ثمّن رئيس بعثة المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة الدور القيادي للأردن في موضوع مكافحة التطرّف عبر التعليم وبالاستعانة بالشباب وتقوية مجلس الأمن.


نصر المجالي: وجّه السفير البريطاني مارك ليال غرانت في كلمة له في الحوار المفتوح في مجلس الأمن حول السلام والأمن الدوليين، الشكر للأمير الحسين بن عبدالله ولي عهد الأردن للدعوة إلى عقد جلسة النقاش المهمة هذه.

وقال إن مكافحة التطرف العنيف واحدة من أكثر التحديات الدولية الملحّة التي نواجهها. إنها تعتبر أولوية بالنسبة إلى رئيس وزرائنا ولوزير خارجيتنا، ونحن نثمّن عاليًا القيادة التي أبداها الأردن حول هذا الموضوع.

وكان الأمير الأردني الحسين بن عبدالله ترأس، الخميس، جلسة خاصة لمجلس الأمن بعنوان "صون السلام والأمن الدوليين: دور الشباب في مكافحة التطرف العنيف وتعزيز السلام"، وألقى كلمة، أكد فيها أن "العالم اليوم يواجه أحد أكبر التحديات، والتحدي الأعظم أمام الأمن والسلام الدوليين هو الإرهاب والتطرف، والشباب هم أولى الضحايا".

وقال السفير غرانت إن الشباب في أنحاء العالم واجه خلال الإثني عشر شهرًا الماضية أحداثًا مروعة. حيث إن مئات الطلاب تعرّضوا للقتل بوحشية في كينيا وباكستان. وتم اختطاف واستعباد عشرات الأطفال على يد بوكو حرام. كما تعرّض الشباب لتأثير واستغلال داعش والقاعدة، بما في ذلك بعض الشباب من بريطانيا، الذين يميلون إلى الالتحاق بمسيرة داعش الإجرامية القاتلة في سوريا.

وأضاف: وما يُلام على هذه الأعمال الوحشية - والكثير غيرها - هو النمو الكبير بالتطرف العنيف في جيلنا هذا. ويمكننا جميعًا أن نلعب دورًا في هزيمته. لكن علينا تحديدًا استغلال الشباب لمساعدتنا على كفاحنا هذا لأجل التوصل إلى حل طويل الأجل. إنهم ضحايا التطرف، لكنهم أيضًا الحل، وفق ما قاله صاحب السمو الملكي الأمير الحسين.

3 مجالات
وتابع المندوب البريطاني قائلًا: وسوف أشير إلى ثلاثة مجالات أعتقد أنه يمكننا معًا من خلالها إحداث تغيير.

أولًا، علينا أن نواجه بكل حزم ما يقوله المتطرفون. ومن الواجب على كل القيادات السياسية، والقيادات الدينية تحديدًا، القول بوضوح "ليس باسم ديني"، لكن كما قال آخرون، الخروج بأقوال مضادة لا يكفي، بل علينا تشجيع بديل إيجابي متمثل في الحديث عن التسامح والشمولية.

وأكد أن علينا مساندة الشباب الشجعان الذين ينادون ضد التطرف ويروّجون لهذه الرسائل البديلة. وجميعنا نذكر الشجاعة والقيادة التي أبدتها الشابة الباكستانية ملالا يوسف زاي الفائزة بجائزة نوبل، وكلمتها أمام الجمعية العامة، التي دعت فيها إلى التعليم للجميع، حتى لمن سعوا إلى قتلها، فيها رسالة قوية ضد التطرف. وحكايتها تمنح الأمل والإلهام للشباب في كل مكان.

وقال رئيس بعثة المملكة المتحدة إن مساندة الشباب، الذين ينادون ضد التطرف، هي أكثر من مجرد منحهم منصات للحديث. بل يتعين مساندة الدول لتوفير التعليم للجميع كي يتمكن آخرون من أتباع خطى ملالا يوسف زاي.

وتابع غرانت: تفتخر المملكة المتحدة بمساندتها ما يفوق 4.5 ملايين طفل في المرحلة الابتدائية، معظمهم في آسيا وأفريقيا. وكما قالت ملالا، المتطرفون يعتدون على المدارس "لأنهم يخشون ما يجلبه التعليم من تغيير ومساواة للمجتمع".

التعليم والإرهاب
ونوه السفير البريطاني بأنه من خلال التعليم يمكننا جزئيًا المساعدة على كشف أكاذيب القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرهم. حيث ذلك يساعدنا على فهم كيف أنهم يستغلون الدين بما يتوافق مع أهدافهم الخاصة العنيفة. ومن خلال التعليم يمكننا منح الفرصة للشباب الضعفاء، الذين ما زالوا يبحثون عن مكانتهم وهويتهم في العالم.

