أكد الكوميدي البريطاني جون كليز أنه لا يسخر من الأديان، بل من الناس الذين يضرون بهذه الأديان، مؤمنًا بأن الفكاهة تدفع الناس إلى التفكير.

إعداد عبد الاله مجيد: اشتهر الممثل البريطاني جون كليز بعضويته في فرقة مونتي بايثون الكوميدية السوريالية ومسلسلها "السيرك الطائر"، الذي عُرضت حلقته الأولى على بي بي سي في 1969. وانتجت بي بي سي من المسلسل 45 حلقة، لكن كليز ظهر في افلام سينمائية بينها جيمس بوند وهاري بوتر، وفي افلام دعائية لترويج بضائع مختلفة ايضا. كما كتب سيناريوهات وقام بدور البطولة في مسلسل "ابراج فولتي" الكوميدي وفيلم "سمكة اسمها واندا".

قال كليز في مقابلة مع شبيغل الالمانية إن من مشاهد الرعب التي يعتز بها تمثيله دور البروفيسور فالدمان في فيلم يقتبس قصة فرانكشتاين، وموته طعنًا على يد روبرت دي نيرو. ونصح كليز من يريد أن يُقتل أن يُقتل على يد دي نيرو فهو قاتل رائع. ويظهر كليز في فيلم "سمكة اسمها واندا"، وهو يقلم أظافر قدميه في مخدع الزوجية، فيما تستلقي زوجته بجانبه على الفراش. ويبدو المشهد كأنه الضربة القاضية للحب بعد الزواج.

مضحك أم محزن؟

سُئل كليز عما إذا كان ينظر إلى الزواج على انه كوميديا أو تراجيديا فأجاب أن هذا سؤال يجب أن نسأله عن الحياة نفسها. قال: "نموت في النهاية ولكن هل يلغي هذا كل شيء؟ فأنت ما إن تولد سيتعين عليك أن تموت ذات يوم فهل هذا مضحك أم محزن؟".

وتحدث كليز عن زواجه الثالث من طبيبة نفسية اميركية وطلاقه منها الذي كلفه غاليًا. وقال إنه كان ميسور الحال قبل طلاقه من اليس فاي آيكنبرغر. وأضاف: "لم أكن أعرف ما أملكه حقًا، كنت أعيش في رغد والآن أعمل منذ سبع سنوات لدفع النفقة وهي الآن أفضل حالا بكثير مني، وهكذا يستطيع المرء أن يجلس ويشعر بالمرارة أو يفكر بأن الأمر مثير للسخرية تمامًا".

وكشف كليز انه عندما يدفع آخر نفقة شهرية في تموز (يوليو) لطليقته سيكون أعطاها منذ طلاقهما 20 مليون دولار. وعندما انفصلا كان يملك خمسة عقارات ولم يبق لديه الآن إلا "شقة لطيفة جدًا في لندن".

وتحدث كليز في المقابلة مع شبيغل عن الكوميديا قائلًا: "أعتقد اننا جميعًا نولد بحس فكاهي، أما الابداع فهو شيء آخر". واشار إلى أن علماء النفس يقولون إن ما يساعد الابداع أن يكون لديك والدان يختلفان دائما فيما بينهما وأنا كان لدي مثل هذين الوالدين".&
&
ميؤوس منه

وحذر كليز من أن ما يقتل الابداع والفكاهة هو القلق، إذ يجب أن تكون قادرًا على العبث واعتقد أن كثيرين منا يفتقدون إلى هذه القدرة. وقال انه أجرى ذات مرة مقابلة مع دالاي لاما الذي قال إن ما يحبه في من يضحكون هو أن الضحك يمنحهم فرصة لأن تكون عندهم أفكار جديدة.

ويكن كليز احترامًا كبيرا للدالاي لاما وأعاد له صياغة بعض الكتابات البوذية. وحين سُئل كليز إن كان متدينًا، أجاب: "أنا بكل تأكيد لا أُقيم اعتبارًا كبيرًا للدين المنظَّم ولست ملتزمًا بأي شيء سوى احساس مبهم بأن هناك ما هو أكثر من الاختزال المادي الذي يفكر فيه الأشخاص، وأعتقد أن بالامكان تخفيف المعاناة بعض الشيء، كما يقول البوذيون، وهذا من الأشياء القليلة التي آخذها على محمل الجد. ولكن الفكرة القائلة بأنك تستطيع أن تدير الكوكب بطريقة عقلانية رحيمة فأعتقد أن ذلك ليس ممكنًا، إذ سيكون هناك دائما سايكوباتي مختل عقليًا في القمة ـ أنانيون، طامعون بالسلطة يريدون قضاء حياتهم كلها في البحث عنها".

