تتصاعد العنصرية الفرنسية ضد المسلمين بعد الهجوم على شارلي إيبدو، فيتعرض المسلمون الفرنسيون للكثير من الأضرار إذ يجدون أنفسهم عالقين بين الاتهامات بالتطرف وبين رهاب جديد من الاسلاميين.


إعداد عبد الاله مجيد: أول طبيب مسلم في بلدة فانسان شرقي باريس لا تسري عليه الصورة النمطية للمسلم. فهو ذو بشرة بيضاء وحليق الذقن ويستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية ويضع عمل فولتير "رسالة في التسامح" على مكتبه. لذا يبوح مرضى الدكتور كريم بوسالم احيانًا بمكنوناتهم له غافلين عن هويته.

وأخيرًا كشف له مريض يراجعه منذ عشر سنوات قائلًا "أنا أشعر بالقرف من المسلمين، يجب ألا يكونوا هنا". وقال مريض آخر إن فرنسا للفرنسيين للأقحاح فقط.

أنا مسلم!

قال الدكتور بوسالم (50 عامًا) الذي يعيش في فرنسا منذ هاجر من بلده الأصلي الجزائر قبل 25 عامًا إن الفرنسيين "لا يجدون ضيرًا في قول اشياء أمامي مثل لا تستطيع أن تقول بوجهي أنك مسلم".

وينتشر هذا الموقف بصفة خاصة اليوم بعد شهرين على هجمات باريس. ويقول كثير من مسلمي فرنسا البالغ عددهم 5 ملايين ـ الأكبر في اوروبا الغربية ـ إن الهجمات التي قُتل فيها 17 شخصًا تركتهم محاصرين في دوامة بين مطرقة الاسلاموفوبيا المتصاعدة في فرنسا وسندان التطرف المتزايد في مناطقهم.

وتتغذى القوتان التوأمان على إحداهما الأخرى، وتمثلان معًا ثقلًا مضادًا يمكن أن تكون له آثار مدمرة مقابل الملايين الذين تظاهروا في مدن فرنسا، بعد الهجمات في دفاع مهيب عن مبادئ الحرية والمساواة والأخاء.

وقال فرنسيون من سكان منطقة فانسان حيث قُتل اربعة رهائن والمهاجم الذين احتجزهم في متجر يهودي أن الأواصر تعززت بين المسلمين واليهود والمسيحيين بعد الهجوم. ولكن كما عرف الدكتور بوسالم من خبرته الشخصية المباشرة فإن المشاعر التي تقف وراء تصاعد الاسلاموفوبيا أخيرًا وجدت لها موطنًا في هذه البلدة ايضًا. وعلى اطرافها تكمن جرثومة التطرف في الأحياء الفقيرة حيث تجد لها ضحايا بين الشباب المهمشين والذين من السهل التغرير بهم وتضليلهم بشعارات الجهاد.

عنصرية ضد المهاجرين

وقال عبد الله زكري، رئيس المرصد الوطني ضد الاسلاموفوبيا في فرنسا لصحيفة واشنطن بوست: "العنصرية ضد المهاجرين كانت دائمًا موجودة ولكن المتطرفين من كل الأصناف يستخدمون الأجواء التي سادت بعد الهجمات لاشعال نزاع دائم بين مكونات المجتمع".

وسجل المرصد في كانون الثاني (يناير) الذي وقعت فيه الهجمات 214 عملًا عدائيًا ضد المسلمين، وهو رقم يزيد على ما سُجل في 2014 بأكمله. ومن الأعمال التي سجلت اعتداءات جسدية وتهديدات باجتثاث المسلمين من فرنسا ورمي رؤوس خنازير على ابواب مساجد.

وشهدت هذه الأعمال انحسارًا في شباط (فبراير) عندما شددت الشرطة الفرنسية اجراءات الحماية حول دور العبادة الاسلامية. لكن مواقف العداء للمسلمين ما زالت شائعة نسبيًا في فرنسا حيث أظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث أخيرًا أن 27 بالمئة من الفرنسيين ينظرون إلى المسلمين نظرة سلبية، وهي نسبة تزيد نحو ثلاثة اضعاف على نسبة من لديهم النظرة نفسها تجاه اليهود.

