فشل العلماء منذ عقود في تطوير لقاح للملاريا التي تودي بحياة أكثر من مليون إنسان في جنوب الكرة الأرضية. ويرى العالم الاميركي اجينور مافرا-نيتو إمكانية الاحتيال على البعوض الحاضن للمرض عن طريق رش البقر برائحة دم الإنسان.

بيروت: يهدد وباء ملاريا 40 بالمئة من سكان الأرض، وهم سكان المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، بسبب عجز الجسم البشري عن وقاية الإنسان ضد طفيلي المرض، وبسبب قدرة طفيلي المرض على تطوير نفسه ضد العقاقير المضادة.&
&
لكل الامصال والعقاقير السائدة اليوم مفعول قصير المدى على طفيلي البلازموديوم القادر على تحوير نفسه كل سنة تقريبًا. وإذا كان القضاء على الطفيلي، وعلى بعوض الانوفليس، متعذرًا حتى الآن، يفكر مافرا-نيتو باستخدام البقر بمثابة"حصان طروادة" لخداع البعوض.
&
بقرة طروادة
&
يعرف العلم منذ زمن بوجود رائحة مميزة في دم الإنسان، هي سبب انجذاب البعوض الناقل للمرض إلى جسم الإنسان. وهناك أحماض حليبية في البلازما تؤلف تركيبة كيمياوية تمنح الدم البشري هذا العطر المميز. ويبدو أن مافرا-نيتو توصل إلى عزل هذه الرائحة المتميزة وإنتاجها بكميات كبيرة، ومن ثم استخدامها لرش البقر بالرائحة، وجعل البعوض يستهدف البقر بدلًا من الإنسان. والمهم في الفكرة أن لا يؤثر العطر على البقر، وأن لا ينقل البعوض المرض إلى البقر، والأهم أن يكون دم البقر "المعطر" قاتلًا لطفيلي الملاريا.
&
ويقود مافرا- نيتو، رئيس قسم التكنولوجيا في ريفرسايد في كاليفورنيا، فريق عمل تولى إنتاج العطر المثيل لعطر دم الإنسان مختبريًا. ويتولى الباحث حاليًا تجربة الطريقة على البقر في مناطق أفريقيا الاستوائية بانتظار أن تنجح بقر طروادة في فتح بوابة المدينة أمام بعوض الانوفليس. إنه مشروع "بقرة طروادة".
&
رائحة الحوامل أقوى&
&
يُقال لمن يعاني كثيرًا من لسعات البعوض والحشرات الأخرى: "دمك حلو يجتذب هذه الحشرات". ويبدو أن هذه المقولة ليست بعيدة تمامًا عن الحقيقة، خصوصًا عند الحوامل، لأن بعض التغييرات الهرمونية والدموية تجتذب بعوض الانوفليس نحو دماء النساء.
&
ويقول الدكتور ستيفن دبليو. ليندسي، من مركز أبحاث فاجارا في غامبيا، إن خطر الملاريا على الحوامل لا يتأتى من الانخفاض المعروف في مناعة المرأة الجسدية أثناء فترة الحمل فقط، وانما من خلال مواد عطرية معينة تتكون في دماء المرأة وتعمل بمثابة "فنار" يهدي البعوض إلى جلد المرأة.
&
ومعروف أن الملاريا التي تنتشر كثيرًا في مناطق العالم الاستوائية، وخصوصًا في افريقيا، تنتشر بين النساء الحوامل أكثر من غيرهن. ويشير مركز أبحاث فاجارا إلى عثور خبرائه على طفيليات الملاريا بلازموديوم فالسيباروم في دماء معظم الحوامل في افريقيا. ولا تكتفي الطفيليات بالدوران في الدم وانما تتسلل إلى المشيمة وتتمركز هناك باعثة الاضطراب في تغذية الجنين من رحم أمه. وهذا يفسر سبب ارتفاع معدل الولادات المبكرة وولادة الأجنة القليلة الوزن في افريقيا الاستوائية.
تموت آلاف النساء الحوامل سنويًا في جنوب الصحراء الافريقية بسبب الإصابة بطفيليات الملاريا الاستوائية. ويعرف الأطباء هذه الحقائق الا انهم بقوا عاجزين عن حل لغز العلاقة بين الحمل والملاريا، إلى أن نشر البريطاني ستيفن دبيلو. ليندسي تقريره حول الحالة.
&
نقل العدوى
&
ينهمك مافرا-نيتو منذ عقود في البحث عن أفضل طرق مكافحة الملاريا، وفي تطوير مصل وقائي من المرض. ويقول إن البعوضة ناقلة طفيلي الملاريا لا تعيش أكثر من 20 يومًا، وتمتص من دم الإنسان مرتين أو ثلاث مرات&فقط خلال حياتها القصيرة. وتنقل البعوضة المرض إلى إنسان آخر حينما تلسعه، لكن الأبحاث أثبتت أن قدرة البعوضة على نقل الطفيلي إلى إنسان آخر تنخفض بشكل واضح بعد أن تلسع بقرة.
