منذ أن عُيّن اللواء محمد إبراهيم وزيراً للداخلية في مصر، أراده الرئيس السيسي بمثابة العصا الغليظة التي يضرب بها جماعة الاخوان الرافضة لتقبل انهيار حكمها في المحروسة، ولئن نجح ابراهيم في ذلك، فقد فشل في اختبار مكافحة الارهاب المتفشي في سيناء وغيرها من المحافظات، فشلاً ذريعًا استوجب الاطاحة به.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: كما كان خبر تعيين اللواء محمد إبراهيم وزيراً للداخلية في مصر في 17 يناير/ كانون الثاني 2013، مفاجئاً له وللمصريين، فإن خبر إقالته من المنصب ذاته في 5 مارس/ آذار 2015 كان مفاجئاً أيضاً له وللمصريين. لاسيما أن كثيرين يرون أنه كان شريكاً للرئيس عبد الفتاح السيسي في عملية الإطاحة بنظام الرئيس السابق محمد مرسي، وقمع جماعة الإخوان والمعارضة بشكل عام، على مدار أكثر من عامين.

الشارع يرحّب

لقيت إقالة إبراهيم ترحيباً سياسياً وشعبياً في مصر، لاسيما أنه استخدم القمع المفرط ضد المعارضة بألوانها المختلفة سواء إسلامية أو ليبرالية، فضلاً عن فشله في مواجهة الجماعات الإرهابية، التي ارتكبت المئات من العمليات، التي راح ضحيتها المئات من الضباط والأفراد بالجهاز الأمني.

وحاول السيسي امتصاص الغضب الشعبي والسياسي والأمني بسبب تردي أداء وزير داخليته السابق، فأقاله قرباناً لكل هؤلاء.

عقد الرجلين ينفرط

رغم الإنتقادات الشديدة التي تعرض لها أداء جهاز الشرطة في مصر على مدار الفترة التي تلت عزل الرئيس السابق محمد مرسي، لاسيما القمع الدموي للمعارضة سواء إسلامية أو ليبرالية، فضلاً عن زيادة معدلات العمليات الإرهابية وقوتها، ورغم مطالبة أحزاب وحركات سياسية، بإقالة وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، إلا أن أحداً في مصر لم يكن يتوقع إقدام السيسي على هذه الخطوة، لاسيما أن مراقبين للشأن المصري، يعتبرون أن تحالفاً قوياً نشأ وتعمق بين السيسي وإبراهيم، للدرجة التي جعلت رجل دين أزهرياً شهيراً هو الدكتور سعد الدين هلالي يصفهما معاً بـ"النبيين"، ويشبههما بـ"موسى وهارون".

في 17 يناير/ كانون الثاني 2013، فوجئ إبراهيم أثناء عمله مساعداً لوزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون، بتعيينه في المنصب، ولم يكن هو يتوقعه، ولم يتوقعه أحد في مصر كلها، لاسيما أن منصب وزير الداخلية في مصر على مدار عدة قرون، كان محتكراً من قبل قيادات جهاز مباحث أمن الدولة، ولا يمكن أن يذهب إلى لواء بمصلحة السجون، فضلاً عن أن إبراهيم نفسه لم يكن اسماً لامعاً في وزارة الداخلية، أو في الجهاز الأمني في مصر، بل لم يكن معروفاً إلا في قطاع السجون فقط.

تهمة الانتماء لـ"الاخوان"

وقال إبراهيم في تصريح لجريدة "الوطن" المصرية وقتها: "كنت في مكتبي أمارس مهام عملي كمساعد للوزير لقطاع مصلحة السجون، ومن عادتي أن أتأخر في العمل حتى الليل وعلمت خلال النهار باحتمال الإعلان عن التغيير الوزاري المرتقب مساء نفس اليوم لكنني لم أتوقع أن يشملني ذلك التغيير وزيراً للداخلية".

