تكشف شهادة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي تنقل "إيلاف" بعض تفاصيلها، عن مدى سيطرة الجهاز الأمني السوري على العمل السياسي في لبنان قبل الانسحاب، كما تكشف شهادته علاقة المد والجزر بين الراحل رفيق الحريري ورئيس النظام السوري بشار الأسد.


مروان شلالا من بيروت: قدم رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة شهادته امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

قال إن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري كان يؤمن بقضية لبنان، وسيادة لبنان واستقلاله وانتمائه للعالم العربي.

يضيف في شهادته: "كانت علاقتي به علاقة صديقين يؤمنان بنفس المبادئ، وتوثقت العلاقة بيننا في الستينات عندما كنا اعضاء في حركة القوميين العرب، وهو حزب سياسي سلمي يؤمن بلبنان وبالعروبة، والحريري كان مؤمنًا بأهمية العمل لتحسين الأوضاع في لبنان وتشبّع بروح هذا الوطن القائم على التعدد والانفتاح والحريات والديمقراطية، وبذل كل جهد ممكن لتعزيز العمل الاجتماعي في لبنان من أجل تحسين ظروف عمل الشباب".

توتر وتحسن

يروي السنيورة: "في 1992 كان هناك من يقول إن حقيبة المالية يجب أن تكون لفريق غير الفريق الذي انتمي اليه من حيث المذهب، لكن اتفاق الطائف لم ينص على حصر أي حقيبة وزارية بطائفة معينة، ولذلك لا يجوز أن يمنع رئيس الحكومة من منصب وزارة المالية".

يضيف: "التقيت الحريري مرات عدة قبل 1992 في سوريا، وكان يطلعني على الجهود التي كان يبذلها من أجل لبنان والتواصل الذي كان يقوم به مع الرئيس حافظ الأسد، وفي 1997 كانت العلاقة بين الحريري والنظام السوري تمر بفترات توتر وتحسن، والأمور كانت تتعقد أكثر فأكثر مع النظام السوري بسبب التدخلات وعملية استتباع لبنان بشكل كامل، فالنظام السوري كان يشرف على اختيار الوزراء، وأذكر ان الحريري في تأليف حكومة 1997 عبّر أمامي عن ضيقه وعدم تقبله فكرة فرض مجموعة من الوزراء عليه. وحين تلقى لائحة اسماء من النظام السوري قال لي إنه سيذهب للقاء الاسد وذهب فعلا، وحاول اقناعه بأن الظروف لا تسمح بتسمية هؤلاء الوزراء، لكنه اكد لي ان الاسد كان مصممًا على موقفه، ولم أسمع من الحريري أن ثمة اعتراضًا على وجودي كوزير في حكومة 97".

قنديل ممثل سوريا

قال السنيورة في شهادته إنه عرف الدكتور غازي يوسف في السبعينات طالبًا في الجامعة الاميركية ببيروت، وكان استاذًا له.

يقول: "أوصيت بغازي يوسف لدى الحريري كمرشح لمجلس النواب، وكانت هناك معارضة مرة ثانية من خلال النظام الامني السوري لترشح غازي يوسف للنيابة، والحريري اتصل بي واخبرني عن هذه المعارضة وتمنى علي ان أنقل هذا الكلام ليوسف، وناصر قنديل وضع على اللائحة في 2000 بطلب من النظام الامني السوري، والحريري كان متضايقًا وغاضبًا جدًا، لكنه اضطر للموافقة، فالنظام الامني كان يعتبر أن قنديل افضل من يمثلهم، لذا اصروا على ان يكون نائبًا عن لائحة الحريري".

أضاف: "كان ثمة من يأخذ التعليمات وينفذها ويوصل الأخبار ويعطي الصورة التي يريدها النظام السوري، وليس هذا من طبيعة غازي يوسف، بينما ناصر قنديل، كل من يعرفه سابقا واليوم، فانه أفضل من يمثل النظام السوري، وقبضة هذا النظام كانت قوية جدًا، وليس هناك أمر يمكن أن يتم في لبنان من دون تدخل منه".

تشويه صورته

وأشار السنيورة إلى ان الرئيس الأسبق اميل لحود ابلغ الحريري عدم السير في اي من الاصلاحات التي أعدت على مدى 5 سنوات، من 1993 حتى 1998.

وقال: "عرقلة لحود للاصلاحات ما كانت لتتم لولا غض النظر السوري، وهناك من حاول لجم إصلاحات الحريري كي يبقى لبنان مستتبعًا للنظام السوري".

واضاف: "بالنسبة للنظام السوري، كل عملية إصلاح تؤدي إلى مزيد من الكفاءة والجدارة، كان له عمل مستمر من التضييق ومنع إصلاحات الحريري. كان هناك مسعى للتضييق على الحريري من خلال لحود، فالحريري نجح بإطلاق ورشة عمل اساسية في قطاعات عدة لكن هناك مبالغة كبيرة في الحديث عن إطلاق يده في الاعمار".

