هدّد مجلس الوزراء السعودي بمراجعة العلاقات بين الرياض وإستوكهولم، إن استمرت وزيرة خارجية السويد بانتقاد النظام القضائي السعودي، ما اعتبرته الرياض تدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية.


حيان الهاجري من الرياض: أصدرت الحكومة السعودية الإثنين بيانًا شديد اللهجة، لوّحت الرياض فيه بمراجعة علاقتها مع السويد، رافضة أي تدخل في شؤونها الداخلية، ومشددةً على استقلالية القضاء السعودي، حيث لا سلطان سوى الشريعة الإسلامية، وذلك ردًا على الإساءات الأخيرة التي وجّهتها وزيرة الخارجية السويدية مارغو فالستروم إلى السعودية ونظامها العدلي.

وكانت فالستروم تناولت ما سمته "انتهاكات حقوقية"، بتعليقها على حالة رائف بدوي، المدوّن السعودي الليبرالي المعروف، الذي حكمت عليه محكمة سعودية بالسجن 10 سنوات و100 جلدة لمساسه بالإسلام عبر موقعه الإلكتروني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، في ردّ على منعها من إلقاء كلمتها في المجلس الوزاري العربي الأخير في القاهرة، بطلب من السعودية.

بيان مجلس الوزراء
وقالت الحكومة السعودية إن التعليقات السويدية انطوت على تجاهل للحقائق وللتقدم الكبير، الذي أحرزته المملكة على كل الأصعدة، "بما في ذلك المكانة المتميزة التي حظيت ولا تزال تحظى بها المرأة في مختلف المجالات التعليمية والعلمية والصحية والاقتصادية والتجارية".

وأكد بيان صادر عن مجلس الوزراء، بعد جلسة برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز: "ضمان استقلال السلطة القضائية مبدأ ثابت ومرتكز رئيس لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وأن قضاء السعودية القائم على الشريعة الإسلامية السمحة كفل العدالة التامة للجميع، وأن الكل متساوٍ، وله حق التقاضي والحصول على حقه، والقضاء في المملكة يتمتع باستقلالية تامة، ولا سلطان عليه غير سلطان الشريعة الإسلامية، كما إن حرية التعبير مكفولة للجميع في إطار الشريعة الإسلامية، ويجب عدم إضفاء إدعاءات غير صحيحة على القضايا ذات الحقوق الشخصية بين الأفراد ومحاولة إخراجها عن سياقها القضائي".

أضاف البيان: "المملكة العربية السعودية إذ يؤسفها صدور مثل تلك التصريحات غير الودية، لتأمل ألا تضطر، على ضوء ذلك، إلى مراجعة جدوى الاستمرار في كثير من أوجه العلاقات التي تربط بين البلدين".

تحقيق مكاسب سياسية
وكانت الخارجية السعودية أصدرت في وقت سابق بيانين منفصلين، أكدت فيهما رفض الرياض أي تدخل في شؤونها الداخلية. وفي هذا الإطار، نقلت "الشرق الأوسط" عن مصدر دبلوماسي سعودي قوله، تعليقًا على بيان مجلس الوزراء: "تصريحات وزيرة الخارجية السويدية لا تأتي من منطلق اهتمام حقيقي بحقوق الإنسان، بقدر ما هي بحث عن مكاسب سياسية داخل السويد بين الأحزاب المختلفة، لا سيما في الفترات التي تسبق الانتخابات".

أضاف: "منظمات حقوق الإنسان تضغط على الحكومات الغربية أحيانًا، فيصمت بعضها، ثم يستجيب بعض النواب أو المسؤولين في الحكومة في فترات تسبق الانتخابات لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، لا علاقة لها باهتمام فعلي بحقوق الإنسان".

وبحسب المصدر نفسه، موقف السعودية حازم في رفضها التدخل في شؤونها الداخلية، أو التشكيك في نزاهة واستقلال القضاء، وتصريحات وزيرة الخارجية السويدية مرفوضة.

مسألة إنتقائية
وقال فيصل بن حسن طراد، مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، للصحيفة نفسها: "المملكة من أوائل الدول التي دعمت مبادئ حقوق الإنسان، واحترمت كل المواثيق الدولية تجاهه، وبما يتفق مع الشريعة الإسلامية الغراء، ورغم كل هذه الجهود الواضحة للعيان، فإن بعض الجهات الدولية للأسف الشديد أفرغت مبدأ حقوق الإنسان من مضامينه السامية، وجنحت إلى محاولة تسييسه واستغلاله في التعدي والهجوم على الحقوق السيادية للدول، مغمضة عينيها عن كل الجرائم التي ترتكب على مرأى ومسمع من العالم أجمع بحق الشعوب في فلسطين وسوريا وبورما وغيرها من دول العالم، وكأن مسألة حقوق الإنسان أضحت مسألة انتقائية لخدمة أهداف سياسية، وهو الأمر الذي لن تسمح به المملكة إطلاقًا".

ويرى مراقبون أن رد فعل بعض الدول الإسلامية والعربية على تصريحات فالستروم سيحرج إستوكهولم، ويتوقعون تراجعها عن تصريحاتها، بعد إعلان الرياض أنها لن تتردد في مراجعة العلاقات مع السويد في ضوء هذه التصريحات.

السويد تخالف
ونسبت صحيفة "الشرق الأوسط" إلى الخبير القانوني السعودي المحامي الدكتور صالح الطيار، رئيس المركز العربي الفرنسي للدراسات، قوله: "السويد ارتكبت مخالفة للقانون الدولي بتدخلها في الأحكام القضائية في دول أخرى، وهذا التدخل جاء رد فعل على منع وزيرة الخارجية السويدية من إلقاء كلمة في اجتماع مجلس وزراء الجامعة العربية في القاهرة بطلب من المملكة، وإذا كانت المملكة تطبّق القانون، فإن وسائل الدفاع مكفولة للمتهم، والسويد تتجاوز القانون الدولي بتعليقها على أحكام قضائية صدرت في بلد آخر".

وأكد الطيار أن السعودية تحترم التزاماتها الدولية بشأن حقوق الإنسان، وحرية التعبير وبقية الحريات مكفولة في المملكة، شرط ألا تتعدى على حريات وحقوق الآخرين، "والنظام القضائي في السعودية قائم على المنهج الإسلامي، والمملكة تطبّق الأحكام القانونية على كل من يرتكب جرائم، سواء كانت حدودًا أو تعزيرات، وبالتالي فإن الأحكام مقنّنة بالكامل".