يرى خبير أميركي أنه لو أجريت انتخابات في إسرائيل الأسبوع المقبل فسيفوز نتانياهو مجدداً، ولذلك أسبابه وابرزها أن اليمين أصبح رديفاً للأمن، وكذلك تعطل عملية السلام مع الفلسطينيين.

لندن: أُعلن فوز بنيامين نتانياهو في الانتخابات الإسرائيلية الاسبوع الماضي بوصفه انتصارًا للأمن على الاقتصاد. ويرى دانيل كورتزر، وهو بروفيسور مختص بسياسة الشرق الأوسط في كلية وودرو ولسن للشؤون العامة والدولية في جامعة برنستون، وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل من 2001 إلى 2005، أن نتانياهو استغل مخاوف الإسرائيليين من الإرهاب وانعدام الاستقرار الإقليمي متجاهلاً من الناحية العملية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في إسرائيل.
&
ويتابع كورتزر: "وقدم غريمه إسحاق هرتسوغ نفسه مرشحا سيُجري تغييرا اقتصاديا واجتماعيا. &ورغم الأصداء التي لاقتها رسالته بين قطاع من الناخبين ـ زاد حزب هرتسوغ قوته من 15 الى 24 مقعدا في الكنيست -&فإن القطاع الأوسع من الناخبين (نحو 25 في المئة) اختاروا في النهاية التصويت لصالح نتانياهو الذي رأوا فيه قائدا سيُبقي إسرائيل آمنة". &
&
ويؤكد كورتزر أن دلالات الانتخابات تتخطى نتانياهو. فالفائز في النهاية هو اليمين الاسرائيلي الذي أظهر انه اصبح ما يشبه الأغلبية الدائمةـ وهي قوة يستمدها بصرف النظر عمن يقوده. &
&
اليمين رديف الأمن
&
ويقول الخبير الأميركي: "يُفسَّر موقع اليمين الراسخ في السياسة الاسرائيلية بعدة عوامل. &أولا، أن اليمين أصبح رديفا للأمن. وهذا التطور يتعارض على نحو ما مع الحس الاقتصادي السليم لأن جوقة متعاظمة من القيادات العسكرية والأمنية السابقة تجاهر بوقوفها ضد نتانياهو وسياسات اليمين".
&
يضيف: "ولكن ما عزز موقع اليمين حقيقة ان عملية السلام ـ التي ارتبطت زمنا طويلا باليسار- باتت معطلة تقريبا مزعزعةً ثقة الإسرائيليين بأن يتمكن اليسار ذات يوم من التوصل الى اتفاقية سلام. ورد الناخبون بتعليل مؤداه: &إذا لم يكن هناك سلام من اليسار فالأمن على الأقل من اليمين". &
&
"كما كسب اليمين من استثمار الازدراء القديم تجاه اليسار بين اليهود السفارديم (اليهود ذوو الأصول الشرق أوسطية) وخاصة المتحدرين من شمال أفريقيا ـ وهو عداء نابع من مرارة قديمة بسبب التمييز. &يضاف إلى ذلك أن أحزاب اليمين بدعمها المستوطنين دعما مطلقا اكتسبت قاعدة تأييد قوية موثوقة. &وأخيرا ان اليمين الاسرائيلي استغل حقيقة ان قطاعا واسعا من الناخبين شعروا بوجود فتور تجاه اسرائيل من جانب الرئيس الاميركي باراك اوباما. &وترجم اليمين هذا التباعد الى اتهامات بأن الولايات المتحدة تتخلى عن اسرائيل. &وعلى سبيل المثال ان نتانياهو وقادة اليمين ضخموا اختلاف وجهات النظر بشأن سبل ايقاف البرنامج النووي الايراني مكرسين الاعتقاد بأن اوباما ليس ملتزما بالعلاقة الخاصة". يقول كورتزر.&
&
ودفع المزيج الخبيث من العوامل الذي ترتب على ذلك الناخبين الاسرائيليين الى اليمين ليصبح في غاية الصعوبة على كل مَنْ في معسكر اليسار ـ مهما كانت جاذبيته ـ أن يحقق اختراقا. &
&
عامل الخوف
&
