ثلاثة أحداث عنصرية متتابعة في السعودية نفخت الرماد عن المسكوت عنه كثيرًا، تنوع أبطالها بين أمير وعسكري وآخر مسؤول في السلك التعليمي، إلا أن التحرك العاجل من المعنيين من قمة الهرم في المملكة إلى وزارة التعليم يوحي بأن الأيام المقبلة قد تشهد تصعيدًا نحو إقرار تشريعات قانونية تجرّم هذه الممارسات، رغم أن النظام الأساسي للحكم في المملكة فيه ما يمكن الاستناد إليه لتجريم هذه الممارسات.


زايد السريع: نفذت السعودية إجراءات رادعة وسريعة لممارسات عنصرية اقترفها سعوديون في أكثر من موقف خلال أسبوع، كان آخرها حين أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، قراراً بمنع أمير سعودي من المشاركة في الأنشطة الرياضية، وحجبه عن الظهور الإعلامي على خلفية تصريحات له وصفت بالعنصرية ضد ناقد رياضي.

مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي تناولوا طيلة الأسبوع الماضي ثلاثة مواقف اعتبروها ممارسات عنصرية ممزوجة بالطائفية، كانت الأولى لجندي نشر تغريدة عبّر فيها عن استعداده لقتل مواطنين من المذهب الشيعي، والثانية كانت لمعلمة في مكة، تم نقلها إلى منطقة أخرى لأسباب وُصفت بأنها طائفية. أما الثالثة فكانت تصريحات شخصية رياضية تنقص خلالها من أصول ناقد رياضي.

فور حدوث تلك المواقف، عبّر كثير من المغرّدين عن استيائهم واستنكارهم، معتبرين أنها دخيلة على المجتمع، ودشّنوا هاشتاغ #لا_للعنصرية_وشق_الصف، الذي شهد تفاعلًا كبيرًا، وشارك فيه وزير التعليم شخصيًا، فيما طالب المغرّدون أصحاب القرار بتحويل هذا الشعار إلى خطة عمل تنفذها الأجهزة الرسمية والمؤسسات الأهلية.

"تويتر" لم يكن وحده الصوت الرادع لتلك المواقف، إذ صاحبت ذلك إجراءات رسمية سريعة، حيث ذكرت وسائل إعلام سعودية أن العاهل السعودي أصدر قرارًا يقضي بمنع الأمير ممدوح بن عبدالرحمن من المشاركة في الأنشطة الرياضية، وحجبه عن الإعلام، وذلك على خلفية تصريحاته، التي وصفت بالعنصرية، ضد الناقد الرياضي عدنان جستنية، وقالت صحيفة "سبق" الالكترونية إن الأمر دخل حيز التنفيذ.

إلى ذلك، أصدر وزير الدفاع& السعودي الأمير محمد بن سلمان، قرارًا يقضي بالتحقيق مع الجندي الذي نشر التغريدة، التي قال فيها إنه مستعد لقتل مواطني مدينة القطيف المنتمين إلى المذهب الشيعي، كما وجّه الأمير محمد بن سلمان السلطات المعنية بمحاكمة الجندي في حال ثبوت صحة نسب التغريدة إليه، وأكد ناشطون شيعة أن الأمير محمد اتصل بهم.

من جانبه، قرر وزير التعليم السعودي عزام الدخيّل، تشكيل لجنة عليا للتحقيق في أسباب نقل المعلمة من منطقة مكة، والتي تم تحويلها إلى العمل الإداري، لكونها شيعية، بحسب ما ذكر مقرّبون من المعلمة في مواقع التواصل، حيث ذكرت وسائل إعلام السعودية أنه تمت إعادة المعلمة إلى مدرستها مع تكليف لجنة عاجلة للنظر والتحقيق في أسباب نقلها.

أسباب اجتماعية
الإختصاصي الاجتماعي، محمود مروان، أوضح أن العنصرية بأشكالها المختلفة هي نتاج طريقة تفكير بدائية، وهي مرحلة تمر بها كل الشعوب أثناء تطور مكنوناتها الثقافية وانفتاحها الإنساني على الآخر، مشيرًا في حديثه لـ "إيلاف" إلى أنه وخلال فترة التعايش أو الاندماج ستظهر قطعًا حالات من التنافر والتعنَصر، لاسيما إن كانت ذات حس تنافسي، كما في المجتمع الرياضي، أو حدوث صراع أو أزمة، كما حدث في عاصفة الحزم أثناء التدخل الإيراني في اليمن.

وقال مروان إن العنصرية، والطائفية، هي من حقائق الحياة في المجتمعات المماثلة، وإنّ تصحيح هذا الواقع يتطلب إحداث توجه عام، فتغيير العادات يتطلب جهوداً كثيفة ومتواصلة، فهي بمثابة تقويض وإعادة تكوين.

مشيرًا إلى أن معالجة مثل هذه الحالات قضائيًا تخضع للاجتهاد الفردي، حيث لا يوجد قانون معتمد لهذه الأمور، ولن يكون مجديًا إلاّ توجه عام تتضافر في جهود كل المؤسسات، التعليم، والإعلام، وكل الفعاليات المؤثرة، من خلال غرس قيم احترام الذات والآخرين، والتي بدورها ستقضي على واقع التفرقة والتعالي.

قوانين ردع العنصرية
قانونيًا، مازالت المملكة من دون قانون يجرّم التمييز العنصري بشكل مباشر، إلا أن السعودية عضو في معاهدة الأمم المتحدة لمحاربة التفرقة العنصرية منذ العام 1979، كما يجرَم النظام الأساسي للحكم في السعودية في المادة 12 كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام. أما الإساءات الالكترونية فتدخل ضمن نظام مكافحة الجرائم الالكترونية،& ووزارة الداخلية هي المخوّلة باستقبال الشكاوى والتحقيق مع الأطراف القضية، فيما تصل عقوبة المدانين في هذه الجرائم إلى السجن 10 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ريال.

أحداث مدينة "الدالوة" في الإحساء، التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وراح ضحيتها ثمانية مواطنين من أتباع المذهب الشيعي، حركت المياه الراكدة في مجلس الشورى السعودي، حيث ظهرت مطالبات أعضاء لسنّ مشروع مستقل يجرّم الأفعال التي تهدد الوحدة الوطنية، مثل المذهبية والقبلية وأي تمييز عنصري للون البشرة، وكشف أعضاء في مجلس الشورى لوسائل إعلامية محلية، أنه تم تشكيل لجنة لوضع تصور شامل لأنظمة مقارنة تجرّم هذه الأفعال، مطبقة في دول عربية وأوروبية.
&