تنتج شركة أميركية أقداحًا ورقية قابلة للتحلل في التربة، تحتوي على بذور نباتات، لتُنبت مكان رميها أشجاراً ونباتات مختلفة، فتصير أقداحًا مساهمة في تشجير المدن.


ماجد الخطيب: توزّع المطاعهم والمقاهي في العالم 200 مليار قدح ورقي على زبائنها كل عام، يذهب معظمها إلى النفايات أو يعاد تدويرها. عوضًا من ذلك، يمكن زراعة هذا الكم الهائل من الأقداح الورقية كأشجار بفضل الأقداح الورقية النباتية، من شركة "ر.ر.ج."( Reduce. Reuse. Grow.) الأميركية. وتقول مصادر الشركة إنها تتيح للبشرية تحويل المزابل إلى حدائق غناء بفضل أقداح ورقية (To Go) من طراز جديد، تحتوى على بذور النباتات في بنيتها.

تحويلها إلى أشجار
رغم المساحات الخضراء العظيمة في ألمانيا، مثلًا، من الممكن لمستهلكي القهوة والعصير والمرطبات عمومًا استنبات 6.4 ملايين شجرة جديدة كل عام، إذ عمد كل مواطن إلى طمر القدح الورقي، الذي يشرب فيه، في أقرب تربة غير مزروعة.

هذا يعني التخلص من جبل من القمامة الورقية، بمعدل استهلاك الألماني لنحو 80 قدحًا ورقيًا كل سنة كمعدل وسطي، عن طريق تحويلها إلى أشجار أو شجيرات أو زهور أو مجرد عشب. وهو إسهام في التخلص من أكوام النفايات، وتشجيع تدوير الورق ووقف قطع الأشجار، وطريقة لتحسين أجواء المدن وتشجيرها. والقضية قضية وعي بيئي عام أيضًا، لأنه يمكن لكل سكان حي أن يتفقوا على زراعة أقداحهم الورقية بتنظيم معيّن، كي يسهموا في تشجير حيّهم.

مضاد للتصحر
الأقداح الورقية الصالحة للزراعة مصنوعة 100 بالمئة من الورق المدور، فهي بيئية تمامًا، ولا تستهلك مصادر البيئة. ومن لا يرغب في زراعة الأقداح الورقية بنفسه، أو لا يملك ما يكفي من الوقت لذلك، يستطيع أن يلقي بها في حاويات نفايات خاصة يمكن لبلديات المدن أن تقيمها في الشوارع، ثم يتولى فريق من العمال زراعتها. الفكرة يمكن أن توفر نظامًا جديدًا لفصل النفايات، وفرص عمل جديدة.

تحويل المناطق غير المزروعة إلى حدائق أو مساحات خضراء يساهم في القضاء على ظاهرة التصحر، وهو نشاط حيوي يساعد على إعادة التوزان البيئي، من خلال جذب الحشرات (كالنحل مثلًا)، على حافات المدن، كما يعني توفير الغذاء والملاذ إلى أنواع لا حصر لها من الكائنات الصغيرة التي تعيش في الحدائق.

نباتات معينة
هناك بذور للعديد من الزهور والشجيرات الجميلة، إلى جانب بذور شجرة في كل قدح ورقي. ويمكن للمواطن، أو المزارع المختص، أن يستخدم جهازًا إلكترونيًا ينبغي أن يتوافر في المحال والمخازن والمطاعم، لقراءة أنواع البذور المدمجة في قدح الورق. وهذا يتيح زراعة الأقداح الورقية بشكل منتظم، ووفق بستنة زراعية متقدمة. ولا خشية من عدم استعمال القدح النباتي، لأنه مصمم كي يعيش 180 يومًا، قبل أن يتحلل بيولوجيًا إلى عناصره الأصلية. وهو على هذا الأساس غير ضار بالبيئة إذا تم رميه في النفايات العادية. لكن الشركة المنتجة تحذر من عدم صلاحيته لإنتاج الطاقة من النفايات في المفاعلات الحرارية، لأنه لا يتحلل بالحرارة إلا بشكل بطيء جدًا.

يمكن لكل منطقة في العالم أن تختار الأقداح الورقية النباتية التي تحتوى على النباتات القادرة على العيش والنمو في محيطها البيئي. ولا ينصح برمي القدح عشوائيًا في الحدائق على أمل أن ينبت يومًا كأشجار ونباتات، لأن هذه العملية لن تتم فوق التربة إلا بعد تحلل القدح الورقي بيولوجيًا، أي بعد 180 يومًا. ومن غير المحتمل، في المدن المنظمة، أن تترك البلديات الحدائق مشوهة بمظهر الأقداح الورقية، التي ستبدو حينها كالنفايات، ولذا عملية زراعتها بشكل منظم وواعٍ هو الخيار الأفضل.

