مع تزايد الأخطار على الأمن القومي العربي، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نداءً لإنشاء قوة عربية مشتركة، تكون مهمتها حماية مقدرات الشعوب العربية، مع التأكيد على إلتزام مصر بحماية أمن دول الخليج العربي، الذي وصفه السيسي في أكثر من موضع بأنه "خط أحمر"، و"جزء من الأمن القومي المصري"، وأطلق مقولته الشهيرة "مسافة السكة"، في إشارة إلى جاهزية الجيش للتصدي إلى أية هجمات محتملة ضد الخليج.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: ترجم القادة العرب في قمتهم، التي عقدت في مدينة شرم الشيخ، في 28 مارس/ آذار الماضي، النداء إلى قرارات، لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، تكون حماية الأمن القومي العربي من مهمتها الأساسية، لاسيما أن المنطقة العربية تواحه "تهديدًا وجوديًا" على حد قول السيسي.

وفي القاهرة، عقد رؤساء أركان 18 دولة عربية، إجتماعًا يوم 23 أبريل/ نيسان الجاري، إجتماعهم الأول، لبحث آليات إنشاء وعمل القوة العربية المشتركة. لكن، إلى من ستوجّه أسلحة القوة العربية المشتركة؟، وهل ستكون بمثابة حلف عسكري، على غرار حلف الناتو؟، هل ستتولى القيام بأية مهام قتالية خارج حدود الدول العربية؟.

أكثر من عدو
يرى خبراء عسكريون أن القوة العربية المشتركة ستكون لها مهمة محددة في حماية الأمن القومي العربي من الأخطار والتهديدات الخارجية، لاسيما التهديدات الإيرانية، والإسرائيلية، بل والتركية، إلى جانب تهديدات الجماعات الإرهابية.

تمثل القوة العربية المشتركة محاولة من الدول العربية للحفاظ على أمنها القومي من الإنهيار، وصدّ الأطماع في المنطقة، لاسيما بعد ثبوت التدخل الإيراني في بعض الدول. وقال الخبير العسكري، اللواء فريد حجاج، إن القوة العربية المشتركة، تأتي بغرض تحقيق التوازن في المنطقة، لاسيما أنه صار يميل في غير مصلحة الدول العربية. ووصفها بأنها "القوة الرابعة"، في مواجهة كل من القوى "الفارسية" و"العثمانية" و"الإسرائيلية".

أضاف لـ"إيلاف" أن القوة العربية المشتركة لن توجّه أسلحتها إلى أية دولة أو جهة لا تضرّ بالأمن القومي العربي، لأن الدول العربية ليست من دول الغزو أو التوسع. ونبه إلى أن القوة العربية ستكون لها مهام أخرى في التصدي للجماعات الإرهابية، التي تمثل ذراعًا عسكرية لدول خارجية تسعى إلى التدمير والتخريب.

آلية عمل وتمويل
ولفت إلى أن رؤساء أركان الجيوش العربية سوف يضعون آلياء عمل القوة وطرق تشكيلها والتمويل اللازم، ومشاركة كل دول، والمهام التي سيكون لها القيام بها، مستبعدًا أن تكون لها أية مهام خارج الأراضي العربية، وتحت مظلة خارجية.

ووفقًا للخبير العسكري، اللواء حسين عبد الرازق، فإن إنشاء قوة عربية مشتركة، خطوة مثمرة وبناءة؛ لمواجهة المخططات الخارجية، ولاسيما الإيرانية فى المنطقة العربية. وأضاف لـ"إيلاف" أن التدخل العسكري في اليمن، يعتبر بمثابة أول بروفة لإمكانية إنشاء القوة وتفعيلها، مشيرًا إلى أن التدخل العسكري بقيادة السعودية أنقذ اليمن والمنطقة العربية من الإنهيار التام.

