بروكسل: اكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الاثنين رفضه اي تفاوض مع الرئيس السوري بشار الاسد بناء على تصريحات وزير الخارجية الاميركي جون كيري، واعتبر ان الامر سيكون بمثابة "هدية" تقدم الى تنظيم الدولة الاسلامية.

وقال فابيوس في ختام اجتماع في بروكسل ان "حل (النزاع السوري) هو في (مرحلة) انتقالية سياسية تحافظ على مؤسسات النظام، ولكن ليس على بشار الاسد". واضاف "اي حل يعيد بشار الأسد الى الواجهة سيكون بمثابة هدية مشينة وهائلة لارهابيي داعش"، مستخدما التسمية الرائجة لتنظيم الدولة الاسلامية.

واعتبر فابيوس ان "ملايين السوريين الذين اضطهدهم الاسد سيدعمون داعش. وهذا بالضبط ما يجب تفاديه". وكان كيري صرح في مقابلة بثتها شبكة "سي بي اس" الاميركية السبت ردا على سؤال حول احتمال التفاوض مع الاسد، "حسنا، علينا ان نتفاوض في النهاية. كنا دائما مستعدين للتفاوض في اطار مؤتمر جنيف 1".

لكن متحدثة باسم الخارجية الاميركية اوضحت ان الموقف الاميركي من النزاع السوري لم يتغير و"ليس هناك مستقبل لديكتاتور وحشي مثل الاسد في سوريا". ولفت فابيوس الى انه تشاور صباح الاثنين مع كيري الذي "اكد ان ليس هناك البتة اي جديد في الموقف الاميركي حيال سوريا".

وتدارك الوزير الفرنسي "في اي حال فان فرنسا بلد مستقل وسياستنا الخارجية بالنسبة الى المأساة الرهيبة التي تحصل في سوريا لم تتبدل"، معتبرا ان "الحل الوحيد الواقعي" يكمن في "انتقال سياسي" ينبغي ان "يضم المعارضة بالتاكيد" مع الحفاظ على مؤسسات النظام.

من جهتها، ذكرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني بموقف الاتحاد، موضحة ان "العمل على حل دائم" للنزاع السوري يشمل "بالتاكيد (...) ممثلين لنظام الاسد". واضافت "اتصور ان كيري عبر عن موقفه في هذا المعنى. لا اعتقد انه كان يشير الى الاسد نفسه".
&واعلن الرئيس السوري بشار الاسد الاثنين، ردا على ابداء وزير الخارجية الاميركي جون كيري استعداد بلاده للتحاور معه، انه ينتظر اقتران التصريحات بالافعال، في وقت أبدى ناشطون ومعارضون خيبة املهم من الموقف الاميركي الاخير.

في المقابل، جددت فرنسا، حليفة واشنطن، التاكيد بان الرئيس السوري "لا يمكن ان يكون" جزءا من اي تسوية سياسية حول سوريا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية ان بلاده لا تزال ترغب بتاليف حكومة سورية جديدة في اطار تسوية، على ان تضم الحكومة "بعض هيئات النظام القائم والائتلاف الوطني ومكونات اخرى لها رؤية معتدلة وشاملة وتحترم مختلف مجموعات البلاد".

بدورها، اكدت لندن ان "لا مكان" للرئيس السوري في مستقبل البلاد، فيما اعتبرت تركيا ان التفاوض مع نظام "قتل مئتي الف شخص" سيكون "من دون طائل". وقال الاسد ردا على سؤال للتلفزيون الايراني عما اذا كان تصريح كيري يعكس تغييرا في الموقف الاميركي والدولي، "ما زلنا نستمع لتصريحات، وعلينا ان ننتظر الافعال وعندها نقرر".

واضاف في التصريح الذي نقلته وكالة الانباء الرسمية (سانا) "لا يوجد لدينا خيار سوى ان ندافع عن وطننا. لم يكن لدينا خيار آخر منذ اليوم الاول بالنسبة الى هذه النقطة"، مضيفا "اي تغيرات دولية تأتي في هذا الاطار هي شيء ايجابي ان كانت صادقة وان كانت لها مفاعيل على الارض". وعدد بين هذه المفاعيل "وقف دعم الارهابيين" بالسلاح والمال.

