وجدت تركيا نفسها في مواجهة العالم على خلفية الاحتفالات بذكرى (إبادة الأرمن) العام 1915 في عهد الإمبراطورية العثمانية، وردّت بعنف على إدانات صدرت من العديد من زعماء العالم متعلقة بالحدث التاريخي المأسوي.


نصر المجالي: أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا مطولًا، الجمعة، ردت فيه بانتقادات علنية على&تصريحات صدرت من عدد من زعماء العالم عبرت فيه عن وجهة نظرها في شأن أحداث العام 1915.

وقال بيان الوزارة: "لاحظنا بكل أسف أن البيان الصادر من الرئيس الأميركي (باراك أوباما) يوم 23 نيسان/أبريل - أول أمس الخميس - بشأن أحداث العام 1915، كان بعيدًا كل البعد عن تقويم الجزء المؤلم من التاريخ المشترك للأتراك والأرمن، على أساس الذاكرة العادلة".

وأوضحت الخارجية التركية: أن "البيان كان في معزل عن حقيقة مفادها أن ما حدث في الحرب العالمية الأولى، يحمل حساسية كبيرة بالنسبة إلى الشعب التركي، بقدر حساسيته نفسها بالنسبة إلى الأرمن، كما إنه عكس وجهة نظر أُحادية الجانب. ونحن بهذه المناسبة نعلن رفضنا لمفهوم العدالة الانتقائية والمنحازة".

رسالتا إردوغان وأوغلو
ولفت البيان إلى أن رسالتي التعزية اللتين وجّههما كل من الرئيس التركي "رجب طيب إردوغان"في 23 إبريل (نيسان) 2014 حينما كان رئيسًا للوزراء، ورئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" - في 20 يناير (كانون الثاني) 2015- بشأن تلك الأحداث، نصوص تاريخية ذات قيمة تعكس وجهة النظر التركية في هذا الموضوع".

وتابع البيان "لقد كانت الرسالتان بمثابة دعوة مخلصة تقترح إحياء ذكرى كل ضحايانا في تلك الأحداث بكل احترام، وليس ضحايا الأرمن وحدهم، وإعادة تأسيس مستقبل مشترك يجمع بين الجانبين"، مضيفًا "وتركيا تأمل في أن تجد ردًا إيجابيًا على يد الصداقة التي مدتها، وعلى مقاربتها التي تدعو من خلالها كل الأطراف إلى التحلي بالمنطق السليم عند تناول هذا الموضوع التاريخي".

وأضافت الخارجية التركية، حسب بيانها، الذي نقلته وكالة أنباء (الأناضول): "كل دولة ستساهم بشكل عادل في تدشين الطريق المؤدي إلى سلام تركي - أرمني، سيذكرهم التاريخ على أنهم شركاء (مشروع الصداقة). لذلك فإن هناك أهمية بالغة ملقاة على عاتق الدول الصديقة والحليفة، التي من الممكن أن تلعب دورًا في هذا الشأن".

كارثة كبرى
وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وصف أحداث العام 1915، التي يقول الأرمن إنهم تعرّضوا خلالها لعملية "إبادة" على يد العثمانيين، بـ "الكارثة الكبرى"، حسب بيان للبيت الأبيض، أول أمس الخميس.

وقال أوباما في البيان: "هذا العام نسجل الذكرى المئوية للكارثة الكبرى، وهي أول كارثة جماعية في القرن العشرين، فمع بدء عام 1915، تم طرد وذبح وترحيل الأرمن في الإمبراطورية العثمانية سيرًا على الأقدام نحو موتهم". وتابع: "ثقافة الأرمن وتراثهم في وطنهم القديم قد تم محوها وسط عنف مروع جلب عليهم الشقاء من جميع الاتجاهات ومحا مليون ونصف مليون أرمني".

واعتبر الرئيس الأميركي في بيانه أن "الذكرى المئوية لأحداث 1915 هي دعوة إلى التفكير في أهمية الذكرى التاريخية، والعمل الصعب والمطلوب لتصفية الحساب مع الماضي".&

رد على هولاند
في سياق متصل، قالت الخارجية التركية في رد منها على الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال مشاركته في مراسم إحياء أرمينيا للذكرى المئوية لأحداث العام 1915- "تركيا ترفض الموقف الفرنسي الظالم والمنحاز من أحداث 1915، وتدينه بشدة".

وأوضح البيان الصادر عنها في هذا الشأن أن "الرئيس الفرنسي شارك، أمس الجمعة، في الفعاليات التي كانت بمثابة احتفالية عمقت& الافتراءات، التي تنال من هوية تركيا وتاريخها ومجتمعها، أكثر من كونها إحياءً لذكرى ضحايا سقطوا في الماضي، كما يزعمون، كما إنه كرر دعمه للمزاعم الأرمينية حول تلك الأحداث.

وقال البيان إن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس هو الآخر شارك في اليوم نفسه في فعالية بفرنسا "قامت بهدف استخلاص خصومة بين الطرفين - تركيا وأرمينيا - من التاريخ، وليس السلام والصداقة، واستخدم عبارات شوّهت الحقائق التاريخية وحرفت القانون".