ويقول كورتزر إن الإسرائيليين يعيشون في منطقة خطيرة: &صواريخ فلسطينية من قطاع غزة وتهديدات حزب الله من لبنان ومسلحون (جهاديون) في سيناء والدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والتهديد الداهم بامتلاك ايران سلاحا نوويا. &ورغم قوة اسرائيل العسكرية المنيعة ومتانة مجتمعها الاقتصادية والاجتماعية فان نتانياهو واليمين نجحا في استغلال المخاطر بإطعام الناخبين وجبة متواصلة من الخوف على الأمن ذاهبين الى حد التلويح بامكانية وقوع هولوكوست جديدة. &
&
وبحسب تقدير السفير الأميركي السابق في إسرائيل، فانه حتى أكثر أهمية من ذلك أن اليمين تمكن من اقناع الغالبية بأنه مؤهل أفضل من اليسار لحماية الدولة علما بأن الواقع لا يتفق مع خطابيته. &فان نجاح نتانياهو لم يكن أكبر من نجاح سابقيه في التعامل مع صواريخ حماس من غزة. &وخلال الحملة الانتخابية جادل أكثر من 150 من كبار الضباط العسكريين والأمنيين السابقين قائلين ان سياسات اليمين في الواقع تجعل اسرائيل أقل أمناً ـ &وهو رأي يحمله مسؤولون عسكريون واستخباراتيون قدماء مثل مائير داغان رئيس الموساد السابق ويوفال ديكسين رئيس شن بيت السابق. &ومع ذلك صادر اليمين قضية أمن اسرائيل. &
&
الناخبون الروس
&
وتلقى خطابية اليمين استجابة قوية بصفة خاصة بين الجمهرة الكبيرة من المهاجرين الروس. &فالناخبون الروس الذي يُعتبرون عموما ليبراليين حين يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية ، انعطفوا بحدة نحو اليمين نتيجة اعمال العنف الفلسطينية في التسعينات والانتفاضة الثانية في 2000 ـ 2004. &وفي الأيام الأخيرة من الحملة توجه نتانياهو الى هؤلاء وغيرهم من الناخبين الذين كسب الهاجس الأمني اصواتهم له.&
&
ويبين كورتزر أن خطوة نتانياهو هذه كانت مدفوعة بخوفه من توزع اصوات ناخبي اليمين على عدة احزاب يمينية. &وكان يخشى ألا يؤمِّن حزب الليكود في هذه الحالة العدد الأكبر من المقاعد وان يُكلف حزب هرتسوغ بتشكيل الحكومة. &وكانت مناورة نتانياهو في اللحظة الأخيرة تهدف الى الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد لحزب الليكود. &وتكللت هذه الاستراتيجية بالنجاح: &في النهاية لم يتمكن اليمين عموما من زيادة عدد مقاعده ولكن الليكود حصد النصيب الأكبر من أصوات اليمين لترتفع حصته الى 30 مقعدا بما يكفل عمليا اعطاء نتانياهو الفرصة الأولى لتشكيل ائتلاف حاكم. &
&
ويضيف: "وليس المهاجرون الروس وحدهم الذين يختارون التصويت للأمن على الاصلاحات الاجتماعية الداخلية. &فان فشل عملية اوسلو 1993 لتحقيق السلام وتصاعد الارهاب الفلسطيني وتردي الوضع الأمني في المنطقة عززت كلها الحضور القوي للقضية الأمنية في الحسابات السياسية للاسرائيليين بصفة عامة. &وأظهرت دراسات كمية اجراها علماء اجتماع اسرائيليون انه رغم تزايد عدد الناخبين الاسرائيليين الذين يقبلون بفكرة حل الدولتين فان هؤلاء الناخبين أنفسهم لا يؤمنون في الحقيقة بأنه سيتحقق ذات يوم. &وإزاء ضآلة ما يمكن خسارته في صنع السلام فان هؤلاء الناخبين توجهوا صوب اليمين تراودهم آمال الأمن على السلام".&
&
التمييز ضد السفارديم
&
