تعتمد القطارات السريعة على سائق واحد ونظام أمني مزدوج يضمن عدم حصول ما حصل للطيار الانتحاري اندرياس لوبيتز. بعض خبراء الأمن الجوي الألمان يفكر في نقل تقنية القطارات وتحويرها لتناسب أمن الطائرات.

ماجد الخطيب: ليس هناك نظام أمني يمنع حصول الكوارث 100% على الطائرات، أو على وسائط النقل العامة عمومًا، لكن النظام الأمني المعتمد في القطارات السريعة من طراز "آيس" (انتر سيتي اكسبريس)، التي ترتفع سرعتها إلى300 كلم/ساعة، لا يسمح للسائق بالانحراف أو تجاوز السرعة أو تجاوز أنظمة المرور. ويضمن هذا النظام عدم تدخل السائق، أو غيره، ممن يحاول عمدًا اخراج القطار عن سكته، أو الارتقاء بسرعته إلى حد يخل بثبات العربات.
&
بنظام تحكم مشابه
وتكشف حادثة القطار فائق السرعة في سانتياغو دي كومبوستيلا (اسبانيا) في 24 تموز (يوليو) 2013 عن وجود خلل في البرنامج الرقمي الخاص بالنظام الأمني في القطار تسبب بموت 79 شخصًا. فالقطار مزود بنظام رقمي للفرملة البطيئة عند المنعطفات، إلا أن القطار انزلق عن سكته عند الانعطاف بسرعة عالية.
تجاوز آخر جيل من قطارات آيس الألمانية هذه الثغرة، سواء تدخل السائق أم لا. رغم أن بعض هذه القطارات الألمانية تنطلق، بين المدن البعيدة، بسرعة عالية وهي محملة بعدد من الركاب يتراوح بين 700 و 1000 في نهاية الاسبوع.
هناك فروق كثيرة بين القطارت والطائرات، من الناحية الأمنية، لكن ليس هناك ما يمنع تزويد الطائرات بنظام تحكم مشابه لنظام القطارات، يمنع الطيار من تغيير مسار الطائرة أو سرعتها أو اتجاهها بدون وجود مبررات. فالقطارات تسير تحت رقابة دائمة من قبل مركز التحكم بالسكك، وهذا يشبه وضع الطائرات التي تجرى مراقبتها من الأبراج والأقمار الصناعية، وهذا يعني امكانية تزويدها بنظام أمني لا يسمح للطيار بالتلاعب ببرنامجها دون موافقة الأبراج.
&
ثابت لكل رحلة
يقود الطيار الطائرة بمساعدة مساعد الطيار وبدعم من تقنية فنية ما، إلا أن سائق القطار يقود قطاره بمفرده، وهذا يجعل مخاطر الأعمال التخريبية أكبر. الفرق هو أن سائق قطار آيس يمتلك نظامًا أمنيًا مزدوجًا، لا يستطيع التلاعب به أو مخالفته، لأن النظام مصمم للسكك التي يسير عليها، وعلى تلك المسافة المعينة بين مدينتين. وهذا يعني أن "مساعد سائق القطار" الإلكتروني عبارة عن نظام ثابت للرحلة التي ينفذها.
وبغير ارادة سائق القطار، يعمل النظام على فرملة العربات حالما يتجاوز القطار السرعة المحددة للرحلة، أو السرعة المحددة لجزء من الرحلة، لأن سرعة القطار تتغير مع تغير التضاريس وظروف النقل في المنطقة. ويفرمل النظام القطار تلقائيًا عندما يتجاوز القطار اشارة مرور معينة، أو يلاحظ تغيرات مناخية غير مناسبة للسرعة التي يسير بها، أو عندما يتجاهل السائق تساؤلات غرفة التحكم.
ويعمل النظام بواسطة مغانيط تعمل بمساعدة أجهزة استشعار دقيقة مدمجة بين عجلات القطار ومواضع معينة في السكك التي يسير عليها. ويجرى تثبيت هذه المغانيط على السكك قرب مواقع الاشارات، ومواقع تبديل السكك والمواقع الحساسة الأخرى، وينجح بالتبليغ عن اخفاق القطار أو تجاوزاته في الحال.