وطالبت واشنطن ومجمل الدول الغربية منذ بدء النزاع السوري في منتصف آذار/مارس 2011، برحيل الرئيس بشار الاسد. واعلن كيري قبل اسابيع ان "الاولوية" المطلقة لبلاده في سوريا اصبحت القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية. وصدر بيان جنيف 1 في حزيران/يونيو 2012 بعد اجتماع ضم ممثلين عن الدول الخمس الكبرى الاعضاء في مجلس الامن والمانيا وجامعة الدول العربية. ونص على تشكيل حكومة تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة السوريتين بصلاحيات كاملة تتولى الاشراف على مرحلة انتقالية. وتباينت وجهات نظر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المدعوم من الغرب والنظام السوري ازاء تفسير هذا البيان.

واجرى وفدان من المعارضة والحكومة السوريتين في مطلع 2015 جولتي مفاوضات برعاية الامم المتحدة في اطار جنيف 2، من دون ان يتوصلوا الى نتيجة. وتعتبر المعارضة ان "الصلاحيات الكاملة" المعطاة للحكومة تعني تجريد الاسد من صلاحياته، وبالتالي ابعاده عن اي حل لمستقبل سوريا، بينما يشدد النظام على ان مصير الرئيس يقرره الشعب السوري دون سواه، عبر صناديق الانتخابات.

وعلى الرغم من توضيح متحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية على اثر تصريح كيري، بان لا تغيير في الموقف الاميركي وان "لا مستقبل لدكتاتور عنيف مثل الاسد في سوريا"، فقد رأت صحف سورية ان اعلان وزير الخارجية الاميركي اقرار "بشرعية الرئيس". وكتبت صحيفة "الوطن" القريبة من السلطات الاثنين ان "الإدارة الأميركية اقتنعت أخيراً بعدم تمكنها من إزاحة الرئيس الأسد من منصبه بالقوة العسكرية"، مضيفة "ان موقف كيري في الأمس هو اعتراف (...) بشرعية الرئيس الأسد ودوره المحوري وجمهوره وصموده وشعبيته".

بينما رات صحيفة "البعث" الناطقة باسم حزب البعث السوري ان "اقرار" وزير الخارجية الأميركي "يؤكد من جديد فشل المشروع الصهيوأمريكي بحلته الإرهابية التكفيرية الجديدة، ضد سورية". وقتل اكثر من 215 الف شخص في اربع سنوات من النزاع السوري، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان. ولا تعترف دمشق بوجود معارضة ضد النظام، بل تؤكد منذ بداية النزاع ان ما يجري في سوريا مؤامرة ينفذها ارهابيون بدعم من الخارج، خصوصا من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وقطر والسعودية.

على خط المعارضة، لم يرد الائتلاف السوري مباشرة على تصريحات كيري، الا ان المتحدث الرسمي باسمه اعلن في بيان صدر اليوم ان "بعض المستجدات تستدعي التأكيد مجدداً بأن إسقاط رأس النظام وجميع المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري هدف رئيسي للائتلاف الوطني"، مشيرا الى ان ذلك "يضمن الانتقال إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي يضمن حريات جميع المواطنين وحقوقهم".

اما عضو الائتلاف سمير نشار فاكد ردا على سؤال لفرانس برس ان "هذه التصريحات مرفوضة من اكثرية السوريين. وحسب جنيف 1 و 2، لا دور للاسد في مستقبل سوريا". الا انه تخوف من ان يكون "كيري يتعمد الالتباس لتعويم بشار الاسد في اي حل سياسي". وخلال السنوات الماضية، اخذت المعارضة السورية على الغرب عموما والولايات المتحدة تحديدا، عدم تقديم دعم كاف للمعارضة المسلحة للتمكن من اقامة توازن عسكري مع قوات النظام، ما اعطى زخما للتنظيمات الجهادية.

بين الناشطين على الارض، حلت خيبة الامل منذ وقت طويل محل التفاؤل المعلق على الغرب في بداية "الثورة". وقال مأمون ابو عمر من مدينة حلب (شمال) "لم تكن لدى اميركا ولا حتى المجتمع الدولي اية نية بمساعدة الشعب الثوري بإزالة الدكتاتور بشار الاسد. لذلك نحنا لم نفاجأ". وقال ابو عادل من حي جوبر الدمشقي من جهته "منذ البداية، الاميركيون تخلوا عن الثورة. ويوما بعد يوم، يثبت هذا الامر اكثر فاكثر". واضاف "لا يمكن ان نقبل ببقاء الاسد بعد ان سقط عشرات الاف الشهداء. هذا طبعا مستحيل".

&