يرشح الهواء
قالت شركة شركة "ر.ر.ج." إن الأشجار والنباتات التي ستنمو بعد زراعة القدح الورقي النباتي يمكن أن ترشح الهواء من كمية ترتفع إلى طن كامل من غاز ثاني أوكسيد الكربون كل عام. ويشير الميزان البيئي للقدح الورقي، بحسب معطيات الشركة، إلى أن صناعته تطلق 110 غرامات من غازي ثاني أوكسيد الكربون فقط، وتكون سمعته البيئية عالية جدًا مقارنة ببقية الأقداح الورقية التقليدية، ومقارنة بالأقداح البلاستيكية الضارة بالبيئة.

وعلى القدح النباتي أن ينتظر قليلًا حتى تغيّر المدن نظام جمع النفايات فيها، وأن تخصص حاويات له، وأن تنشر أجهزة قراءة محتوياته من البذور. ولهذا يمكن أن ينجح القدح الزراعي أفضل حاليًا في الشرفات والحدائق العامة الصغيرة وحدائق البيوت.

مشكلة تغليف
أنتجت شركة "نوفيتيك" النمساوية أقداحًا من بلاستيك خاص يتحلل بيولوجيًا إلى عناصره بعد فترة من استخدامه. كما أنتجت شركة أميركية غشاءً لكسو الطبقة الداخلية من القدح الورقي يمكن أن يتحلل بيولوجيا بنسبة 13 بالمئة، وهو الرقم القياسي المسجل عالميًا في هذا المجال. والحقيقة أن مشكلة كسو باطن القدح الورقي بالمواد المقاومة للرطوبة والحرارة (القهوة) هي المشكلة البيئية الأساسية في هذا القدح. ولهذا، لا تذهب الأقداح الورقية إلى أجهزة تدوير الورق، وإنما إلى النفايات العادية.

وقدح الورق النباتي تغلب أيضًا على هذه المشكلة، لأنه مكسو بمادة تتحلل بيولوجيًا بنسبة عالية، ما يتيح رميها مع الورق إلى الحاويات الخاصة بالورق. وتتحلل مادة الكساء، بتأثير عوامل التربة، إلى مواد طبيعية يمكن أن تصلح التربة.

وكانت شركة "أكزو نوبل" الهولندية، المتخصصة في شؤون البيئة، قد طورت مادة لكساء الأقداح الورقية يمكن أن تتحلل تمامًا، وتؤهل نفايات هذه الأقداح للتدوير في أجهزة تدوير الورق. وذكرت مصادر الشركة أنها استخدمت نفايات زيت الطبخ في صناعة مادة الكساء المذكورة، وأنها ضربت بالتالي عصفورين بحجر. وتذوب مادة الكساء أثناء إضافة المواد الطبيعية، التي تساعد على التدوير، إلى عجينة الورق المدور.

واعتبر مارتن هيلغنستوك، رئيس قسم المبيعات في شركة "أكزو نوبل"، أن ما حققته من خلال زيوت الطبخ المستعملة يعني ثورة ثانية في عالم الصناعة الورقية. وكانت الثورة الأولى قد حدثت، بحسب رأيه، على صعيد كسو الورق بمادة البولي إيثيلين قبل نحو 40 سنة.

بلاستيك من نشاء نباتي
يجري حتى الآن إنتاج البلاستيك، بكل أنواعه ولمختلف الاستعمالات، من مركبات النفط الخام. لكن شركة صناعية صغيرة من زالسبورغ في النمسا تقول إن بلاستيك المستقبل سيجري إنتاجه من النشاء النباتي، وخصوصًا من نشاء الذرة.

وميزة البلاستيك النشوي أنه بيئي 100 بالمئة، لا يضر بالبيئة عند الإنتاج، ولا عند الاستهلاك، ولا في عملية التخلص منه كنفايات خاصة أو تدويره. فأقداح البلاستيك النشوية من مادة عضوية تمتلك كل مواصفات البلاستيك التقليدي، لكنها تتحلل بعد أسابيع قليلة من استخدامها تلقائيًا إلى مكونها الأساسي، أي نشاء الذرة. وهذا يجعلها البديل المستقبلي البيئي من كل أنواع البلاستيك، الذي يعتبر الملوث الرئيس للبيئتين البرية والبحرية.

من نشاء إلى أحماض
يقول أوتمار روف، رئيس مجلس إدارة شركة "نوفيتيك" النمساوية، إتهم توصلوا إلى طريقة جديدة يجري فيها تحويل النشاء النباتي إلى أحماض الحليب البوليمرية، التي تتحول بدورها، بعد إضافة بعض المواد الطبيعية الأخرى، إلى مادة "اورغانيكس" العضوية الشبيهة تمامًا بالبلاستيك التقليدي.

ويمكن لاستبدال الأقداح والأكياس البلاستيكية من مادة "أورغانيكس" البيئية أن يعوّض عن نحو 3500 طن من البلاستيك الضار بالبيئة، الذي يجري التخلص منه سنويًا قرب زالسبورغ كنفاية خاصة. وهي عملية ضارة بالبيئة ومكلفة تتطلب جمع البلاستيك وضغطه وحرقه بغية تدوير جزء منه.
&