تريد تل أبيب سقوط بشار الأسد، الذي طالما عاداها، خصوصًا أنه اليوم يأتي بإيران إلى حدودها الشمالية، لكن سقوطه وحكم الجماعات الإسلامية لا يناسبها أيضًا، لأنها تساهم في عسكرة قطاع غزة الإسلامي. أما الرأي العام الإسرائيلي فيريد الحياد.


سارة شريف: يتعامل الإعلام الإسرائيلي، ومن خلفه الإدارة الإسرائيلية، بحساسية مفرطة مع الأزمة السورية، وبتأرجح في المواقف أيضًا. ففي بداية الأزمة السورية، كانت إسرائيل تتحدث عن معاونة الرئيس السوري بشار الأسد للحفاظ على نظامه، لكن الصيغة الإسرائيلية في تعاملها مع الأزمة تغيّرت بمرور الوقت، وصارت تقترب من دعم الجيش السوري الحر، ومحاولة هدم نظام الأسد.

وبعد فوز بنيامين نتانياهو في الانتخابات الأخيرة، وحصوله على 30 مقعدًا لحزبه ليكود في الكنيست، واستعداده لتشكيل حكومة جديدة، لا ينتظر ظهور أي اختلافات في التعامل الإسرائيلي مع الأزمة السورية في الوقت الراهن، لأن نتانياهو مستمر في سياسته السابقة، كما أعلن مرارًا.

ضارة ونافعة
فكثيرًا ما تحدث ساسة إسرائيل عن خطورة الأسد. وصرح وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان أن الأسد فقد أي شرعية لبقائه في السلطة. وسعي إسرائيل إلى هدم نظام الأسد يعود إلى أن الأسد عنصر مهم في محور الممانعة ضد إسرائيل، رفض النموذجين المصري والأردني اللذين قبلا باتفاقيات السلام.

فدمشق في العقدين الماضيين كانت داعمة للقوى الفلسطينية الرافضة لنهج "أوسلو"، ووصلت المفاوضات الإسرائيلية السورية إلى حائط مسدود منذ العام 2000. كما كانت سوريا حلقة ربط بين إيران والمقاومة، وسقوط النظام فى سوريا لا يمكن أن يؤدي إلى نشوء نظام بهذه التحالفات نفسها. وهذه الأسباب هي التي جعلت السياسيين الإسرائيليين يرون أن رحيل الأسد سيقوّض محور الشر المناهض لإسرائيل، خصوصًا أن الأسد اليوم من الضعف بما دفعه إلى الاستعانة بإيران، وهذا ما يضع إسرائيل وإيران على تماس عسكري، تجلى في مقتل قياديين إيرانيين في غارة إسرائيلية على القنيطرة.

وقال الدكتور محمد جمعة، المتخصص في الشؤون العربية والإقليمية في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، لـ"إيلاف": "إسرائيل استفادت من التدهور العام في الدول العربية، لأن انشغال الدول العربية بقضاياها الداخلية جعل القضية الفلسطينية في ذيل اهتماماتها، ما حرر إسرائيل من الضغوط التي كانت تمارس عليها لاستكمال مسيرة السلام، وللتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه الأزمة السورية أصابت الحدود الشمالية لإسرائيل بالتوتر من تعاظم قوى الجماعات الجهادية وتنظيم القاعدة في هذه المناطق، وهو ما يساهم في عسكرة الضفة الغربية عن طريق تعاون إيران وحماس وإخوان الأردن، والذي تربطهم صلات قوية بحماس، وهو المخطط الذي تخافه إسرائيل".

