لأن الأمير مقرن بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، عمل طياراً عسكرياً، فإنه يستلهم من تاريخه العسكري في القوات الجوية الملكية روح الطيار المقاتل، الذي يحلق في سماء المنطقة العربية، من أجل حمايتها. زار مصر مؤكداً استمرار دعم السعودية لها سياسياً واقتصادياً، وحذر في العام 2008 من مخططات إيرانية لتفتيت الدول العربية، وإقامة إمبراطورية، وصدقت تحذيراته، يسعى إلى إيجاد حلول سياسية سلمية للأزمات في اليمن وليبيا وسوريا، ويعمل على إعادة العراق لمحيطه العربي، وانتزاعه من السيطرة الإيرانية، ويسعى إلى إتمام المصالحة بين مصر وقطر.


&

&


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: على عكس ما تشتهي سفن جماعة الإخوان المسلمين، هبت رياح الأمير مقرن، إلى مصر محمّلة بالخير الوفير، مستجيباً لنداء رئيسها، عبد الفتاح السيسي، وملبياً دعوة خادم الحرمين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز.
&
استمرار دعم السعودية
وبملابسه العربية الأًصلية، وملامحه التي تحمل الطيبة والصرامة في الوقت ذاته، وقف ولي العهد السعودي الأمير مقرن على منصة مؤتمر "مستقبل مصر"، في مدينة شرم الشيخ، معلناً استمرار دعم السعودية غير المحدود لشقيقتها مصر إقتصادياً وسياسياً، ليخرس كل الألسنة التي توقعت وتكهنت وتربصت بمصر والسعودية بعد رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز.&
وبعد تقديم التحية للرئيس السيسي والحضور، نقل الأمير مقرن تحية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى الحاضرين، وانتقل سريعاً للتأكيد على عمق وتاريخية العلاقة بين مصر والسعودية، وقال في كلمته في الجلسة الإفتتاحية بتاريخ 13 آذار (مارس) الجاري: "إن المملكة باقتراحها ودعوتها المبكرة من قبل الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - لهذا المؤتمر وبمشاركتها الفاعلة لمصر في الإعداد والترتيب مع شقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة لتؤكد على ما توليه من اهتمام على مدى تاريخ علاقاتها باستقرار مصر وازدهارها، والحرص على تعزيز العلاقات معها وتقويتها والنأي بها عما يعكر صفوها".
وأضاف: "قد أثبتت الأحداث على مدى تاريخ علاقاتنا رسوخها وأنها سرعان ما تتغلب على ما يكدّر صفوها بحكمة قيادتي البلدين والفاعلين على المستويين الرسمي والخاص".
&
قطع ألسنة كارهي مصر
قطع مقرن الألسنة كلها التي لطالما أطلقت الشائعات ـ وإن هي إلا أمانيهم ـ عن تخلي السعودية عن مصر، برحيل الملك عبد الله وتولي الملك سلمان الحكم، وتعيين الأمير مقرن ولياً للعهد.
ولم يكتف الكارهون لمصر والسعودية، بإطلاق الشائعات، بل بثت محطات فضائية تابعة لجماعة الإخوان ما قالت إنها تسريبات للرئيس السيسي ومدير مكتبه عباس كامل، تضم أحاديث جانبية تحمل إزدراءات واساءات للمملكة والكويت والإمارات، إلا أنها لم تعكر صفو العلاقات بين البلدين، وهو ما أكد عليه الأمير مقرن في كلمته أمام المؤتمر في شرم الشيخ، وقال: "تدين المملكة وبشدة ما تشهده مصر الشقيقة من حوادث إرهابية تهدف إلى تعكير صفو الأمن والتشويش على مسيرة الاستقرار والنمو التي تسعى إليها حكومة مصر الشقيقة، مؤكدين موقفنا الثابت مع مصر وشعبها لتثبيت الأمن والاستقرار ووضع الاقتصاد على مسار التعافي والازدهار.&
ونطالب المجتمع الدولي بعدم ازدواجية المعايير والفهم الدقيق لما يجري من أحداث ودعم جهود الحكومة المصرية، لتثبيت الاستقرار ودعم جهود التنمية". في إشارة واضحة إلى تعامل المجتمع الدولي بازدواجية مع جماعة الإخوان المسلمين، ففي الوقت الذي تمارس العنف وتحرض عليه ضد مصر، تحظى بدعم خارجي أوروبي وأميركي.
ووجه مقرن بما عرف عنه من صرامة عسكرية ودهاء استخباراتي لطمة جديدة، لمن يريدون الإضرار بعلاقات البلدين، معلناً عن تقديم دعم إقتصادي جديد للشقيقة مصر. وقال: "استمرارًا لموقف المملكة الداعم لمصر واستقرارها، يسرني أن أعلن عن تقديم المملكة العربية السعودية لحزمة من المساعدات بمبلغ أربعة مليارات دولار أميركي منها مليارا دولار وديعة في البنك المركزي المصري، والباقي سيوزع على مساعدات تنموية من خلال الصندوق السعودي للتنمية، وتمويل وضمان صادرات سعودية لمصر من خلال برنامج الصادرات السعودية، واستثمارات في المشاريع المختلفة مع القطاع الخاص السعودي والمصري والمستثمرين الدوليين".
&
علاقات خاصة