العامل الثاني- بحسب كورتزر- وراء قوة اليمين في السياسة الاسرائيلية هو عداء غالبية اليهود السفارديم عداء مقيما لليسار. &فالنخبة الحاكمة إبان الخمسينات كانت كلها تقريبا تتألف من يساريين ذوي اصول اشكنازية. &وتعين على هؤلاء القادة الممثلين في احزاب الماباي واحدوت هاعفوداه والمابام انشاء دولة وفي الوقت نفسه مواجهة تهديدات عربية ، وزيادة الاعتراف الدبلوماسي بها وبناء اقتصاد واستيعاب مهاجرين من البلدان العربية بالدرجة الرئيسية. &وفي النهاية نجحت هذه العمليات ولكن الانتقال كان شديد الألم على المهاجرين السفارديم وخاصة الوافدين من شمال افريقيا. &إذ أمضى كثيرون سنوات في مخيمات أو بيوت مؤقتة، وكانت فرص العمل تُمنح اولا للاشكناز من انصار الأحزاب السياسية الحاكمة مع إبقاء كثيرين من السفارديم ـ حتى من كانوا مهنيين في البلدان التي ولدوا فيها ـ بلا عمل أو في عمالة ناقصة. &
&
وعملت ذكريات الفقر والتمييز على تأليب السفارديم ضد أحزاب اليسار، وبدعمهم فاز مناحيم بيغن في عام 1977. &ولا شك في ان ما بقي عالقا من هذه الذكريات نفسها ساعد نتانياهو على تأمين الفوز في انتخابات الاسبوع الماضي. &
&
يعبدون الأصنام
&
ويشير كورتزر وهو محاضر في جامعة برنستون إلى أن هناك أكثر من الذكريات. &وعلى سبيل المثال خلال اجتماع حاشد في تل ابيب تأييدا للاتحاد الصهيوني (حزب المعارضة بقيادة هرتسوغ) حمل الفنان الاسرائيلي يئير غاربوز على انصار الليكود واصفاً اياهم بأنهم "يقبِّلون التعويذات ويعبدون الأصنام". &وفُهمت هذه الكلمات في اوساط واسعة على انها اهانة مباشرة للسفارديم الذين لديهم معتقدات دينية تقليدية ويجلُّون الأولياء الحكماء. واعاد هجوم غاربوز ذكريات واقعة مماثلة في عام 1981 عندما سخر الممثل والكوميدي ذو الشعبية الواسعة دودو توباز من مؤيدي الليكود واصفا اياهم بـ"الحثالات".&
&
ويتابع: "كان تأثير الانقسام بين اليهود السفارديم والاشكناز محسوسا بعمق في هذه الانتخابات. &إذ تشير البيانات الأولية الى فوز الليكود في سبع من أكبر عشر مدن اسرائيلية، أي غالبية على ما يُسمى الأطراف المأهولة بتجمعات كبيرة من السفارديم تمثل قطاعا واسعا من سكان اسرائيل المحرومين اقتصاديا. &وبصرف النظر عن الضائقة الاقتصادية التي يواجهها سكان هذه المدن فانهم صوتوا بعواطفهم ـ لصالح نتانياهو ـ وليس بجيوبهم الخاوية. &وفاز الاتحاد الصهيوني في تل ابيب وحيفا ، فيما فازت احزاب دينية في بني براك (مدينة أغلبية سكانها من اليهود الحريديين) وفاز الليكود في المدن الأخرى".
&
حركة المستوطنين
&
والسبب الثالث لصعود اليمين هو ديناميكية حركة المستوطنين ونموها. يقول كورتزر: "ان هدف المستوطنين في منع أي تنازلات على اراض يعتبرونها حق اليهود التاريخي ينسجم مع معارضة اليمين لعملية السلام وعدم ثقته بالفلسطينيين والعرب. &والمستوطنون ليسوا كتلة متجانسة وكثيرون منهم يختارون العيش في الضفة الغربية لأسباب تتعلق بالمصلحة وانخفاض التكاليف. &ولكن الجوهر الايديولوجي لحركة المستوطنين يعمل بقوة في خدمة احزاب اليمين ـ مجهود تبدى واضحا في الانتخابات حيث صوت 72 في المئة من المستوطنين الذين شاركوا في الانتخابات لصالح اليمين".