&
تعيش الأبقار والماعز قريبة من الإنسان في مناطق أفريقيا الاستوائية، لكن البعوض لايتعرض لها بسبب نفوره من رائحة دمها التي تختلف عن رائحة دم الإنسان. ثم أن لسعات البعوض، إذا حصلت، لا تضر ولا تضايق البقر، ولهذا فإن رش الماشية برائحة دم الإنسان سيجعلها جذابة للبعوض. والمهم هو أن قابلية البعوض على نقل المرض ستقل، هذا إذا ما لم يتسبب العطر البشري المركب بعطر البقر بقتل البعوض.
&
للتأكد من هذه النتائج صمم مافرا-نيتو وفريق عمله اصطبلًا بمثابة مختبر ووفروا داخله أجواء ملائمة لنمو ونشاط البعوض. وأطلق العلماء أنواعًا من الماشية ثم رشوها بالعطر البشري بغية معرفة أكثر الحيوانات بينها جاذبية للبعوض. وأطلق الباحثون البعوض الناقل لمرض في، وسيقيمون النتائج النهائية خلال فترة تمتد بين 6-12 شهرًا. بعدها سيتم فحص الماشية، وفحص البعوض أيضًا، بغية معرفة التأثير المتبادل بينها، بحسب تصريح العالم الأميركي.
&
ديدان تقتل البعوض
&
بموازاة العمل على تطوير مشروع بقرة طروادة، وبعد جعل البقر والماعز جذابًا للانوفليس بواسطة عطر دم الإنسان، طور مافرا-نيتو وزملاؤه عقارًا لقتل الديدان في الماشية، لكنه سام بالنسبة للبعوض. ويموت البعوض بعد فترة قصيرة من امتصاص دم الماشية الذي يحتوى على المادة الكيمياوية المضادة للديدان.
&
وفي خطوة ناجحة أخرى، عمل فريق العمل على الحفاظ على فاعلية دواء الديدان في دم البقر والماعز لفترة شهر، أي أطول من حياة البعوضة نفسها. وهذا يعني أن أبواب طروادة ستبقى مفتوحة أمام الغزاة لفترة طويلة تضمن موت البعوض أكثر مما تضمنه بعض المبيدات الكيمياوية، "وحققنا طريقة فعالة ومتكاملة لمواجهة البعوض إذا نجحت التجارب"، بحسب تعبير مافرا نيتو.
&
مراقبة اليرقات بالأقمار الصناعية
&
في بوركينا فاسو، يجرب العلماء الألمان تقنية جديدة واستباقية لمكافحة انتشار مرض ملاريا في أفريقيا. إذ طور بيتردومباخ، من جامعة هايدلبيرغ الألمانية، برنامجًا إلكترونيًا لمراقبة نشاط البعوض ويرقاته على وجه الخصوص، عبر الأقمار الصناعية. وبمعنى عدم الانتظار حتى نضوج اليرقات إلى حشرات ناقلة للأمراض، وإنما شن الهجوم عليها وهي في المهد.
&
ويحلل القمر الصناعي الصور الملتقطة للمياه الراكدة والمستنقعات والبرك ويقيس تواجد وتكاثر اليرقات من خلال تشخيص عوامل وشروط تواجدها. ويستطيع النظام التقني الخاص بمراقبة اليرقات التفريق بين مختلف أنواع المياه والكشف عن مواد بيولوجية يرتبط وجودها بوجود اليرقات.وذكر دومباخ أن الهدف هو حصر انتشار الملاريا وتقليل الوفيات عن طريق الضربات الاستباقية للبعوض. ويستخدم فريق العمل نوعًا من بكتيريا (بي تي إي)الفتاكة باليرقات، والتي لاتضر بالكائنات الأخرى والمياه.
&
تناقصت الأعداد
&
يفضل العالم الألماني، المختص بالأمراض الاستوائية، الانتظار حتى نهاية هذا العام للتأكد من دقة عمل الأقمار الصناعية في الكشف عن اليرقات. رغم ذلك، تم رصد البرك المأهولة باليرقات عبر القمر الصناعي، ثم تم رشها ببكتريا بي تي إي في عدة قرى في بوركينا فاسو، ويقول سكان هذه القرى إن أعداد البعوض تناقصت، وإن عدد الإصابات بالملاريا يتراجع.
&
ورغم تخصص الألمان في صناعة مواد مكافحة الآفات الزراعية، إلا أن أسلحتهم لم تكن فعالة ضد البعوض. وأجرى معهد أبحاث المواد الألماني تجارب على أنواع المواد القاتلة للبعوض فسقط ثلثاها في الامتحان.
&
وأثبتت المادة الكلاسيكية "دي دي تي" تفوقها في مكافحة البعوض على المواد الحديثة، وهو أفضل سلاح استخدمه الألمان لمقاتلة ملاريا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى اليوم.
&