بين حلقة وأخرى، ومن دون أن تدري، صارت ريما كركي على كل شفة ولسان، تتمثل بها المرأة الغربية، وتضعها الصحف الأجنبية على صدر صفحاتها الأولى... بفضل شيخ متطرّف قال لها "أسكتي"!

بيروت: ما أرادت ريما كركي، الاعلامية اللبنانية التي ورثت برنامج "للنشر" من زميلها طوني خليفة على قناة "الجديد" اللبنانية، ما أرادت شهرة من وراء قطعها بث البرنامج حين كان الشيخ المتطرف هاني السباعي يهدّد ويتوعّد، إنما شعرت فقط بالإهانة، كامرأة أولًا وكإعلامية تاليًا، حين قال لها "أسكتي واتركيني أتكلم".

إنجاز مشهود

ما أرادت كركي الشهرة لحظتها، رغم أنها تريدها في كل لحظة كأي إعلامي آخر، لكن موقفها من صديق أيمن الظواهري، وسرعة بديهتها في إسكاته، حملاها أبعد مما أرادت، إذ تصدّرت أول صفحة في موقع "دايلي ميل" البريطاني، الذي اختارها رمزًا له في يوم المرأة العالمي، لمجرد رفضها أن تهان على الهواء.

وقال الموقع إنّ ما فعلته كركي "انجازٌ مشهود للمرأة التي ترفض أن يستخف الرجل بدورها وبمكانتها، إذ قطعت المقابلة على الهواء مباشرة،& بعدما قال لها الشيخ المتطرف: "لا يشرفني أن تستضيفني في برنامجك"، لمجرد أنها طالبته بعدم الاطالة والدخول مباشرة في الموضوع.

كما أبرزتها صحيفة "إندبندنت" البريطانية مشيرة إلى ما فعلته بالكثير من الاهتمام والتبجيل، مسلطة الضوء على كلمة كركي: "في هذا الاستوديو أنا أقرر".

أنا أدير برنامجي

قالت كركي لصحيفة "غارديان" البريطانية إنها كانت ستكره نفسها لو لم تكل للسباعي الصاع صاعين على الهواء مباشرة، "وأنا لا أريد أن أكره نفسي، فحين قال لي أسكتي، لم يكن ممكنًا بعدها أن أستمر في صمتي، فحينها أكون أهين نفسي، وأخسر كل شيء".

أضافت: "كل ذنبي كان أن سألته التركيز على المسألة قيد النقاش، كي لا يذهب الوقت هباءً، فأغضبه هذا الأمر، وظنّ أنني أقاطع كلامه، فحاولت حينها التمسك بهدوئي، وطلبت منه عدم الغضب، لأنني أريد أن أستفيد من وجوده معي في البرنامج إلى أقصى حد".

بالنسبة إلى كركي، الاستوديو أشبه بقاعة المحكمة، وعلى أحدهم أن يدير الجلسة فيها، "لكنني لا أملك أن أحكم على الناس أو أحاكمهم، وقد أتيت بالسباعي إلى البرنامج لأنني مؤمنة بالحوار البناء، بغض النظر عن الخلفية التي يأتي منها الأشخاص".

أضافت: "مسؤوليتي أن أدير الحلقة، وشعرت لحظتها أنه من حقي أن أقول له أنا من يقرر مسار الحلقة في برنامجي، فآثر أن يلجأ للشتيمة، وحينها أنهيت المقابلة".

المسألة مسألة أخلاق

قالت كركي لـ"غارديان" إنها لا ترمي باللائمة هنا على التمييز الجندري، "لأنني لست متأكدة من نواياه، فكل ما في الأمر أنه أساء احترامي".

أضافت: "لا يسعني الدخول إلى نفس الانسان لأعرف نواياه، لكن نبرته في الكلام كانت سلطوية جدًا، فقد يكون هذا أسلوبه اليومي في الكلام،& ولا أعرف إن كان هذا ناتجًا من ذكورته، ولا أعرف إن كان سيقول لرجل مكاني أن يصمت، ومجرد قول هذه الكلمة مسيء، أكانت آتية من رجل أو امرأة أو شيخ، فالأمر لا يتعلق بالدين أو السياسة، بل بحسن السلوك والاخلاق".

وتابعت: "يظن بعضهم أن لهم حقًا ولد معهم، يخولهم التحكم بالآخرين، لكن هناك الكثير من النساء اليوم يكسرن هذه الصورة النمطية للشوفينية، رغم أننا نعيش في مجتمع بطركي بامتياز".

واستدركت قائلة: "لا أشعر اليوم بأنني بطلة، بل لدي شعور امرأة معتزة باحترامها لنفسها".

أما الاقبال الشديد على مشاهدة فيديو مشادتها مع الشيخ السباعي على يوتيوب فتقول إنها لم تتوقعه، "لكنه يحيي فيّ الأمل بأن تتصدى النساء لمن يسيء إليهن".

هذا ما حصل

في التفاصيل، كانت كركي تحاور الشيخ هاني السباعي، المستقر في لندن، حول موضوع إنضمام المسيحيين في الشرق الأوسط إلى منظمات إسلامية كتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، إلّا أن الشيخ عاد في الزمن إلى الوراء ليسرد أحداثًا تاريخية لا تخدم الموضوع.