وقال: "الحريري قال لي إن ثمة من يبحث عن أي وسيلة لاجهاض النجاح الذي تحقق في مؤتمري باريس الاقتصاديين، فكانت هناك خشية دائمة من تحقيق الحريري نجاحات مهمة في الخارج، وكانت ثمة حساسية سورية من ذلك وشهدنا مساعيَ لتشويه صورته لدى الناس".

جرح عميق

يكشف السنيورة في شهادته أنّ "الحريري تحدث لي أكثر من مرة عن اسماء سورية متورطة في الفساد، وكانت على مستويات عالية، ومن مواضيع الفساد التي تورط بها مسؤولون سوريون في لبنان: التلزيمات والجمارك وقطاع الهاتف وغيرها من الامور التي كنا نسمع بها وندرك ماذا يجري فيها".

وعن اللقاء بين الحريري وبشار الاسد في كانون الاول (ديسمبر) 2003، وفي بداية 2004، قال السنيورة: "عندما كان الحريري يذكر هذا اللقاء كان يتجهم ويظهر عليه مقدار من الغضب وشعور عميق بالاهانة، وفي احدى المرات حين كنت مغادرًا، اطرق الحريري باكيا على كتفي وقال لي لن انسى في حياتي الاهانة التي وجهها لي بشار الاسد، وكان متوترًا جدًا عندما يستذكر تلك الحادثة، وكنت اتجنب تحريك ذلك السكين في جرحه وكان جرحًا عميقًا. كنت اتفهم عدم رغبته باعادة العبارات التي سمعها، لكنه قال "بهدلني وشتمني واهانني" وهذه العبارات كافية ولست مضطرًا ان اسأله ما هي العبارات الحرفية التي قالها الأسد".

وتابع: "الحريري أفرج عن غيظه وغضبه امامي مباشرة، وهذا أهم من أي قول سمعته من هناك او هناك، والنظام السوري كان يلجأ لأسلوب التهديد والشتم والتهويل بنسب مختلفة مع السياسيين والمسؤولين اللبنانيين كي ينصاعوا لما كان يريده".

إغراق زورق النجاة

وتابع السنيورة شهادته: "ما حققه الحريري كان زورق النجاة للاقتصاد اللبناني الذي كان مهددًا بمخاطر عالية جدًا، وحتى قبل عقد باريس-2 كان لبنان مهددًا بدفعه لاحداث تخفيض في العملة اللبنانية، وبعد باريس-2 ازدادت العراقيل في وجه الحريري ومشاريعه الحيوية ووصل إلى الحد الذي بدأ معه يرى ان ثمة استحالة في تحقيق اختراق، إذ وصل إلى مرحلة بدأ يعد فيها الجلسات المتبقية من عهد لحود، حتى المرونة لم تنفع مع لحود لكن الحريري كان يأمل بالاحتكام إلى الدستور والسير بأي رئيس آخر".

اضاف: "وصل كلام للحريري أنه لم يكن ثمة رأي ثابت للأسد من مسألة التمديد للحود، وأذكر أن عبد الحليم خدام أخبره بأنه اجتمع مع الأسد الذي قال له إنه لن يسير بفكرة التمديد".

لكن ثمة ما تغير. قال السنيورة: "الحريري أبلغني أنا وباسل فليحان أن الاسد قال له إما ان تسير بالتمديد أو اكسر لبنان على رأسك، وفي 28 آب (أغسطس)، عرفت أن الحريري سيقبل بالتمديد للحود كما طلبت منه دمشق، ولم أعده بأنني سأحضر الجلسة، ورفضت اولًا حضور الجلسة لأنني لم اقبل بتعديل الدستور، لكني لاحقًا قمت بهذه الخطوة تقديرًا للحريري، والمخابرات السورية اخبرت الحريري أنه سيجد لحودًا آخر بعد التمديد له، فالسوريون وعدوا الحريري انه اذا مدد للحود فسيمنعونه من السباحة".

دمروه معنويًا

تابع السنيورة شهادته امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وقال: "بعدما لم يلمس الحريري أي تغيير في سياسة لحود، اتصل بالعميد رستم غزالي وقال له هل هذا ما وعدتنا به؟"

أضاف: "فكرت باعتزال العمل السياسي بعد التمديد للحود، والحريري كان يريد ان يرفع لبنان إلى أهم المراكز ويحرص دائما على القول "ما حدا اكبر من بلده"، لكن البعض في لبنان كان مستعدًا لتدميره، وكانت هناك جماعات تهاجم الحريري لاغتياله معنويًا، وابرز الاتهامات التي وجهت اليه انه يريد الحجر وليس البشر، وكل الذين يدورون في فلك النظام السوري كانوا يكنون العداء للحريري، والتعاون الامني السوري اللبناني كان مكانًا لترويج الشائعات عن الحريري، والاداة السورية في لبنان كان يمثلها العميد رستم غزالي، لكن الحريري قال إنهم لن يتجرأوا على قتله".