لكن السفير غرانت نبه إلى أن التعليم وحده لا يكفي. فكما سمعنا، الرابط بين التحصيل التعليمي والتطرف ليس بسيطًا. ففي المملكة المتحدة هناك الكثير جدًا من البارعين أكاديميًا جنحوا أيضًا نحو التطرف.

وقال: وبالتالي علينا ثانيًا أن ندرس العوامل التي تدفع الشباب إلى التطرف في مجتمعاتنا. علينا حماية الشباب في مدارسنا وجامعاتنا وسجوننا من تأثير التطرف. وقد دربت المملكة المتحدة ما يفوق 130.000 من العاملين في القطاع الحكومي لتحقيق ذلك الهدف. ولدينا فريق من المنسقين يساعدون الجامعات على إدارة خطر التطرف. ولدى مدارسنا ضمانات واضحة لمنع الترويج للأفكار المتطرفة التي لا تتماشى مع قيمنا. وسجوننا تحمي السجناء الشباب الضعفاء أثناء وبعد قضاء فترة حبسهم لمنع تطرفهم.

الكراهية
ولفت السفير في كلمته إلى أن ذلك لا يعني كبت حرية التعبير عن الرأي. حيث إن مكافحة الأفكار المتطرفة تكون ممكنة فقط حين تكون لدى الناس حرية مواجهتها. لكن علينا إدراك أن التحريض على الكراهية وتوليد العنف لا ينحصر بالتطرف العنيف وحده، بل حتى التطرف غير العنيف - سواء كان تطرفًا إسلاميًا أو النازيين الجدد - يمكنه ذلك.

وأشار إلى أن للإنترنت بالطبع دورًا كبيرًا في ذلك. فقد استغل تنظيم داعش وغيره وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائل إعلامية بغيضة. وقد اضطرت المملكة المتحدة منذ عام 2010 لإزالة 75.000 مادة إعلامية تشجع أو تمجّد التطرف العنيف.

المجتمع المدني
وقال السفير البريطاني: إلا أن باستطاعة المجتمع المدني وقطاع شركات الإنترنت أن يلعبوا دورهم أيضًا. فعليهم عدم التسامح إطلاقًا تجاه إساءة استغلال المتطرفين لمؤسساتهم ومواقعهم. يمكن أن تكون الإنترنت وسيلة قوية للتصدي للتطرف، وعلينا ألا نسمح للمتطرفين استغلالها دون مواجهتهم. كما إنه من الواجب علينا ضمان أن يكون الشباب في مقدمة وجوهر نهجنا، سواء كنا حكومة أو مجتمعًا مدنيًا أو شركات إنترنت، ليكون ذلك بديلًا من دعاة الكراهية من المتطرفين، ويكون ذا مصداقية ويبعث على الأمل.

تمويل داعش
أما المجال الثالث فيكمن في مجلسنا هذا، فقد تبنينا في الأشهر الستة الماضية قرارات تستهدف تمويل داعش، وقرارات تلزم الدول لمنع سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب. ومن خلال رئاسة الأردن عقدنا لقاءات مهمة للقيادات الدينية ووزراء الخارجية والخبراء لبحث الخطوات العملية لمعالجة هذا التحدي.

وقال السفير البريطاني إن علينا المزيد من العمل، وكما قال البروفيسور نيومان، مازال أمامنا الكثير لنتعلمه حول مسببات التطرف. والدول الهشة والمبتلاة بالصراع يمكن أن تهيئ الظروف لنمو التطرف العنيف. كما إن تضارب الهوية والتهميش الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يكون لهم دور في ذلك. وبالتالي يمكن أن يلعب بناء السلام الفعال عبر الأمم المتحدة دورًا مهمًا. ويمكننا من خلال الترويج لمؤسسات سياسية واقتصادية ممثلة للجميع وتشجيع العمليات الديمقراطية المساعدة على توفير بديل للشباب عوضًا من جنوحهم إلى التطرف.

وخلص رئيس بعثة المملكة المتحدة في الأمم المتحدة إلى القول: وحين نفعل ذلك تكون لدينا فرصة جعل مجلس الأمن هذا مناسبًا لتلبية أغراض جيل جديد. فكلما فشل المجلس في اتخاذ إجراء بشأن قضية مثيرة للقلق على الصعيد العالمي، فإننا نقوّض ثقة الشباب بعملنا وجهودنا. وكلما سمحنا لمصالح وطنية ضيقة التحكم بأولويات دولية، فإننا نضعف الثقة بالمجلس وبحكوماتنا. ليس بوسعنا أن نخاطر بحدوث ذلك في وقت يواجه جيلنا فيه تحدي التطرف.

&