بمجرد تقلد إبراهيم مهام منصبه، ثارت حوله الكثير من الشائعات، لكن أهمها وصفه بـ"الإخواني" في أوساط المصريين المناهضين للجماعة أو في الأوساط الأمنية، وهي الصفة نفسها التي ألصقت بالسيسي شخصياً عندما أختاره الرئيس السابق محمد مرسي في منصب وزير الدفاع في أغسطس/ آب 2012.

الأمنيون يرفضونه

لم يحظَ إبراهيم بأي قبول في أوساط الجهاز الأمني في مصر طوال الفترة التي سبقت مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013.

وواجهت وزارة الداخلية العديد من اصناف التمرد والإضراب عن العمل، وتعرض هو شخصياً للشتائم من قبل بعض الضباط، ممكن أتهموه بأنه "إخواني"، إلا أنه أثبت عكس ذلك، بتحالفه مع وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013، عندما أعلن عزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور رئيساً موقتاً للجمهورية، فبدأت مرحلة جديدة في حياة إبراهيم.

تحول إبراهيم من "إخواني" إلى قاتل ومعتقل ومعذب لهم، لاسيما منذ تاريخ 14 أغسطس/ آب 2013، عندما تدخلت قوات مشتركة من الجيش والشرطة لفض اعتصام أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، والتي أسفرت عن مقتل نحو 700 شخص، وإصابة آلاف آخرين.

وتوالت الأحداث والمصادمات بين قوات الشرطة وأنصار مرسي في مواضع عدة، وفي كل مرة تسفر عن سقوط قتلى، قدرتهم منظمة هيومان رايتس ووتش " بأكثر من 1400 قتيل وقرابة 22 ألف موقوف".

قمعه طال الجميع

ولم يستثنِ إبراهيم من حملته القمعية أية ألوان للمعارضة في مصر سواء الإسلامية أو الليبرالية، فتعرض نشطاء ثورة 25 يناير للإعتقال والسجن بتهم مختلفة، أهمها التظاهر بدون تصريح، وقتلت الناشطة اليسارية شيماء الصباغ في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير أمام كاميرات وسائل الإعلام، وقتل 19 شاباً من مشجعي نادي الزمالك أثناء مباراة لفريقهم باستاد الدفاع الجوي بالقاهرة، بتاريخ 8 فبراير/ شباط الماضي.

لم يكافح الارهاب

على الجانب الآخر، اتهم أنصار السيسي وزير داخليته السابق بالفشل، لاسيما في ظل تكرار وزيادة معدلات العمليات الإرهابية في مصر، التي راح ضحيتها المئات من ضباط وأفراد الشرطة، ومن بينهم قيادات على رأسهم مدير مكتبه اللواء محمد السعيد أمام منزله يوم 28 يناير/ 2014، إضافة إلى ضباط بجهاز الأمن الوطني.

ولم يستطع إبراهيم وضع أية خطط غير تقليدية للحد من العمليات الإرهابية، التي وصلت إلى منزله وتعرض هو شخصياً لمحاولة إغتيال عبر تفجير موكبه بالقرب من منزله بتاريخ 5 سبتمبر / أيلول 2013.

وفي الوقت الذي توعد فيه إبراهيم الجماعات الإرهابية بالسحق، وقال في مؤتمر صحافي يوم 23 يناير/ كانون 2013: "الوزارة وضعت خطة محكمة ونحن على استعداد كامل للتصدي لأي شغب يوم 25 يناير". وأضاف:"تم وضع أسلحة ثقيلة أعلى بنايات الأقسام والسجون لحمايتها من أي محاولة اقتحام، واللي عايز يجرب يجي ويشوف".

وفي تحدٍ واضح لتصريحات إبراهيم، ردت جماعة أنصار بيت المقدس في اليوم التالي لـ24 يناير بتفجير مديرية أمن القاهرة، وقتل في الحادث أربعة أشخاص وأصيب 76 آخرون.

ومع تزايد العمليات الإرهابية واتساع رقعتها في القاهرة والمحافظات، وتزايد جرائم التعذيب والقتل العشوائي طالبت أحزاب وحركات سياسية بالإضافة إلى إعلاميين، بضرورة إقالة إبراهيم من منصبه، إلا أن القيادة السياسية لم تستجب.