ونبه إلى أن المهمة الأساسية للقوة العربية ستكون حماية الدول العربية من التدخلات الخارجية، وبناء على طلب من السلطة الشرعية، إلا في الحالات الاستثنائية، مثل تفاقم الأوضاع الأمنية، مستبعدًا التدخل في أزمات سوريا أو فلسطين، وقال إن الحل في هاتين الأزمتين سيكون بالطرق السلمية.

مساعدة داخلية
التدخل العسكري في أية دول عربية سيكون مرتبطًا بمعايير عدة، منها: طلب السلطة الشرعية، وتقديرات المجلس الإستشاري العسكري للقوة، الذي سيتم إنشاؤه. وقال الخبير العسكري، اللواء نبيل فؤاد، لـ"إيلاف" إن هذه القوة العربية المشتركة، ستكون موجّهة لحماية الدول العربية والمساعدة على حل المشكلات الداخلية، بدلًا من اللجوء إلى مجلس الأمن، والسماح بالتدخل الأجنبي.

ولفت إلى أن القوة ستكون لها آليات للعمل، وسيكون لديها جهاز استطلاع استخباراتي، وجهاز سياسي لتحليل المعلومات الإستخباراتية، لعرض الأمور على قادة الدول العربية أولًا بأول، على أن يكون قرار التدخل عسكريًا، مرتبطًا بالقانون الدولي، وبوجود مجلس أمن عربي، حتى يتم اتخاذ القرارات، بإجماع الدول العربية.

وحسب وجهة نظر فؤاد، فإن قرار تشكيل قوة عربية مشتركة، كان صادمًا لدول الغرب وإيران، لاسيما أن الخطر الأكبر على الدول العربية هو من طهران، التي تسعى إلى الهيمنة على المنطقة، لافتًا إلى أن القوة العربية سوف تضع حدًا لتلك الهيمنة، وتعيد التوازن الطبيعي في المنطقة.

معضلة الإرهابيين
ووفقًا لما جاء في كلمة رئيس أركان الجيش المصري، الفريق محمود حجازي، في الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر رؤساء أركان الجيوش العربية، فإن "التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي الجماعي باتت متشابكة، وتمتد عبر الحدود من دون عائق"، مشيرًا إلى أن "ما يدور في أي بلد عربي من اقتتال داخلي أو اختلاف على السلطة الشرعية أو استفحال للتنظيمات الإرهابية بممارساتها اللاإنسانية لا يمكن غضّ الطرف عنه تحت وطأة الاعتقاد الخاطئ بأن تأثير هذه الآفات على اختلاف صنوفها ومسبباتها لن يطال بقية الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر".

وأضاف حجازي: "لا يوجد شك في أن مسؤولية حماية الأمن القومي لكل دولة عربية تقع على عاتق قواتها المسلحة داخل حدودها، وهو واجب مقدس عاهدنا الله ألا ندخر جهدًا في سبيل أدائه على الوجه الأكمل دفاعًا عن تراب ومقدرات دولنا العربية"، وشدد على أن "الوقت حان من خلال قرار القمة العربية الأخير بإنشاء القوة العربية المشتركة لتحقيق هذا الهدف القومي وتحقيق تطلعات الشعوب العربية بالحفاظ على أمنها واستقرارها".

وتابع: "ثبت يقينًا وبما لا يدع مجالاً للشك أن المواجهة الأحادية من جانب القوة المسلحة الوطنية داخل حدود البلد الواحد غير كافية في حالات عدة، الأمر الذي يعظم من الحاجة إلى إيجاد آليه جماعية من خلال تشكيل قوة عربية مشتركة، تكون جاهزة للتدخل السريع، إذا ما اقتضت الضرورة لذلك، وبناء على طلب من الدول المعنية، وبما لا يمثل أي انتقاص من سيادتها واستقلالها اتساقًا مع أحكام ميثاقي الأمم المتحدة والجامعة العربية وفي إطار من الاحترام الكامل لقواعد القانون الدولي". ووصف حجازي القوة العربية المشتركة بأنها ستكون "درعًا وسيفًا لحماية الأمن القومي العربي من المحيط إلى الخليج".

&