسألة التعامل مع عصابة داعش".

وتابع العاهل الأردني قائلاً: "نحن في الأردن طالما آمنا بأنه يجب أن يكون هناك حل سياسي لسوريا.. إلا أن قضية داعش تتقدم المشهد الآن.. لذا، فإننا في وضع نسعى فيه إلى تحقيق هدفين في آن واحد، وهو أمر يجب أن يقرر المجتمع الدولي كيفية التعامل معه".

وأوضح قائلاً: "التحالف العربي الإسلامي الغربي، إن جاز التعبير، يمكنه العمل ضد داعش في سوريا إلى حد معيّن، إلا أنه على السوريين أنفسهم في نهاية المطاف حسم الأمر، خصوصاً عندما نصل مرحلة المواجهة في عمق الأراضي التي تسيطر عليها داعش، وهي الرقة في الشمال".

صوابية أوباما

وحول مدى اعتقاده ما إذا كان الرئيس أوباما على حق، حيث بعض المشاكل، أو على الأقل تعرض لبعض الانتقاد لرفضه وصف جماعات مثل داعش بـ"المتطرفين الإسلاميين" لأنه لا يريد أن يمنحهم غطاء شرعيًا؟، قال الملك عبدالله الثاني: أعتقد أنه على صواب. وأعتقد أن هذا هو الشيء الذي يجب أن يفهم على نطاق أوسع، وذلك لأن المتطرفين يبحثون عن شرعية لا تتوفر لهم داخل الإسلام.

يُطرح تساؤل من قبل البعض، في سياق هذا السجال: هل أنت معتدل أو متطرف؟ وأود أن أوضح أن ما يريده هؤلاء هو أن يطلق عليهم فعلا صفة التطرف (الإسلامي) حيث يعدّون ذلك وسام شرف لهم. ولو سألتني إن كنت معتدلاً أم لا، فسأجيبك: أنا مسلم.

والمصطلح الذي يزداد استخدامه في العربية لوصف هؤلاء هو الخوارج، بمعنى الخارجين عن التعاليم الصحيحة في الإسلام، ولو نظرتم إلى ما يمثلونه في الواقع في ديننا، تجدون أنهم من التكفيريين، الذين لا يشكلون سوى واحد بالمئة من 1.5 مليار مسلم، و ربما لا يتجاوز عدد التكفيريين الجهاديين 200-500 ألف من مجموع المسلمين في العالم، وهم حالة شاذة، وعليه، فإن تقسيم المسلمين إلى متطرفين ومعتدلين هو في الواقع أمر خاطئ تمامًا ويخدم هذه الجماعات.
وعليه، فالإجابة يجب أن تكون: لا، نحن مسلمون، أما هؤلاء، فالإسلام براء منهم، فعندما أصدر البغدادي، زعيم داعش الإرهابي، بيانه، تم رفضه حتى من المنظمات المتطرفة، ولذا فإن هذه العصابة بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام، دين التسامح والانفتاح على الآخرين.

دور الغرب

وحول كيفية ما يتعين على الغرب التعامل مع (داعش) أم التصدي يجب أن يكون التصدي لداعش عربيًا إسلاميًا في جوهره، أم يجب أن يتولى الغرب القيادة؟، قال العاهل الأردني: يجب أن يكون هناك رد موحد، لقد قلت هذا للقادة في العالمين العربي والإسلامي والعالم بشكل عام، هذه حرب عالمية ثالثة ولكن بمفهوم آخر، فهي تجمع المسلمين والمسيحيين وأتباع الديانات الأخرى معاً في معركة الأجيال هذه، والتي تتطلب منا أن نخوضها معا، إنها ليست معركة غربية، بل هي معركة الإسلام، يشارك فيها الجميع جنبا إلى جنب ضد هؤلاء الخوارج.

وأضاف العاهل الهاشمي: جزء من هذه الحرب قصير الأجل، وهو الجانب العسكري منها؛ وهناك الجزء متوسط الأمد، والمتعلق بالعنصر الأمني فيها؛ وهناك المرحلة طويلة الأجل، والمتعلقة بالجانب الأيديولوجي، وهو الأكثر تعقيدا وصعوبة.

تمويل داعش

وعن تمويل (داعش) ونشاطاتها الإعلامية، قال الملك عبد الله الثاني: يتم توفير الأموال من خلال بعض الأفراد في منطقتنا، شاهدنا مؤخرًا قراراً للأمم المتحدة لضمان تحرك المجتمع الدولي لمنع المجموعات المتطرفة من الوصول إلى مصادر التمويل، تذكر أيضا أن داعش نجحت إلى حد ما في الاستيلاء على مناطق في سوريا ثم في العراق، حيث تم السطو على بنوك وتمكنت في الواقع من الاستيلاء على الكثير من الأموال.

وتابع قائلاً: ثم بدأوا في إدارة صناعة اقتصادية خاصة بهم. فعصابة داعش كانت تبيع الكثير من النفط، مما جلب لهم نحو مليار دولار من العائدات السنوية. صحيح أن هذه الصناعة تدهورت بشكل كبير بسبب ضربات التحالف الجوية، إلا أن داعش تمكنت سابقاً من إدارة اقتصادها.