سقوطه نعمة
في ضوء ذلك، بدأ المسؤولون الإسرائيليون يطالبون علنًا الأسد بالتنحّي عن السلطة، ما يعني دعمًا للجماعات المسلحة في سوريا، وهو ما كشفه تصريح وزير الدفاع موشية يعالون الذي قال: "المكان الوحيد الذي لا تستطيع فيه المقاومة تشكيل بنية تحتية لمهاجمة الكيان الصهيوني، هي الأماكن التي تسيطر عليها تلك الجماعات المسلحة". ويعلون قال في وقت سابق: "إسقاط الأسد سيكون جيدًا لإسرائيل، لأنه سيحفز على شق حلف طهران ـ دمشق ـ بيروت ـ حماس الشيطاني". وهي الفكرة نفسها التي أكدها إيهود باراك، إذ قال: "سقوط الأسد نعمة على الشرق الأوسط".

الجنرال أفراييم هليفي، رئيس الموساد السابق، أكد أهمية إدامة الحالة السورية على ما هي عليه، فلا يحكم الأسد، ولا تحكم الجماعات المسلحة، "وهذا راحة لإسرائيل وهدم للدولة التي كانت عقبة في طريق إسرائيل لسنوات طويلة".

تصريحات الساسة الإسرائيليين العلنية جعلت إحدى القنوات الإسرائيلية تتجرأ وتذيع تقريرًا عن معالجة الجرحى والمصابين من الجيش السوري الحر في مستشفيات إسرائيل. وقتها، خرج الناطق العسكري الإسرائيلي في إحدى القنوات الإسرائيلية رادًا ذلك إلى أسباب إنسانية، "فإسرائيل تعاملت معاهم كمصابين، أيًا كانت هويتهم وانتماءاتهم".

يريدون الحياد
أما الجمهور الإسرائيلي فجاءت مواقفه مختلفة عن الإدارة الإسرائيلية. أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن استطلاعات الرأي الإسرائيلي تؤكد أن 75% من الجمهور الإسرائيلي يُحبّذ حياد الموقف الإسرائيلي في الموضوع السوري، خشية من أي انعكاسات محتملة على دولتهم.

وأعلن الإعلام الإسرائيلي صراحة استفادة إسرائيل من الوضع السوري، فكتب المحلل السياسي عاموس هرئيل في "هآرتس": "من وجهة نظر إسرائيل، تبدو التطورات في سوريا أقل سوءًا من بضعة خيارات أخرى غير مريحة، ورغم أن اسرائيل لم تعترف في أي وقت بذلك، فإن استمرار القتال بين المعسكرات المتقاتلة في سوريا يخدمها. الجيش السوري، الذي كان قبل بضع سنوات العدو الأكثر إقلاقًا للجيش الإسرائيلي، ضعف كثيرًا بسبب الحرب. وفي المقابل، فإن سيطرة المتطرفين السنة على كل سوريا أمر غير مرغوب فيه بالنسبة إلى إسرائيل، لأنهم أعداء يصعب التنبؤ بنشاطاتهم ويصعب ردعهم. لذا، استمرار القتال بين معسكرين عدوين لإسرائيل أمر مفضل، ولهذا يقتصر حديث زعماء إسرائيل عمّا يحدث في سوريا على الاعتراف بمعاناة السوريين".

وقال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني مصطفى إبراهيم لـ"إيلاف": "إسرائيل تنظر للأزمة السورية بشكل مختلف عن باقي الدول في المنطقة، فإسرائيل كانت وما زالت تعتبر سوريا الدولة الممانعة التي تدعم فصائل المقاومة، ومع اندلاع الأحداث في سوريا بدأت إسرائيل تنظر بشكل مختلف إلى الأحداث، وأصبح التوتر في سوريا يخيف إسرائيل بسبب وجود الجماعات الإسلامية المتطرفة على حدودها والوجود الإيراني الكبير في المناطق نفسها، لذا ترى إسرائيل أن جبهتها الشمالية تحمل تهديدًا كبيرًا لكيانها من قبل الجماعات الجهادية هناك، ورغم ذلك حاولت إسرائيل ألا تتدخل في الشأن السوري، لكنها حاولت الاستفادة من الموقف، وقامت بضرب بعض المواقع السورية، بحجة أن فيها أسلحة تنقل إلى حزب الله".