وتابع كليز قائلا إن المحلل النفسي روبن سكاينر الذي شارك معه في تأليف كتابين قال له: "بإمكانك أن تبدأ التمتع بالحياة إذا أدركتَ ما عليه الكوكب من حال سيئة وكم أن كل شيء ميؤوس منه، وأنا وصلت إلى هذه المرحلة خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الأخيرة عندما رأيت أن وجودنا هنا ميؤوس منه تماما. إذ أرى الأثرياء يمسكون بخناقنا ولو قال لي أحد هذا حين كنتُ في العشرين لاعتبرته مخبولًا يساريًا".

ليست على الدين

كان كليز معروفًا باستهدافه الكنيسة والسخرية منها في افلامه الكوميدية، وهو يتذكر اعتراض بعض المحافظين على عرض فيلم من افلامه اتُهم بالكفر والسخرية من المسيح في بلدة ريفية فاستأجر لفيف من سكان البلدة حافلة أخذتهم إلى البلدة المجاورة على بعد 24 كلم لمشاهدة الفيلم. وقال كليز: "كثير من المسيحيين أقروا بعد مشاهدة الفيلم بأن النكتة ليست على الدين بل على طريقة الأشخاص في اتباع الدين. ولو رأى المسيح محاكم التفتيش الاسبانية لقال ما هذا الذي تفعلونه؟".

وعما إذا كان المسلمون ودينهم موضوعا للفكاهة، أجاب كليز: "بكل تأكيد، ففي 1982 كتبت وغراهام تشابمان عددًا من المشاهد لفيلم "معنى الحياة" يظهر فيها آية الله. وكان& آية الله هذا&في سورة غضب على كل اختراعات الغرب الشريرة، مثل ورق التواليت. ولم تُضف هذه المشاهد قط إلى الفيلم رغم اني كنتُ اعتقد بأنها أفضل بكثير من عدة مشاهد أخرى أُضيفت اليه".

وأكد كليز انه ما كان ليسيء إلى النبي ابدًا وحين سُئل عن السبب قال: "كيف يمكنك السخرية من المسيح أو القديس فرنسيس الأسيزي؟ فهم كانوا بشرًا رائعين وان الأشخاص لا يكونون مضحكين إلا عندما يتصرفون تصرفًا غير لائق، عندما تستبد بهم عاطفة أنانية لا يستطيعون السيطرة عليها ويصبحون أقل انسانية".

تغير العالم

وتطرق الكوميدي البريطاني جون كليز إلى امكانية استهداف المسلمين بأعمال ساخرة أو نكات لاذعة قائلًا: "اعتقد بأن الأشخاص الذين يأتون إلى الغرب وخاصة المسلمين الذين لديهم منظومة قيم مختلفة تمامًا، ينبغي أن يقبلوا بأن هناك قيمًا أساسية معينة في الغرب متأصلة في ثقافتنا، مثلما لا أقترح أن تمشي أي غربية مرتدية بكيني في شوارع العربية السعودية، احترامًا للثقافة المحلية، وهناك بالطبع الكثير من المسلمين المحترمين الذين يستحقون الاعجاب تمامًا، وهناك الصنف الآخر. ونحن ايضًا لدينا هذا الصنف الآخر. فإن أصوليينا يفجرون الأبنية ويقتلون اشخاصًا في عيادات الاجهاض. ولا أعتقد انهم مجانين أو كثرة كما في الاسلام حاليًا، لكن السبب أن كثيرًا من المسلمين يعيشون في ظروف مزرية أغلب الوقت. ولكن هناك من هم جزء منا، جزء من مجتمعنا ومن حقهم أن يكونوا موضع سخرية. نحن نسخر من المسيحية فمن يقول إننا لا نستطيع أن نسخر من الأديان الأخرى وأتباعها؟ الفكاهة تجعل الأشخاص يفكرون".

