&انتهت الحكومة المصرية من إعداد مشروع قانون يبيح غلق المواقع الإلكترونية أو الروابط التي تهدّد "الأمن القومي". ويخشى صحافيون ونشطاء في الدفاع عن الحقوق والحريات، من استخدام التشريع في التضييق على الحريات الإعلامية واستهداف المواقع الإلكترونية الإخبارية المعارضة للنظام الحاكم. ويأتي مشروع القانون استجابة لدعوة أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإغلاق ما وصفها بـ"المواقع الإرهابية والتكفيرية" على شبكة الانترنت.
&
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: أعدت وزارة العدل المصرية مشروع قانون يعرف باسم "قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات"، يبيح للحكومة تعقب المواقع والروابط الإلكترونية التي تعتبرها تهديداً للأمن القومي، وغلقها بموجب أحكام قضائية، أو بدون اللجوء إلى القضاء إذا كانت تمثل تهديداً مباشراً وسريعاً. ووافقت الحكومة برئاسة إبراهيم محلب، على المشروع، المقرر أن يرفع إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي لإقراره، ويصبح نافذاً.
&
المواد
وحصلت "إيلاف" على ملامح مشروع القانون الجديد، الذي يضم 28 مادة، وينص بعضها على منح الشرطة الحق في إغلاق المواقع التي تعتبرها تمثل تهديداً للأمن القومي.
وجاء في المادة التاسعة عشرة: "لجهات التحري والضبط المختصة، إذا ما رصدت مواقع تبث من داخل الجمهورية أو خارجها، بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام، أو أية مواد دعائية، أو غيرها، من شأنها تهديد الأمن القومي، أن تعرض محضرا بذلك على جهات التحقيق وتطلب الإذن بحجب الموقع أو المواقع محل البث، أو حجب بعض روابطها".
وأضافت المادة نفسها: "تقوم جهة التحقيق بعرض طلب الإذن على محكمة الجنايات، منعقدة في غرفة مشورة خلال أربع وعشرين ساعة مشفوعا بمذكرة برأيها، وتصدر محكمة الجنايات قرارها في الطلب في ذات يوم عرضه عليها، إما بالقبول أو الرفض".
&
ويبيح مشروع القانون للشرطة إغلاق المواقع بدون اللجوء للقضاء، ونص على الآتي: "يجوز في حالة الاستعجال لوجود خطر حال وضرر وشيك الوقوع، من شأنه تعريض أمن البلاد للخطر، أن تخطر جهات التحري والضبط المختصة الجهاز القومي، لتنظيم الاتصالات كتابة ليقوم على الفور باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحجب الموقع أو المواقع، أو الروابط، المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة".&
وتابع: "وعلى جهة التحري والضبط الطالبة أن تعرض محضرًا تثبت فيه ما تم من إجراءات، وفق الفقرة السابقة، على جهات التحقيق وذلك خلال ثماني وأربعين ساعة من تاريخ الإخطار الذي وجهته للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وتتبع في هذا المحضر ذات الإجراءات المبينة بالفقرة الثانية من هذه المادة، وتصدر محكمة الجنايات قرارها، في هذه الحالة، إما بتأييد ما تم من إجراءات حجب أو إلغائها".
وينزل مشروع القانون عقوبة السجن المؤبد والغرامة ما لا يقل عن ثلاثة ملايين جنيه مصري، ولا يزيد على عشرين مليوناً، إذا ترتب عن الجريمة وفاة شخص أو أكثر أو الإضرار بالأمن القومي.
وينص مشروع القانون أيضاً على إنزال عقوبة السجن المؤبد أو المشدد، "إذا وقعت أية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بغرض الإخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو تعريض حياة المواطنين وأمنهم للخطر، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الاعتداء على أي من الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور".

مصطلحات مطاطة
ويرى صحافيون ونشطاء حقوقيون أن مشروع القانون يمثل إهداراً للحريات والحقوق، ويمهد للتضييق على المواقع الإلكترونية، لا سيما أنها تعتبر رأس الحربة للإعلام، وقال نقيب الصحافيين الإلكترونيين، صلاح عبد الصبور، لـ"إيلاف" مشروع القانون يستخدم مصطلحات وصفها بـ"المطاطة للغاية"، مشيراً إلى أن هذه المصطلحات "تسمح للنيابة بتوصيف وتكييف الاتهام، كما يروق لها ويمكن استغلاله بشكل سيئ جدًا لتقييد الحريات وتلفيق التهم".
وأضاف أن "المواد فضفاضة للغاية وكارثية"، معتبراً أن "تغليظ العقوبات يؤكد أن القانون تقييدي ويتجه إلى تكميم الأفواه". وحذر عبد الصبور من أن "استخدام المصطلحات القديمة مثل "النظام العام وسلامة المجتمع وأمنه وتعريض حياة المواطنين للخطر" يؤشر الى أن مصر تتجه إلى "نموذج الدولة البوليسية والهيمنة على ما كل ما يتم تداوله وتكييفه لصالح التقييد على الحريات، وإرهاب اصحاب الرأي".
