على امتداد السهول الخضراء التي كانت قوات الاحتلال الأميركي تسميها "المثلث السني" ترفرف أعلام ميليشيا منظمة بدر الشيعية فوق أبراج المراقبة وعلى أعمدة الكهرباء.&إضافة إلى وجود قادة عسكريين إيرانيين ميدانيًا يديرون المعارك ضد داعش التي تستغلها إيران لزيادة نفوذها ما يهدّد بتفاقم النزاع المذهبي.


عبدالاله مجيد: تنتشر على الطريق الممتد من بغداد إلى تكريت حواجز أمنية تزيّن الكثير منها صور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي ورموز شيعية أخرى، وصولًا إلى قرية العوجة، مسقط رأس صدام حسين على أطراف تكريت مركز محافظة صلاح الدين.

أبعد من دعم
تبدو هذه المظاهر، التي تستفز مشاعر الكثير من العراقيين، وكأن إيران استغلت العملية العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في صلاح الدين لاستعراض نفوذها في العراق. فالميليشيات المدعومة من إيران تقود العملية بكل تفاصيلها، وأُرسل قادة عسكريون إيرانيون بشكل سافر للمشاركة في توجيه المعارك. ويقول مسؤولون أميركيون إن قوات الحرس الثوري الإيراني تشارك أيضًا.

ويؤكد مسؤولون عراقيون بصراحة دور الميليشيات المدعومة إيرانيًا، منوهين بقدراتها القتالية، مع إشارة عابرة إلى أن قرار الحرب عراقي، فيما يشجب قادة الميليشيات ضغوط الولايات المتحدة على حكومة حيدر العبادي للاعتماد على الجيش العراقي والقوات النظامية.&&

لكن قادة الميليشيات والقوات النظامية على السواء أعلنوا للصحافيين خلال زيارة للمناطق القريبة من جبهة القتال أن لا فرق بين الاثنين، وأن الميليشيات قوة مشروعة تعمل ضمن قوات الحشد الشعبي وتسلسل القيادة الرسمية. وعلى غرار الميليشيات، فإن الكثير من عناصر الشرطة والجنود يزيّنون الحواجز الأمنية وخوذهم بالشعارات والرموز الشيعية.&

غائبة حاضرة
الغائب الأكبر عن المعركة هو الولايات المتحدة، التي أسهمت ضرباتها الجوية في رد مسلحي داعش على أعقابهم خلال معارك سابقة، لكنها لا تشارك في عملية استعادة السيطرة على تكريت. وتحدث كريم الجابري، وهو معلم سابق، يقود الآن وحدة مدفعية تابعة للميليشيات الشيعية، بصراحة عن حقيقة الوضع، حين قال لصحيفة نيويورك تايمز "إن إيران شريك حقيقي وصادق".
&&&
وأعلن المتحدث باسم الميليشيات مهند العقابي "أن إيران هي البلد الوحيد الذي يرد على ما يجري". لكن القائد العسكري في ميليشيا منظمة بدر معين الكاظمي قال ساخرًا إن الأميركيين ساهموا في المعركة على الجانب الآخر، في إشارة إلى إعلان داعش بأن انتحاريًا أميركيًا نفذ هجومًا بسيارة مفخخة على تجمع لقوات الجيش والحشد الشعبي قبل أيام. وقرب بلدة المعتصم، أشار رجال ميليشيات إلى حفرة أحدثها الانفجار، فيما غرست ميليشيا بدر علمها بجانب الحفرة.

صيد في الماء العكر
وحرصت قناة العراقية التلفزيونية، المفترض أن تكون قناة وطنية، كما يشير اسمها، على إبراز قدرات الميليشيات الشيعية وإسنادها للقوات النظامية. وتلاحظ صحيفة نيويورك تايمز أن زيارة المناطق القريبة من الجبهة تبيّن أن المعركة ضد داعش تعتمد أساسًا على الميليشيات الشيعية، ولكن دورها يهدد بتأجيج الاحتقانات الطائفية التي استغلها داعش، كما حدث في بعض المناطق، حيث أفادت تقارير بتعرّض سكانها السنة إلى اعتداءات أو إعدامات جماعية نفذتها الميليشيات.&

وقال مسؤولون عراقيون إن نحو 5000 سني من محافظة صلاح الدين انضموا إلى معركة تكريت. لكن الجابري، الذي يقود وحدة مدفعية تابعة للميليشيات الشيعية، قال لصحيفة نيويورك تايمز إن مهمتهم ليست قتالية، بل توفير معلومات وإرشاد مقاتلي الميليشيات، الذين غالبيتهم من بغداد وجنوب العراق، ولا يعرفون المنطقة.&

وتحدث مقاتلون من الميليشيات عن مشاركتهم في تنفيذ مهمات في سوريا للدفاع عن ضريح السيدة زينب على أطراف دمشق. وكانت الهوية الشيعية للقوات المشاركة في معركة تكريت واضحة بشكل صارخ في منطقة معروفة بأنها منطقة سنية خالصة تقريبًا.&

حرية مكفولة
وعلى امتداد الطريق بين بغداد وتكريت، بدت قرى عديدة مهجورة ما عدا بعض السكان والرعاة الذين يقتربون من حواجز التفتيش بحذر مشيًا على الأقدام رافعين رايات بيضاء. ولم يتسن الحديث مع الأهالي، ولكن بعضهم أعربوا في مقابلات منفصلة عن تأييدهم لعملية تكريت حتى بمشاركة الميليشيات. وقال الموظف سليم الجبوري (28 عامًا) "إنهم غادروا محافظاتهم لمساعدتنا".
&
على أطراف تكريت كان مقاتلون من الميليشيات يعملون في قاعدة أميركية سابقًا، ثم وقعت تحت سيطرة داعش قبل استعادتها. وفي القاعدة عقد المقاتل نزار الأسدي مقارنة بين المجهود الحربي الحالي ومعارك الإمام الحسين قبل 1400 سنة قائلًا لصحيفة نيويورك تايمز "إن تاريخه يكرر نفسه". أضاف "إن العراق يدافع عن العالم كله، وحريتكم مضمونة ما دمتم معنا".