&
وبحسب أحد التقارير فان كثيرا من المستوطنين استجابوا لنداء نتانياهو في الأيام التي سبقت الانتخابات بالانتشار في عموم اسرائيل لتحشيد الأصوات لصالح الليكود. &
&
ويبيّن الخبير الأميركي ان حركة المستوطنين اصابت نجاحا كبيرا لا في توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية فحسب بل وبإيصال المدافعين عن الاستيطان الى مواقع حساسة في عموم الجهاز الاداري الاسرائيلي وبذلك الحصول على نصيب من ميزانية الدولة اكبر مما تشير اليه اعدادهم. &وعلى سبيل المثال ان الحكومة طيلة سنوات عديدة كانت تعتبر مستوطنات الضفة الغربية وغزة مناطق ذات أولوية تستحق امتيازات ضريبية ودعما ماليا من الحكومة. &وعندما كان المستوطنون يقيمون بؤرا غير مرخصة كانت الحكومة ترد لا بمنعهم وانما بربط منازلهم بشبكة الماء والكهرباء وتوفير الأمن. &وفي تقرير صادر عام 2004 سجلت تاليا ساسون المسؤولة في وزارة العدل نمطا من اللاشرعية المنهجية والنظامية بين المستوطنين وانصارهم في جهاز الدولة الاداري بما يخدم اهدافهم. &
&
سياسة تتغيّر ولا تتغيّر
&
"ليست هناك أغلبية دائمة في غالبية النظم السياسية الديمقراطية"، كما يقول كورتزر، قبل أن يستدرك: "ولكن المرجح أن يحتفظ اليمين الاسرائيلي بأغلبية الى ان يكون اليسار قادرا على تذليل ثلاث عقبات وما لم يكن قادرا على تذليلها. &أولا، عليه إقناع الناخبين الاسرائيليين وخاصة ذوي الأصول الروسية، بأنه على الأقل ليس أقل قدرة على التعاطي مع التحديات الأمنية التي تواجه اسرائيل من اليمين إن لم يكن أقدر منه. &(وظف حزب هرتسوغ رئيس الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يالدين ليكون واجهته الأمنية ولكن صوته كاد ألا يكون مسموعا خلال الحملة الانتخابية). ثانيا، على اليسار أن يقنع اليهود السفارديم بوضع تظلمات الماضي وراءهم والتصويت على أساس أوضاعهم الاقتصادية. وثالثا، عليه تبديد الاعتقاد بأن دعم السلام مع الفلسطينيين هو بمثابة ترضية لاتقاء شرهم وبالتالي فانه يهدد اسرائيل.
&
ويقول كورتزر: "الى ان يتحقق ذلك فان من المرجح ان تجرى انتخابات أخرى تشبه انتخابات الاسبوع الماضي. &وكان فوز نتانياهو فضح الكثير من الافتراضات الواهمة بشأن السياسة الاسرائيلية ـ وتحديدا ان تردي العلاقات مع الرئيس الاميركي سيضر باسرائيل وان القضايا الاقتصادية والاجتماعية تتطلب الاهتمام بها وان الازدراء السافر تجاه عرب اسرائيل موقف محفوف بالمخاطر. &فان نتانياهو نقض كلا من هذه الافتراضات بأقواله وأفعاله ورغم ذلك خرج منتصرا".
&
ويختتم الخبير الأميركي مقاله التحليلي، بالقول: "بذا لا يكون فوز نتانياهو انتصارا شخصيا فحسب بل تأكيدا لانحياز منهجي لصالح اليمين من المرجح ان يستمر عدة سنوات قادمة. &والتحدي المطروح على اليسار الاسرائيلي ان يفهم هذا الوضع "الطبيعي" الجديد وان يقنع الناخبين بأنه حريص على مستقبل اسرائيل ولديه الوسائل لصيانته".