وحين سُئل كليز عما إذا كان بمقدور الفكاهة أن تغير العالم، قال انه كان يشعر في شبابه "انك إذا سخرت من سلوك معين سيدرك الناس انه سلوك مثير للسخرية وسيختفي تدريجًا، لكنه لم يختف بالطبع وعندما أطلق الكوميدي بيتر كوك نكتة ساخرة عن كباريهات برلين الرائعة في الثلاثينات، فهذا لم يمنع هتلر".

اليسار ساخر

قال كليز لمجلة شبيغل إن الكوميديين الجيدين هم من اليسار، "هناك بعض اليمينيين الجيدين ايضا لكنهم قلة ويظهرون في فترات متباعدة، فكل من يتخذ موقفًا نقديًا اساسًا من المجتمع ونمط عمله يكون على الأرجح يساريًا".

وتذكر كليز أن رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر حاولت أن تحاكي أحد المشاهد المضحكة في برنامجه خلال مؤتمر حزب المحافظين لكنها اخفقت رغم البروفات التي أجرتها قبل ذلك، كما كشف له احد مستشاريها.

وعن سبب استهدافه السلطات بالكثير من نكاته قال كليز انه يستهدف "السلطات السيئة وهناك فارق. السلطات المتغطرسة والأنانية هي التي تستحق السخرية. فالفكاهة يمكن أن تكون مدمرة احيانًا في مرحلة معينة، "فعندما يبدأ نظام سلطوي بالانهيار، تعطي دفعة اضافية لانهياره، واصحاب السلطة يجدون من الصعوبة بمكان قبول السخرية منهم وهم يفضلون الهجوم عليهم فالفكاهة تجعلهم يشعرون بالغباء".

وأقر كليز بأنه كان يستمتع باستهداف الصحافيين ايضا بنكاته مصورًا اياهم يطرحون اسئلة غبية فيما ترتسم على وجوهم كل علامات الجدية. وقال إن اشخاصًا كانوا يقولون إنهم لم يتمكنوا من متابعة اخبار المساء بعد مشاهدة مسلسل مونتي بايثون لأنهم لم يتمكنوا من أخذها على محمل الجد. وقال انه يود أن يسخر من الافلام التي تنتجها بي بي سي ذات يوم لتعليمهم كيف تُصنع الأفلام الوثائقية.

ليس لديهم حس الفكاهة

ونوه كليز بانتاجه فيلمًا وثائقيًا لانقاذ قرود الهوبر التي لا توجد إلا في مدغشقر حتى أن العالم الذي اكتشف هذه الفصيلة من جامعة زوريخ سأله إن كان يستطيع أن يطلق اسمه عليها وانه كان يريد مساعدة هذا العالم ماليا لولا نفقة الطلاق التي بدأت وقتذاك.

وتحدث كليز عن علاقته بالمانيا حيث اصاب نجاحًا كبيرًا، وبدأت هذه العلاقة خلال الحرب العالمية الثانية حين كانت الطائرات الالمانية تقصف بلدته الساحلية.

وتساءل كليز في هذا الشأن عن استهداف مدينته قائلًا إن قصفها كان "تبذيرًا بالقنابل، وهذا أمر غريب من بلد يعمل بكفاءة عالية" مثل المانيا. واضاف كليز انه يحب تفسير والده لقصف المدينة حين قال انهم يقصفونها "ليثبتوا أن الالمان ليس لديهم حس الفكاهة".

وقال كليز إنه عندما تعلم اللغة الالمانية اصبح يفضل الثقافة الالمانية على الفرنسية ويعتبر ايمانويل كانت أهم فيلسوف قرأ اعماله وان الموسيقى الكلاسيكية الالمانية هي الأحسن في العالم وان لدى المانيا رسامين رائعين، لا سيما الانطباعيين منهم. وروى كليز انه حلم ذات مرة يقول لثلاثة اشخاص كانوا علماء نفسانيين على الأغلب أن الشيء الرئيس الذي يندم عليه في الحياة هو أن الالمانية ليست لغته الاولى. وحين سُئل عن أكبر ما ندم عليه في حياتي أجاب: "زواجي الثالث".