وتابعت الخارجية التركية: "كان من المنتظر أن يوضح الرئيس الفرنسي خلال كلمته في تلك الفعاليات أن كل المواطنين العثمانيين، أيًا كان عرقهم أو مذهبهم، قد عانوا ويلات وآلامًا شديدة وقت انهيار الإمبراطورية العثمانية. ولا شك أنه لو فعل ذلك، فإنه سيكون قد تبنى مقاربة لا تفرّق بين آلام المنتسبين إلى أديان مختلفة في تلك الفترة، مقاربة كان سيستقبلها 600 ألف تركي يعيشون في فرنسا على أنها شيء إيجابي يحتضن الجميع من دون إقصاء لأحد". وأفاد البيان أن فرنسا تواصل تبني مقارباتها العنصرية التمييزية، مضيفًا "لكن تركيا ترفض مثل هذه المواقف وتدينها بشدة".&

الرئيس الألماني
كما قالت الخارجية التركية - في تعليق لها على تصريحات أدلى بها الرئيس الألماني يواخيم غاوك بشأن مزاعم الأرمن حول أحداث العام 1915: "الشعب التركي لن ينسى تصريحات الرئيس الألماني، ولن يسامحه&على ما قال".

وكان الرئيس الألماني قال: "قدر الأرمن يشكل نموذجًا لتاريخ مأسوي لعمليات تطهير عرقي وإبادات عرقية وتهجير وقتل جماعي كانت لها بصمتها المفزعة في القرن العشرين"، مشيرًا إلى أن "الأرمن تم اقتيادهم بالقوة من دون تفرقة بين نساء ورجال، وبين أطفال وشيوخ، وأرسلوا إلى طريق الموت، وتُركوا في السهوب في الصحراء من دون طعام ومن دون مأوى، أُحرقوا أحياء، وتم تعقبهم حتى ماتوا، قُتلوا وضُربوا".&

جاء ذلك خلال مشاركته في "حفل تأبين الإبادة العرقية التي تمت بحق الأرمن والسريان"، والذي نظمته بشكل مشترك الكنائس الألمانية في كاتدرائية "برلينر دوم" في العاصمة برلين.&

وأوضح بيان الخارجية التركية، للرد على تلك التصريحات أن "الرئيس الألماني شارك في احتفال سيقت فيه أدلة على اتهامات لا سند لها بحق الهوية التركية وتاريخها ومجتمعها"، مشيرًا إلى أن "الرئيس الألماني لا يملك حق إلصاق جريمة بالشعب التركي لم يرتكبها، بشكل يتنافى مع القانون والحقائق التاريخية". ولفت البيان إلى أن "تاريخ تركيا وهويتها جزء لا يتجزأ من المجتمع التركي - الألماني، وأن أفراد هذا المجتمع لن يقفوا صامتين حيال محاولات تشويه هذه الهوية".

وتابع البيان: "نأمل من المجلس الفدرالي الألماني، الذي من المنتظر أن يناقش خلال الأيام المقبلة مشروع قرار معروض عليه بشأن أحداث العام 1915، أن يتبنى موقفًا محايدًا وبناء، وألا يتبنى مقاربة تكون لها انعكاسات سلبية طويلة المدى على العلاقات التركية - الألمانية".

فلاديمير بوتين
كما أدانت وزارة الخارجية التركية، تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بخصوص الأحداث عينها - حيث استخدم خلالها كلمة "إبادة عرقية" في إشارة إلى تلك الأحداث - مشيرة إلى أن "هذه التصريحات في حكم العدم بالنسبة إلى تركيا".

وذكرت في بيانها "نحن نرفض بشدة وصف الرئيس الروسي لتلك الأحداث بكلمة (الإبادة العرقية)، وذلك على الرغم من تحذيراتنا ومناشداتنا المستمرة في هذا الشأن، نرفضها وندينها أيضًا. ومثل هذه التصريحات التي تعد انتهاكًا للقانون، في حكم العدم بالنسبة إلينا".

وتابع البيان: "وإذا ما وضعنا نصب أعيننا ما قامت به روسيا من ممارسات ضد الشعوب التركية والإسلامية، من خلال أساليب عقابية جماعية، تمثلت في المجازر والترحيلات والمجاعات، التي نفذتها على مدار 100 عام في القوقاز ووسط آسيا وأوروبا الشرقية، فإنه يتعيّن حينئذ عليها أن تعرف ما معنى (إبادة عرقية)، وبعدها القانوني".

مجلس الدوما
ونوه بيان الخارجية التركية بأن مجلس الدوما، وهو الغرفة السفلى من البرلمان الروسي، وعلى مدار 10 سنوات كاملة، لم يقم بإصدار أي بيانات تدعم المزاعم الأرمينية، معربًا عن إدانة تركيا الشديدة للبيان، الذي أصدره في وقت سابق اليوم؛ لدعم المزاعم المذكورة.

وشدد البيان على ضرورة إعطاء الجانب الروسي أهمية لصداقته مع تركيا، ومراعاة حساسيتها بشأن هذه الأحداث، مضيفًا: "وإصرار روسيا على الخطأ لن يكون في مصلحة الاستقرار والسلام في منطقتنا".

وكان الرئيس الروسي أرسل رسالة الخميس الماضي، إلى فعالية أقامها اللوبي الأرمني في موسكو، حيث استخدم بوتين كلمة "الإبادة الجماعية"، لتوصيف أحداث عام 1915.

كما أصدر البرلمان ومجلس الدوما الروسي، الجمعة، بيانًا مشتركًا يدعم المزاعم الأرمنية حول الأحداث نفسها، وجاء في البيان: "بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، نتقاسم أحزان الشعب الأرمني الشقيق، والشعوب الاخرى التي تأثرت من الأحداث المأسوية إبان الحرب العالمية الأولى، وإن المشاكل التاريخية المعقدة، ينبغي حلها بالطرق السلمية والجهود الدبلوماسية من أجل سلام وأمن دائمين في العالم".


&