&

يرى الكاتب فريدريك سي. هوف أن أهداف الأميركيين بشأن القضايا الإقليمية هي "نقيض أهدافنا تمامًا"، مؤكدًا أنه بات هناك قدر كبير من الشك بين أصدقاء أميركا في المنطقة في أن تعي مخططات إيران التوسعية، بدءًا بسوريا ومرورًا بلبنان وليس انتهاء بأزمة اليمن الأخيرة، ومشددًا على أن الطاقة التي تهدر على معاقبة نتانياهو أميركا، الأسد أولى بها.


عبدالاله مجيد: قال المرشد الأعلى علي خامنئي في كلمته بمناسبة عيد نوروز شيئًا سمعته أكثر من مرة من نظراء إيرانيين في نقاشات غير رسمية، وهو "أن المفاوضات مع أميركا تجري بشأن البرنامج النووي، ولا شيء غير البرنامج النووي، وعلى الجميع أن يعرف ذلك.... ونحن لن نتفاوض مع أميركا حول قضايا إقليمية.&

وبحسب فريدريك سي. هوف، عضو في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، التابع للمجلس الأطلنطي، فإن أهداف الأميركيين بشأن القضايا الإقليمية هي نقيض اهدافنا تمامًا". وهي فعلاً نقيضها. وتقف حملة ايران من أجل الهيمنة الاقليمية وراء دعم نظام الأسد في ما يرتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في سوريا. وعلى الغرار نفسه، فإن أهدافها الاقليمية تجعلها راضية بمجازر الميليشيات الشيعية في العراق والنسخة اللبنانية من آلة القتل، أي حزب الله. والمؤمل ان تجد مشاعر المرشد الأعلى تجاه النقائض أصداء في البيت الأبيض.&

غير مدركة
ويوضح هوف أن هناك قدرًا كبيرًا من الشك بين اصدقاء اميركا في المنطقة ـ اسرائيل والعرب على حد سواء ـ في ان تكون ادارة اوباما تقدَّر تمامًا وتعارض بوعي مخططات إيران الاقليمية. وبالكاد يمر يوم من دون أن يتوافر فيه دليل يسند على ما يبدو هذا الاستنتاج.

إذ ردًا على تقارير عن هجوم كيميائي آخر شنه نظام الأسد على المدنيين ـ مستخدمًا الكلور هذه المرة ـ دعا بيان صحافي صدر في 9 آذار/مارس باسم وزير الخارجية جون كيري، الى اجراء تحقيق، وعدَّد الكثير من ارتكابات النظام اليومية ("ضربات جوية عشوائية وقصف بالبراميل المتفجرة واعتقالات اعتباطية وتعذيب وعنف جنسي وقتل وتجويع")، ودعا مرتين الى محاسبته، ولكن من دون أي شيء ينم عن أن الولايات المتحدة ستحرك ساكنًا لحماية المدنيين السوريين. وليس هناك في البيان ما يشير الى دور ايران الحاسم في إبقاء النظام حيًا من الناحية السياسية وتمكين ما يقترفه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.

ثم كان هناك بيان البيت الأبيض في اعقاب اجتماع الشخصية السورية المعارضة الشيخ معاذ الخطيب مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايس. إذ جاء في البيان "أن السفيرة رايس أكدت أن بشار الأسد فقد كل شرعية للحكم، وعليه أن يرحل، واعربت عن القلق بشأن الوضع الانساني في سوريا، وأكدت مجدداً التزام الولايات المتحدة بانتقال سياسي عن طريق المفاوضات يحافظ على مؤسسات الدولة السورية ويحمي الأقليات ويرسي أسس حكومة جامعة".&

مصطلح القلق
ومنذ 18 آب/اغسطس 2011 دأبت الولايات المتحدة على القول إن الأسد "يجب أن يرحل"، في حين كانت ايران وروسيا تفعلان أشياء تضمن أنه "سيبقى". وهل يكفي "القلق" إزاء جريمة القرن الحادي والعشرين بحق الانسانية؟، لعل القلق مفردة أنسب من "الصدمة" أو "الغضب" بالنسبة إلى ادارة استثنت النظام السوري من التعهد بألا تحدث مثل هذه الجرائم "ابداً مرة أخرى".&

يشعر بعضنا ممن يؤيدون التوصل الى اتفاق يسد طريق ايران نحو انتاج سلاح نووي مع ذلك بعدم ارتياح بالغ إزاء مقاربة الادارة من اجل اتفاق كهذا. فعدوان ايران الاجرامي في المنطقة ينال بطاقة مرور من الغرب، خشية أن يزعج التصدي له المرشد الأعلى، ويدفعه الى الانسحاب من المحادثات. وهذه مقاربة خاطئة.

فالمرشد الأعلى والحرس الثوري الايراني كانوا قادرين على تنسيق اعمال عنف خارج حدود بلدهم من دون خوف من اثارة أزمة نووية اقليمية. وهم حققوا نجاحاً كبيرًا في ذلك من دون اكتساب قدرات نووية، ولا يجدون ضررًا في المجاهرة بذلك، بل حرصوا على ألا يوحوا لجيرانهم بأن يبنوا قدرات نووية لأنفسهم.&

تسريع انتحار
وإزاء حجم ايران والأفضلية الكبيرة التي تتمتع بها في القدرات التقليدية على جيرانها، سيكون من الغباء وبمثابة الهزيمة التي تلحقها ايران نفسها بنفسها أن تصنع رؤوساً نووية وتضعها على صواريخ. وسيلغي دفع فاعلين آخرين في المنطقة الى اكتساب قدرات نووية أفضليات حجم ايران الخالص وثقلها، ويجعل كل تدخل خارجي ايراني مشروع أزمة نووية.

لذا تريد ايران ان يُدفع لها بسخاء وبسرعة مقابل الموافقة على خطوات تقنع الآخرين بأن لا يفعلوا ـ على الأقل ليس بسرعة وعلى نحو ظاهر ـ اشياء أثبتت أن من صلب مصلحتهم ألا يفعلوها أصلاً. وهذا امر مفهوم تماما، وليس خطأ بالضرورة ان يعمل الغرب مع طهران للتوصل الى ترتيبات تخدم مصالح ايران، ولكنها تمنع ايضًا الانتشار النووي في المنطقة.

الأسد قبل نتانياهو
لكن إذا كان المرشد الأعلى قادرًا على تمكين ارتكاب جرائم قتل جماعي مع التخويل بمفاوضات تهدف الى ملء خزينته، فلماذا لا يستطيع الغرب ان يتفاوض بنية حسنة مع التصدي لارتكاباته، وبذلك ينقذ أرواحًا؟.

ومما له دلالات تملأ مجلدات أن البيت الأبيض الذي استشاط غضبًا على رئيس الوزراء الاسرائيلي لا يشعر بالسخط على القادة الايرانيين المتواطئين مع المجزرة التي تُرتكب في سوريا. ومما لا شك فيه أن نتانياهو قال وفعل اشياء أثارت الاستياء والاحباط والغضب. لكنه ليس المسؤول الرئيس عن إبقاء فاعل سياسي سوري يشن منذ اربع سنوات حملة قتل جماعي دمرت سوريا، وأنجبت تنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، وزعزعت استقرار منطقة تزخر بحلفاء الولايات المتحدة واصدقائها. ولعل الطاقة التي تُصرف في معاقبة رئيس الوزراء نتانياهو يمكن ان توجَّه بصورة أجدى نحو حماية المدنيين السوريين من الأسد وسنده الرئيس.&


مقال لفريدريك سي. هوف، عضو في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، التابع للمجلس الأطلنطي.