وذهب مراقبون إلى أن التحالف السياسي والأمني ما بين السيسي وإبراهيم يمنع الأول من التضحية به، لكن السيسي فاجأ الجميع بالداخل والخارج وأطاح بحليفه.

إقالة غير متوقعة

وكما كان خبر تعيينه وزيراً للداخلية مفاجئاً له وللمصريين، فإن خبر إقالته كان مفاجأة للجميع أيضاً، وكما علم إبراهيم بخبر توليه المنصب أثناء وجوده في مكتبه بمصلحة السجون منذ أكثر من عامين، عرف بخبر إقالته من وسائل الإعلام أثناء حضوره الإحتفال بيوم المجند صباح& أمس الخميس 5 مارس الجاري، بمقر الإدارة العامة لتدريب قوات الأمن.

وما يؤشر على أن الإقالة كانت مفاجئة، حديث إبراهيم لقيادات وضباط الشرطة وكأنه باقٍ في منصبه إلى ما لا نهاية.

فقد قال: "إن أبناء الشعب المصري العظيم يعولون ويعلقون الآمال على رجال الشرطة في الإضطلاع بمهامهم تجاه أمن الوطن، الأمر الذى يتطلب اليقظة العالية والإستعداد الدائم لمواصلة الحرب على الإرهاب وملاحقة شراذمه المأجورة والضالة حتى يتم القضاء على هذه الآفة وإستئصالها من أرض الوطن"، حسب ما ورد في بيان لوزارة الداخلية.

إقالة إبراهيم من وزارة الداخلية، جاءت متزامنة مع خبر تعيينه مستشاراً لرئيس الحكومة إبراهيم محلب للشؤون الأمنية بدرجة نائب لرئيس مجلس الوزراء، وهو منصب شرفي، لاسيما أن وزير الداخلية هو المتحكم الفعلي في سياسة وخطط الأمن في الدولة.

قرار صائب

وفقاً للواء نشأت الهلالي، رئيس أكاديمية الشرطة الأسبق، فإن قرار إقالة وزير الداخلية قرار صائب، من أجل تجديد الدماء في أوصال الجهاز الأمني.

وأضاف الهلالي لـ"إيلاف" أن القرار اتخذ بالتشاور بين أعضاء الحكومة والجهات المختصة، لما فيه مصلحة مصر.

وحسب وجهة نظر الهلالي، فإن إبراهيم تمت ترقيته إلى منصب أعلى ليعاون رئيس مجلس الوزراء في تقييم الأوضاع الأمنية وتقديم المشورة له، مشيراً إلى أن إبراهيم أدار المرحلة الراهنة بإقتدار.

ونفى أن يكون فشل في مواجهة الإرهاب، وقال إن هناك موجة من الإرهاب تضرب المنطقة كلها، وتقف دول وأجهزة استخبارات وراء الجماعات الإرهابية، بهدف إسقاط الدول العربية وتدميرها.

دعوات لمحاكمته

ويبدو أن إقالة إبراهيم من منصبه لم تشفِ غليل القوى السياسية في مصر، وطالبوا بمحاكمته.

وندد "تحالف شباب الثورة" بقرار توليه منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية.

وقال التحالف، في بيان له، إن وزير الداخلية يجب أن تتم محاكمته لمسؤوليته السياسية عن مقتل محامٍ بالإسكندرية يدعى كريم حمدي، نتيجة "التعذيب داخل قسم شرطة المطرية الأسبوع الماضي".

وأضاف أن "إبراهيم يجب أن تتم محاكمته على أحد تصريحاته قال فيها إنه على علم أن تفجيرات ستحدث بدلًا من أن يقوم بدوره المنوط به لمنع تلك التفجيرات ليحقق دور الشرطة في منع الجريمة قبل وقوعها".

وطالب التحالف وزير الداخلية الجديد بمواجهة الإرهاب ومواجهة جماعة الإخوان المسلمين بلا هوادة، مع الحفاظ على أمن المجتمع وسلامة المواطنين ومواجهة انتهاك حقوق المواطنين داخل أقسام الشرطة.