فتحت وزارة الأوقاف المصرية تحقيقًا في تصوير قناة شيعية برنامجًا في مسجد الإمام الحسين في القاهرة، فيما اعتبر علماء أزهريون أن الأزهر يتعرّض لحملة شرسة تهدف إلى تشويهه.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: أعلنت وزارة الأوقاف المصرية أنها فتحت تحقيقًا في بث قناة "الكوثر" الإيرانية برنامجًا، قالت إنها صوّرته في ساحة مسجد الحسين في القاهرة.

وبثت القناة حلقة من البرنامج، الذي يحمل اسم "البنيان"، من داخل مسجد الإمام الحسين في القاهرة، ويقدمه الدكتور عبد الحليم العزمي، مدير تحرير مجلة الإسلام وطن، لسان حال الطريقة العزمية الصوفية في مصر. وجاءت الحلقة تحت عنوان "الجناية في المفهوم الإسلامي وحدودها في الفكر التكفيري"، واستضاف فيها البرنامج&اثنين من علماء الأزهر.

اختراق ومراوغة
ونفت وزارة الأوقاف منحها تصريحًا لأية قنوات شيعية بالتصوير داخل مسجد الحسين، وقال وكيل الوزارة، جابر طايع، لـ"إيلاف"، إن التصوير تم بطريقة الخداع، مشيرًا إلى أن القناة لم تحصل على تصريح بالتصوير من الوزارة. وأوضح أن القناة صوّرت البرنامج عبر بعض الطرق الصوفية، التي تقيم حلقات ذكر في المسجد، لافتًا إلى أن الوزير مختار جمعة أصدر تعليمات بإجراء تحقيق في الواقعة، وتقديم المسؤولين عنها للمحاسبة.

بينما أوضح الدكتور عبد الحليم العزمي، مدير تحرير مجلة "الإسلام وطن"، لسان الطريقة العزمية، أن "برنامج "البنيان" المُذاع من داخل مسجد الحسين في القاهرة، تم تصوير حلقاته من قِبَل إحدى شركات التوزيع البرامجي داخل مصر، والتي باعته إلى قناة "الكوثر" الإيرانية".

سنية ضد التكفير
وقال العزمي في بيانٍ له، إنه "تم تصوير 13 حلقة تتحدث عن خطورة التكفير، وفي كل حلقة كان الضيوف من الأزهر الشريف، حيث تستضيف القناة، إما عالمًا أو عالمين اثنين في الحلقة الواحدة"، منوهًا بأن "حلقات البرنامج تناولت وجهة النظر السنية من علماء الأزهر في التكفير، وليست لها علاقة بالتشيّع".

ولفت إلى أن "شركة التوزيع هي من حصلت على التصريح من وزارة الأوقاف للتصوير داخل مسجد الحسين"، مضيفًا أن "الحديث داخل الحلقات التي كان آخرها بعنوان "الجناية في المفهوم الإسلامي وحدودها في الفكر التكفيري"، كان حديثًا عامًا لا يروّج للشيعة، وإنما يعرض وجهة النظر الأزهرية في القضية، قائلًا: "لو نُشِرَت هذه الحلقات في التلفزيون المصري هيقولوا قضية ممتازة".

وأوضح أن التوزيع للكوثر أو غيرها جرى بمعرفة الشركة، ولم يكن يعلم عنه شيئًا. وقال إنه لو كان يعلم أن البرنامج سَيُعْرَض في قناة بعينها، لذكر اسمها في مقدمات الحلقات، لكنه فوجئ منذ أسابيع عدة بنشر الحلقات في "الكوثر" بالصدفة.

إحياء توتر
وتساهم واقعة تصوير حلقات لمصلحة القناة الشيعية في صب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة بين المؤسسات الدينية السنية في مصر ونظيرتها الشيعية في العراق وإيران، لاسيما في أعقاب توجيه الأزهر إنتقادات شديدة إلى ما يعرف بـ"قوات الحشد الشعبي"، متهمًا إياها بارتكاب عمليات "ذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين عراقيين مسالمين لا ينتمون إلى داعش أو غيرها من التنظيمات الإرهابية".

وأعرب الأزهر في بيان له، عن "إدانته الشديدة لما ترتكبه هذه الميليشيات المتطرفة من جرائم بربرية نكراء في مناطق السنة، التي بدأت القوات العراقية بسط سيطرتها عليها، خاصة في تكريت والأنبار وغيرهما من المدن ذات الغالبية السنية".

واعتبر أن "ما ترتكبه هذه الجماعات من عمليات تهجير وقتل وإعدامات ميدانية ومجازر بحق المدنيين السنة، وحرق مساجدهم، وقتل أطفالهم ونسائهم بدم بارد بدعوى محاربة تنظيم داعش لهو جريمة وحشية يندى لها جبين الإنسانية جمعاء". ودعا الأزهر المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التدخل الفوري والعاجل لوقف هذه المجازر.
وطالب الحكومة العراقية والمرجعيات الدينية المعتدلة بإدانة مثل هذه الاعتداءات بشكل واضح، والتدخل الفوري لوقفها وضمان عدم تكرارها. كما أهاب الأزهر الشريف بالجيش العراقي أن يدقق النظر في اختيار القوات التي تقاتل إلى جواره، وأن يتأكد أنها تقاتل "داعش"، لا أهل السنة، وألا يسمح للميليشيات المتطرفة بالقتال تحت رايته، وأن توحد القوات العراقية جهودها في مواجهة الجماعات المتطرفة والميليشيات الطائفية حفاظًا على وحدة واستقرار البلاد.

فُهم خطأ
وتعرّض الأزهر إلى هجوم شديد من قبل الحكومة العراقية، التي استدعت السفير المصري في بغداد، وسلمته مذكرة إحتجاج، بينما إتهمت وكالة فارس الإيرانية للأنباء الأزهر بتلقي أموال من تركيا للهجوم على قوات الحشد الشعبي.

ووفقًا للدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، فإن العلاقة بين السنة والشيعة ليست علاقة عداء، مشيرًا إلى أن بيان الأزهر بشأن جرائم ميليشيات الحشد الشعبي، فُهم على غير مقصده. ولفت إلى أن الأزهر يسعى إلى حفظ دماء المسلمين، والحفاظ على وحدة العراق، وعدم تقسيمه على أسس طائفية أو إثارة النعرة المذهبية بين صفوف أبنائه.

ودخل التيار السلفي على الخط بين الطرفين، لاسيما أنه يعادي الشيعة في المطلق. وقال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، إن "موقف الأزهر مما يحدث في العراق كلمة حق في وجه الطغيان الشيعي الإيراني الفارسي، الذي يمثل تهديدًا صارخًا للأمن القومي للدول العربية، وفي مقدمتها (مصر والسعودية) وباقي دول الخليج"، على حد قوله.

وأضاف أن "ما يتعرّض له أهل السنة في العراق من إبادة وتمثيل وحرق للبيوت وقتل وتشريد، يشابه تمامًا ما يفعله "داعش" في ضحاياه، ولا يمكن لأحد بأن يقبل بهذا أو يسكت عنه"، معتبرًا أن "محاولات هدم الأزهر تسير بالتوازي مع محاولات هدم ثوابت الأمة (السنة الصحيحة، والإجماع، والمعلوم من الدين بالضرورة)، ولفت إلى أن "الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم - والتعرّض لأمهات المؤمنين، كل ذلك يصبّ في خدمة أعداء الأمة".


&