&
حملة مضادة
ودعا عبد الصبور النشطاء إلى ضرورة أن يفطنوا إلى هذا المشروع ضدهم، مشدداً على ضرورة شن حملة مضادة لعدم إقراره، متوقعاً ألا يتم تمرير القانون "بالضبط مثلما حدث مع المدونة الإلكترونية التي قدمتها وزارة الاتصالات المغربية قبل عامين، ولاقت رفضا كبيرا من نشطاء الإنترنت وتم إيقافها". ولفت إلى أن ما وصفها بـ"الألغام الموجودة في هذا القانون، تفوق كثيرا الكوارث التي كانت في المدونة الإلكترونية المغربية". واستطرد: "على النشطاء والإعلاميين رفض هذا القانون ومواجهته، لأنه الطريق لتكميم الأفواه وسيطرة النظام الأمني على تداول المعلومات وحرية التعبير في مصر، والقانون واضح جدا أنه يحمل نوايا سيئة لملاحقة اصحاب الرأي بالقانون المقيد". على حد قوله.
&
التضييق على الحريات العامة
بينما يرى الصحافي عمرو بدر، رئيس تحرير موقع "بوابة يناير" أن مشروع القانون "يمثل حلقة في مسلسل التضييق على الحريات العامة، بما فيها حرية استخدام الإنترنت"، وأضاف لـ"إيلاف" أن هذا النهج تسير عليه السلطة الحالية منذ فترة طويلة. ولفت إلى أن المقصود بهذا القانون هو المواقع الإلكترونية، لا سيما أنها فاقت في متابعتها الصحف الورقية، مشيراً إلى أن السلطة ترى أن المستقبل سوف يكون للصحافة الإلكترونية، ولذلك تحاول وضع قيود مسبقة عليها.&
وشدد على ضرورة أن تتدخل نقابة الصحافيين في مشروع القانون وتشارك في صياغته، لا سيما أن المواقع الإلكترونية تمثل أحد أنواع الصحافة، لا سيما أن النقيب الجديد وأعضاء المجلس أعلنوا أنهم سوف يولون الصحافة الإلكترونية إهتمامهم. وانتقد ما وصفه بـ"صمت نقابة الصحافيين" على مشروع القانون.
&
ظروف استثنائية
على الجانب الآخر، يرى الصحافي عبد النبي عبد الستار، أن مصر تمر بفترة استثنائية. وقال لـ"إيلاف" إن "تلك الظروف الإستثنائية تتطلب من المصريين أن يتقبلوا أية قرارات أو قوانين، وإن بدت أنها ضد الحريات". وأضاف أن "الحريات تأتي في المرتبة الثالثة حالياً، لا سيما أن مصر تخوض حرباً ضد الإرهاب". وتابع: "الحريات تعتبر نوعاً من الرفاهية في هذا الوقت، مقارنة بما نعانيه ونواجهه".
&
أبواق الإرهاب
وقال عبد الستار إن الحكومة لن تقدم على إغلاق أية مواقع معارضة لها، مشيراً إلى أن المقصود بمشروع القانون هو المواقع التي تحولت إلى أبواق للإرهاب وجماعات العنف، وتحرض على القتل وسفك الدماء، وتنتهج التحريض ضد الدولة وضد الشعب المصري. ولفت إلى أن بعض المواقع تنشر أخباراً وكأنها خطط تحريضية تتحول في ما بعد إلى أفعال وأعمال عنف، ويتم تنفيذها بدقة من قبل عناصر إرهابية.
ولفت إلى أن الحكومة لا تترصد للمواقع الإلكترونية المعارضة، مشيراً إلى أن الترصد لا يحتاج إلى قانون جديد، بل يمكن القيام به عبر القوانين الموجودة حالياً.&

العقاب
ويعاقب مشروع القانون بالحبس لمدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه، للجرائم المعروفة بـ"الإختراق والقرصنة"، وسماها المشروع بـ"الدخول على نظم معلوماتية مملوكة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة دون إذن"، كما يعاقب القانون المتلاعبين بالمواقع الإلكترونية الرسمية من العاملين فيها بـ"الحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تتجاوز 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من دخل إلى موقع أو نظام معلوماتي مستخدم حقا مخول له، فتعدى حدود هذا الحق من حيث الزمان أو مستوى الدخول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز ١٥٠ ألف جنيه، إذا وقعت الجريمة على موقع أو نظام معلوماتي يدار بمعرفة الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العام".
كما يعاقب القانون على جرائم إختراق البريد الإلكتروني، وينزل بالمتهم عقوبة "الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا كان البريد أو الموقع خاصا بأحد الناس، أما إذا كان خاصاً بأحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة، تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا كان البريد الإلكتروني يخص الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة تكون العقوبة السجن وغرامة لا تجاوز 50 ألف جنيه".
ويعاقب مشروع القانون الأشخاص الذين يصطنعون مواقع أو بريداً بأسماء أشخاص مشهورين أو غير مشهورين، ونص المشروع على الآتي: "كل من اصطنع بريدًا إلكترونيا أو موقعا، ونسبه زورًا إلى شخص طبيعي أو اعتباري يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه. وإذا استخدم الجاني البريد أو الموقع المصطنع في أمر يسيء إلى من اصطنع عليه، تكون العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، وإذا وقعت الجريمة على أحد الأشخاص الاعتبارية العامة تكون العقوبة السجن".
ويعاقب المشروع بالحبس مدة لا تقل عن سنتين "كل من أنشأ، أو ساهم في إنشاء، موقع على شبكة معلوماتية يهدف إلى الترويج لارتكاب أية جريمة من المنصوص عليها في قانون العقوبات، أو أي من القوانين الخاصة". كما يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل مسؤول عن إدارة أحد المواقع تسبب بإهمال في تعرض الموقع لإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، كان ذلك ناشئا عن عدم تحوطه، وعدم اتخاذه التدابير والاحتياطات التأمينية اللازمة المعمول بها في مجال تقنية المعلومات".
&
&