&يدرك ولي العهد السعودي بخبرته العسكرية والإستخباراتية، أن العلاقة بين مصر السعودية، ليس علاقات جوار أو أخوة تربطها الدين واللغة، ولكنه يدرك جيداً أن البلدين كليهما بمثابة "الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، لاسيما في ظل تربص الأعداء وإحاطة الأخطار بالبلدين، سواء من ناحية إيران التي تريد تمزيق دول الخليج واضعاف مصر، من أجل إقامة إمبراطوريتها على أنقاض الدول العربية، أو من ناحية تربص الغرب بالمنطقة، ولاسيما مصر والسعودية، لاسيما أن أميركا لا تريد لهما الخير، وتسعى إلى اضعافهما، تقرباً إلى إسرائيل.
&
زلات لسان
ما يدركه الأمير مقرن من أخطار ومخططات إقليمية ودولية، كشفته زلات لسان مسؤولين كبار في إيران وأميركا، فقال علي يونسي مستشار الرئيس الإيران حسن روحاني: "إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت سابقا وعاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ". وأضاف: "جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا علينا أن نقاتل معا أو نتحد".
وكشفت زلة لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أثناء مؤتمر شرم الشيخ عن مخططات أخرى لصالح إسرائيل. وقال أمام حشد من المسؤولين المصريين والعرب والأجانب: "علينا جميعنا بذل الجهود من أجل مستقبل إسرائيل"، إلا أنه سرعان ما تدارك زلته وقال: "من أجل مستقبل مصر".
محاولات إيران إحياء إمبراطوريتها البائدة، حذر منه الأمير مقرن منذ سنوات. ونقلت عنه وثائق ويكيليكس في العام 2008، تحذيره في برقية دبلوماسية للسفارة الأميركية في الرياض قوله إن "الهلال الشيعي في طريقه إلى أن يصبح بدراً كاملا"، لكن يبدو أن المصالح الأميركية الإيرانية تلاقت في تحويل الهلال الشيعي إلى بدر، من أجل "مستقبل إسرائيل".
&
حماية المنطقة من الفوضى
يستلهم الأمير مقرن في تحركاته السياسية خبرته العسكرية في الطيران، ويحلق في سماء المنطقة العربية لحمايتها من الفوضى، ويرجع إليه الفضل في عملية الإنتقال السلمي للسلطة في اليمن، من الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى الرئيس الحالي عبد ربه هادي منصور، في ما عرف بـ"المبادرة الخليجية"، إلا أن الأطماع الإيرانية التوسيعية أجهضتها، من خلال دعم طهران ميليشيات الحوثيين، التي احتلت العاصمة صنعاء بقوة السلاح. وأدخلت اليمن في فوضى عارمة، تنذر بتقسيم وحروب أهلية لا نهاية لها.
وفي الوقت الذي تنظر فيه إيران للعراق على أنه جزء من إمبراطوريتها المزعومة، فإن الأمير مقرن أكد بتاريخ 19 تشرين الثاني (نوفمبر) أن علاقة المملكة مع العراق، "علاقة وثيقة ومن الضروري أن تأخذ مداها الحقيقي"، مشيراً إلى أن "المملكة حريصة على هذه العلاقة بما يخدم أمن واستقرار وازدهار البلدين".
ينسب مراقبون إلى الأمير مقرن الفضل في السعي إلى عقد المصالحة بين مصر وقطر، تحقيقاً لمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز. فنظم لقاءات متعددة مع مسؤولين مصريين وآخرين قطريين، أسفرت عن تلطيف الأجواء بين البلدين، إلا أنها لم تكتمل، بسبب رحيل الملك عبد الله، ولكن الأمير مقرن يسعى إليها. وعلمت "إيلاف" أنه تحدث في المبادرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش المؤتمر الإقتصادي.
&
نبذة
ولد الأمير مقرن في أيلول (سبتمبر) عام 1945، تلقى تعليمه الأولي في معهد العاصمة النموذجي في الرياض وتخرج فيه عام 1964 ثم أكمل دراسته في علوم الطيران في المملكة المتحدة وتخرج فيها عام 1968.
انخرط الأمير مقرن منذ شبابه في العمل العسكري، فكان أول طيار حربي من أبناء الملك عبد العزيز، عندما التحق بالقوات الجوية الملكية السعودية حتى عام 1980. وشغل مناصب إدارية في الدول أمير منطقة حائل خلال الفترة من 18 (مارس) آذار 1980 حتى 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، عندما عين &أميرا لمنطقة المدينة المنورة.
تولى الأمير مقرن رئاسة الاستخبارات السعودية في فترة عصيبة من تاريخ المنطقة، في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، حتى 19 تموز (يوليو) 2012. وفي شباط (فبراير) 2013 عين مقرن نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء. وفي 27 آذار (مارس) 2014 صدر أمر ملكي بتعيينه ولياً لولي العهد. وبعد رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتولي الملك سلمان الحكم، عين الأمير مقرن ولياً للعهد بتاريخ 23 كانون الثاني(يناير) 2015.
&
&
&