ورداً على سؤال ما إذا كان الملك يعتقد أن إلحاق الهزيمة بداعش سوف يتطلب أو يفترض أن يتطلب وجود قوات برية أميركية على الأرض؟، قال العاهل الأردني: أعتقد أن الكثير منا يعتبرون هذه المعركة معركتنا، وهي تمثل تحديًا أمام العرب والمسلمين، وبالتالي فإن إبقاء القوات البرية الغربية بعيدة عن الميدان يشكل جزءًا من عناصر العمل المستقبلي.

وعن اعتقاده، حول ما إنه سيكون من صالح داعش وجود قوات أميركية؟ قال العاهل الهاشمي: سيكون ذلك أحد الجوانب، فداعش سوف تستغل ذلك وتصوره على أنه احتلال، وذلك غير صحيح، كما سيصورون وجود القوات الأجنبية باعتبارها حملة صليبية أخرى، وهي أيضا صورة خاطئة، لأن المعركة هي معركتنا في الحقيقة.

سوريا والعراق

لكن في الوقت نفسه، وعندما تنظر إلى سوريا والعراق، فإن المسألة سيادية ولها علاقة بسلامة أراضي الدولتين. وعليه، يجب أن يكون السوريون أنفسهم هم من يعالجون قضاياهم وكذلك العراقيون. هذا لا يعني بالطبع أنه لا يمكن مساعدتهم من خلال العمليات الجوية، وربما عبر عمليات للقوات الخاصة في المستقبل. لكن هذه الأمور مازالت قيد البحث والنظر.
وأكد الملك عبدالله الثاني: وما هو أهم من ذلك من وجهة نظري هو ضرورة النظر إلى التحديات في سياق نهج شمولي، وأعتقد أن هذا هو التحدي الماثل أمامنا لعام 2015. فبينما التركيز منصب اليوم، كما هو واضح، على العراق وسوريا، لا يمكن لنا أن ننسى مشاكل سيناء وليبيا، والتحديات التي تواجه أفريقيا مثل تنظيم بوكو حرام، وحركة الشباب والمشاكل التي تتسبب بها هذه المجموعات المتفرعة عن تنظيمات إرهابية أكبر لقارة آسيا بشكل عام.

وقال: لذلك، ينبغي على البلدان العربية والإسلامية المتوافقة في الفكر وبقية المجتمع الدولي العمل معا، والتوصل إلى آلية لتقاسم هذه المسؤوليات، وحشد الجهود والتعامل مع هذه المشاكل بنهج شمولي.

نتانياهو وحل الدولتين

ورداً على سؤال، ما إذا كان يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يبذل جهدا حقيقيا لتنفيذ حل الدولتين للقضية الفلسطينية؟، رأى الملك عبد الله الثاني أنه في هذه المرحلة لن تكون هناك مبادرة من أي من الجانبين، للأسف، حتى يتم تجاوز مرحلة الانتخابات الإسرائيلية. وما آمله هو أنه بمجرد انتهاء الانتخابات، سيكون هناك التزام جاد للتحرك باتجاه حل الدولتين. السبب مرتبط أيضا بمعركة الأجيال ضد الخوارج، أولئك الخارجون عن الإسلام، وما يشكلونه من تهديد عالمي. يجب أن تعلم أن إحدى الحجج الرئيسية التي يسوقونها وهم يعملون على تجنيد الشباب هو الاحتلال الإسرائيلي. ورغم أن الإسرائيليين يقولون إنه لا علاقة لهم بذلك وينزعجون أحيانا عندما أقول: إن كل الطرق تؤدي إلى القدس، إلا أن المتطرفين يتخذون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وسيلة لإقناع من يجندونهم.

وتابع: لذلك، فقد شاهدنا ارتفاعًا في وتيرة التجنيد من قبل الإرهابيين في فصل الصيف عندما وقعت الحرب في غزة، وقتل 700 من النساء والأطفال نتيجة لذلك، حيث تدفق المقاتلون الأجانب إلى سوريا والعراق بسبب ما يلمس من ظلم واقع على الفلسطينيين والقدس. لذا، إن كنّا نريد النصر في معركة الأجيال هذه ضد الإرهاب، وهذه الحرب العالمية الثالثة التي تخاض بمفهوم آخر، فإننا إن لم نتمكن من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عدة عقود، ستكون أيدينا مكبلة، ونحن نخوض المعركة ضد الإرهاب.

وختم الملك عبدالله الثاني قائلاً وهذا هو التحدي الذي تواجهه كل من القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية. إذ عليهم أن يدركوا أن هذه المشكلة قد أصبحت أكبر بكثير منهم. كيف يمكن أن ننتصر؟ كيف يمكننا نحن المسلمين وبقية المجتمع الدولي تبرير القتال ضد الإرهابيين إن بقي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني متأججاً؟ هذا هو التحدي الرئيسي على ما أعتقد.