تبدو الضرائب ملفًا يحاول فرقاء السياسة في بريطانيا اللجوء إليه قبل الانتخابات المرتقبة نظرًا إلى أهميته وحساسيته في آن، إذ إن أصواتًا بدأت تعبّر عن تذمرها صراحة من ارتفاع قيمة الضرائب المفروضة مع مداخيل متوسطة، حتى إنه جرى تصوير غير البريطانيين الذين يملكون منازل في لندن على أنهم عدوانيون يتجنبون دفع الضرائب.


إيلاف - متابعة: تعهّد حزب العمّال برفع الضرائب في بريطانيا، ويصعب على المرء عادة فهم سبب استساغة فرض ضرائب أكثر صرامة على الأشخاص والأعمال التجارية، لكن الغالبية الساحقة من السكان لا تجني مداخيل مرتفعة أو تملك أصولاً قيّمة. فبعد تنامي الهوة بين الأغنياء والفقراء باتت السلطة تتركز بين أيدي الشخصيات النافذة والثرية والشركات التي يديرونها.

ركزت وسائل الإعلام البريطانية على هذه المسائل لبضع سنواتٍ خلت. ونظرًا إلى أن السياسيين، من الجهات كافة، يسعون إلى اكتساب الأصوات، فقد بدأوا يستخدمون نظام الضرائب ككرة قدمٍ سياسية.

حملات للاستقطاب
لقد جرى تصوير المستثمرين الأجانب، والأشخاص غير البريطانيين الذين يملكون شققهم ومنازلهم الخاصة في لندن، وكذلك مديري الأموال، والمحافظ الوقائية، وأصحاب المصارف، في وسائل الإعلام على أنهم مكلفون أثرياء وعدوانيون وأنانيون يقومون بما في وسعهم لتجنب دفع الضرائب التي تسدّدها بقية السكان من دون نقاش. ومما لا شك فيه أن الواقع ليس على هذه الحال، لكن الأحزاب السياسية برمتها، في معرض سعيها إلى استقطاب الناخبين، ترى أنه من الأفضل حشد العامّة، وليس القلة الثرية.

يقول ديفيد فريمان، وهو محام مقيم في لندن، في مقال له نشرته صحيفة الحياة، إن "بعض الأشخاص والشركات لا يصرحون بالطبع عن أموالهم، ويخرقون القانون للتهرّب من الضرائب، بيد أن الغالبية الساحقة من السكان المتحدرين من خارج المملكة المتحدة، الذين يستثمرون في البلاد، يساهمون في الاقتصاد، إذ إن جزءًا من كل الفواتير التي يسددونها تقريبًا يذهب إلى الحكومة من خلال ضريبة القيمة المضافة".

يضيف: "هؤلاء يوظفون أشخاصًا ويولدون نشاطًا اقتصاديًا، ويجعلون من لندن مدينة عالمية كما هي عليه اليوم. وتشكّل العاصمة البريطانية مركز النشاط الاقتصادي في المملكة المتحدة، وبالتالي فإن أي خطرٍ يتهدّد هذا المركز هو تهديد لازدهار الاقتصاد البريطاني بحد ذاته".

الضريبة خيارًا؟
تمثّل الهجوم الأخير على المملكة المتحدة كوجهةٍ لرأس المال العالمي وللأشخاص الذين يملكونه ويسيطرون عليه، بحسب فريمان، في إعلان زعيم حزب العمال البريطاني إد ميليباند، الرامي إلى إلغاء مبدأ فرض الضريبة وفق الموطن، من القانون الضريبي البريطاني. يذكر أن ثمة 115 ألف شخص في المملكة المتحدة لا يعتبرون البلاد موطنهم.

وينطبق هذا الواقع على الأشخاص الذين يتحدرون، هم أو آباؤهم، من خارج البلاد، والذين ينوون العودة إلى ديارهم في يومٍ من الأيام. وتُفرض الضرائب فقط على الإيرادات والأرباح التي يجنيها هؤلاء في بريطانيا خلال السنوات السبع الأولى من إقامتهم فيها، ولا يجب عليهم دفع ضرائب بريطانية على الإيرادات والأرباح التي يحصلون عليها من الخارج.

ويتابع فريمان "كما يستفيد هؤلاء من مزايا ضريبة الميراث إلى حين بلوغ مدة إقامتهم في البلاد 17 سنة من أصل 20 سنة. وتُعتبر القوانين معقدة، أو بالأحرى معقدة جدًا، بحيث يصعب على السياسيين شرحها ومناقشتها ضمن إطار حملة انتخابية".

مصالح ضيقة
ونظرًا إلى أن الأشخاص الذين يستفيدون من قانون فرض الضريبة وفق الموطن يُعتبرون متهرّبين من الضرائب (وهذا أمر لم يعد مقبولًا على الصعيد الاجتماعي، وإن كان الجميع يقوم به بطريقةٍ أو بأخرى)، بات من السهل أكثر بالنسبة إلى حزب العمال القول إنه سيلغي القانون عوضًا عن معالجته على نحوٍ أدق.

وبالتالي ينصح المستثمرون أو أي شخص ينوي إبرام صفقة في المملكة المتحدة بتأجيل أي استثمارات وتجميد الصفقات إذا ما كانت ستتأثّر بالإعلان. يشير فريمان إلى أن حزب العمال لا يستهدف وحده الأجانب الأثرياء من خلال انتقاد الضرائب. فقد أعلن «حزب المحافظين» عن زيادات ضخمة في الضرائب المفروضة على المنازل والشقق ذات الأسعار الباهظة المملوكة من الشركات. وقد لا يكون بمقدور أصحاب الأملاك الاقتراع، وبالتالي تصبح أهميتهم السياسية أصغر، إلا أن قدرتهم على الدفع تبقى كبيرة.

يبدو أن الانتخابات البريطانية تحض السياسيين على وضع رغباتهم في الانتخابات قبل أي اعتبارٍ آخر. أما إقرار وزير المال المحتمل إد بولز على الراديو بأنه "غير متأكد على الإطلاق" مما ستكون عليه الزيادة الضريبية الناتجة من إلغاء قانون فرض الضرائب وفق الموطن، وكذلك قوله في كانون الثاني (يناير) إن ذلك "قد يكلف بريطانيا ثمنًا غاليًا"، فيُظهر أن السياسة غدت أكثر أهمية من المصلحة الوطنية.
&