طلبت كركي من ضيفها الاكتفاء بالتكلّم عما يحصل حاليًا لأنّ الوقت يداهمهما، فما كان منه إلا أن غضب، وقال إنه سيجيب عن السؤال كما يحلو له. هدّأت كركي "اللعب" وتمنّت لو يحافظ ضيفها على هدوئه، ما أثار غضب الشيخ أكثر فأكثر وقال: "أنا إتفقت مع الأستاذ إبراهيم حربي ألا تقاطعيني، إنتِ كنت تبينين لنفسك أنّك مميّزة".

اختارت كركي أن ترد على هجومه ببعض الهدوء أنّها المتصرفة في& الإستديو وهي من تقرر الكلام، وأشارت إلى مسألة الوقت لتسهّل له عملية الإجابة، كي يتبقى وقت كاف لباقي الأسئلة، فاستنكر ذلك، وبادرها: "اسكتي حتى أستطيع الكلام!".

صدم هذا الرد كركي، فقالت: "أول شي كيف شيخ محترم مثلك يقول إسكتي لمذيعة؟"، ثم طلبت من الفريق التقني قطع البث، فهي لا ترغب في متابعة المقابلة معه. وهنا، استشاط السباعي غضبًا وقال إنه لا يتشرّف بإجراء مقابلة معها.

بيان الجديد

من جانبها، اصدرت إدارة قناة الجديد بيانًا بعنوان "وأسكتت الشيخ المتطرف هاني السباعي وطردته على الهواء"، جاء فيه: "بعد تقريرٍ خاص حول ما حققته المجموعات الإرهابية من انتشار وقوة مادية وعسكرية، وبعد الكثير من الجرائم بحق البشر والحجر، كان من المستغرب سماع أصوات مؤيدة من قبل من يسمون أنفسهم بالجهاديين من مشايخ ورجال دين في أميركا وأُستراليا وأوروبا بعد الدول العربية طبعًا، حيث وصلت الوقاحة بأحدهم المدعو أنجم شودري للدعاء بطولِ العمر للخليفةِ أبو بكر البغدادي، ومطالبة السلطات اللبنانية بإطلاق سراح أستاذه السلفي عمر بكري فستق من السجن. أما الجديد الأخطر فهو أن تستقطب فكرة داعش هذه الآن مسيحيين بالجملة من لبنان بوجه خاص".

أضاف البيان: "للنقاش حول هذا الإطار كانت كركي قد استضافت الشيخ السلفي هاني السباعي من لندن، باعتباره من أصحاب الدعوة السلفية، بمواجهة الحقوقي والإعلامي اللبناني جوزيف أبو فاضل، المطلوب رقم واحد على قائمة المهددين من داعش، وفي هذه المواجهة أبى الشيخ المتطرف إلا أن يؤكد فيها على ما يحمله من فكر إلغائي، حيث وبالرغم من بداية مقدمة البرنامج الإعلامية ريما كركي بالاعتذار عن سوء الفهم السابق في حلقة ماضية معه لدى انقطاع البث بسبب انتهاء وقت اللينك على الأقمار الفضائية، وفي محاولة منها مجددًا لعدم إضاعة الوقت طالبته وهو يعود بالتاريخ إلى الماضي السحيق بالإختصار والدخول في موضوع الحلقة، لكنه أساء الرد قائلًا إنه يتكلم كما يشاء وأن عليها الاستماع، فردت بكلام موزون لكن رده كان أكثر تطرفًا، ولما وصل به الأمر إلى حد الإساءة قطعت له الاتصال بعدما أعلمته بأنها ستقطعه".

على تويتر

إشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بتعليقات مؤيّدة لموقف كركي، التي رفضت أن تتعرض للإهانة لمجرّد أنّها أنثى. كما ذاع صيت مقطع المشادة بعد رفعه على يوتيوب، إذ نشر في 4 آذار (مارس) وحقق أكثر من مليونين واربعمائة ألف مرة.

وعلى هاشتاغ #ريما_كركي على تويتر، تتابعت تغريدات تؤيد كركي أو تنتقدها، فكان أن صفّت الإناث في صفها، بينما انقسم الذكور.

قال رامي دياب: "برافو ريما أنت كما عهدناك رائعة وجديرة بالصدارة وأتمنى لك التوفيق والسمو أكثر فأكثر"، وقال المغرد جون أبو سمح: "المرأة التي تقول لا تستطيع أن تقف بوجه رجل يقول لها أصمتي، فتسكته".

أما عبدالله الخالدي، فصب جام غضبه على "الجديد": "قنوات الشبيحة& كالجديد تستضيف شخصيات متطرفة مثل هاني السباعي لتشويه مذهب أهل السنة، ولتخويف المسيحيين منهم، طائفيتكم مكشوفة".

وقالت عائشة الدوري: "إذا المحطة تستقبل هذه الأشكال الوسخة بأفكارها المتخلفة، توقعوا هكذا تصرف!". ونصحها فادي غنطوس: "من موقع التقدير أتمنى عليك الخروج من هذا البرنامج-التوليفة التي لا تليق بك".

كما تلقت تغريدات أجنبية، فقال المغرد جيف أبرامو: "أحترم قرارك بإدارة دفة برنامجك كما تريدين"، وغردت لورينا غوزمان: "أنت أسطورة نسائية، ومثال يحتذى به، أهنئك". أما فيرونيكا كوفر، فقالت: "شاهدت المقابلة وما حصل فيها، وأنت بكل تأكيد نموذج للمرأة التي لا ترضى بالاهانة".