دعاية سيئة

هناك اليوم احساس لا ينكر بين المسلمين الفرنسيين بالاغتراب عن بلدهم حيث تنتشر على نطاق واسع الآن شكاوى التعرض إلى التمييز في مواقع العمل والتحقيقات البوليسية التي يخضع لها المسلمون أكثر من غيرهم، واتهام وسائل اعلام وسياسيين للمسلمين بأنهم سبب كل المشاكل في فرنسا.

وقال نجم حاكم وهو ابن مهاجرين من الجزائر في الخامسة والعشرين من العمر: "العنصرية تتصاعد أكثر فأكثر كل يوم في فرنسا،& فأنتَ تفتح التلفزيون وكل ما تراه هو دعاية سيئة عن المسلمين".

نشأ حاكم في بناية سكنية تبعد عن بلدة فانسان مسافة ميلين فقط ولكنه يعيش في عالم آخر تمامًا. فبدلًا من الجادات الفسيحة والمقاهي الأنيقة تحيط حاكم كتل من الخرسانة وحشود من الشبان الذين يعانون مثله من البطالة في اقتصاد راكد.

وقال حاكم، الذي درس استثمار الموارد البشرية في الكلية ولكنه لم يعمل إلا بعقود وقتية منذ تخرجه، إن كون المرء مسلمًا يزيد الوضع صعوبة، "فالمسلم إذا كان يعمل ويخرج مع زملائه بعد العمل إلى مكان ما ثم يقول انه لا يتعاطي الكحول أو يأكل لحم الخنزير يكون رد فعل الآخرين: هذا شخص لا أحبه".

وأظهرت التحقيقات أن المشاركين في هجمات باريس ثم في كوبنهاغن الشهر الماضي لم يكونوا معروفين بتدينهم مثلما كانوا معروفين بسوابقهم ضد القانون، بما في ذلك تجارة المخدرات وحيازة اسلحة وارتكاب اعتداءات جسدية.

ذهب يحارب!

وقال حاكم أن ثلاثة على الأقل من شباب الحي الذي يعيش فيه غادروا إلى سوريا من بين ما يقدر عددهم بنحو 1500 مسلم فرنسي توجهوا إلى هناك للقتال مع جماعات جهادية، وهو أكبر عدد من أي دولة اوروبية أخرى. وتحدث حاكم لواشنطن بوست عن الثلاثة الذي غادروا من منطقته قائلًا: "انهم اشخاص كانوا يتعاطون المخدرات والكحول ولم يعرفوا شيئًا عن القرآن، أحدهم ذهب لأن صديقته تركته وكان مكتئبًا ولم يعرف ما يفعله بحياته. فذهب يحارب".

وفي مسجد قريب قال إمام المسجد إن عليه أن يتحلى بأقصى درجات اليقظة ضد الغرباء الذين يحاولون استدراج شبان ضالين بوعد الهوية والانتماء من خلال الغلو في الدين. واضاف إمام المسجد الذي هاجر من المغرب في اوائل السبعينات انه خائف مما يفعله هؤلاء المتطرفون "مثل اي فرنسي آخر".&

وأكد أن المسجد جزء من الحل، "فهو قوة اجتماعية تستطيع أن تبدد الأوهام التي يروجها تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وانصاره بلا نهاية على الانترنت".

واستغلت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مشاعر العداء للمسلمين وغذتها بدعوات إلى غلق المساجد وإبعاد خطبائها. وجاءت الجبهة الوطنية بالمركز الثاني في الانتخابات البلدية يوم الأحد. وأصبحت زعيمة الجبهة مارين لوبن من المرشحين الأقوياء في الانتخابات الرئاسية في 2017. ويرى مراقبون أن موقفها المعادي للمهاجرين عمومًا والمسلمين بصفة خاصة عامل حاسم في نجاحها.