وهكذا، إذا تجاوز سائق القطار اشارة "قف" يعرف النظام وتعرف غرفة المراقبة. ومثل هذا النظام جدير بالنقل إلى الطائرات.
&
أمن مزدوج
تقول مديرية سكك الحديد الألمانية إن حادثة تصادم قطار سريع لنقل الأفراد مع قطار نقل بضائع قرب مدينة هوردورف في 2011، حصل لأن القطار السريع كان مزودًا بنسخة قديمة من هذا النظام. وقالت إن عشرة أشخاص لقوا حتفهم في الحادثة، إلا أن النسخة الأخيرة من النظام لن تسمح بذلك مستقبلًا، لأنه تم تزويد كافة القطارات الألمانية، بعد الحادث، بالنظام المزودج.&
يراقب النظام الأول مدى التزام القطار بشروط الرحلة المبرمجة سلفًا، ويفرمل القطار ويعدل حركته حسب البرنامج تلقائيًا. وهكذا يعيد النظام القطار إلى سرعة 180 كلم/ساعة إذا حاول السائق تجاوز هذه السرعة، ثم يقفز النظام الثاني عند فشل النظام الأول ويوقف كافة حركة القطار، بل ويشل كل نظامه الإلكتروني في قاطرة السائق، وبشكل لا يسمح حتى لسائق القطار بالتدخل.&
هذا لا يحدث عند محاولة السائق التلاعب بحركة القطار فقط، لأن من الممكن للنظام الثاني وقف القطار عن الحركة إذا حصل خلل اوتوماتيكي أو ميكانيكي في محركات القطار أو في عجلاته. المهم أيضًا أن النظام الأول يفرمل القطار أيضًا عندما يخطئ السائق في التعامل مع النظام، وقد يعمل النظام الثاني إذا تكرر الخطأ ويشل القطار، لأن هنا يرد احتمال وجود شخص آخر غير السائق يحاول التلاعب بنظام التحكم بالقطار.
&
زر الميت
تم تصميم النظام لفرملة القطار بالتدريج، بحسب سرعة كل قطار، وهي سرعة تقيسها أجهزة الاستشعار بين السكك والعجلات. أي قطار يسير بسرعة 300 كلم/ساعة بحاجة إلى مسافة 3 كلم حتى التوقف التام بعد كبس الفرامل، لكن قطارات آيس من الجيل الثالث تحتاج إلى نصف هذه المسافة فقط. ويعمل نظام الفرملة الاوتوماتيكي مع الأقمار الصناعية التي تراقب مسار السكك وتحذر الكومبيوتر في القطار خلال ثوان. هذا يعني أن القمر الصناعي يحذر القطار قبل 5 كيلومترات من موقع الخطر (سيارة توقفت على السكك كمثل) ويترك ما يكفي من الوقت للسائق، أو للفرامل الآلية للتدخل.
وزود التقنيون القطارات الألمانية السريعة بزر يسميه السائقون "زر الميت"، ينبغي عند حصول شيء أن يضغط عليه بين فترة وأخرى لمدة 30 ثانية. إذا لم يفعل ذلك ستذكره غرفة التحكم صوتيًا وضوئيًا بضرورة أن يفعل ذلك. إذا لم يفعل سينطلق النظام الأول في الحال ويبطئ من سرعة القطار، ثم يلي ذلك تدخل النظام الثاني. إن عدم تجاوب سائق القطار قد يعني غيابه، أو غيابه عن الوعي، أو عجزه عن التنفيذ بسبب أشخاص يهددونه.
&
كفاءة السائق
يشير ديسلر إلى أن النظام المزودج ليس ضمانة أكيدة 100% لعدم حصول شيء، لأن ذلك، كما في الطائرة الألمانية، يعتمد إلى حد بعيد على كفاءة السائق الجسمية والعقلية والصحية.
وتخضع الدائرة سائقي القطارات، حتى عمر 55 سنة، إلى الفحص الطبي كل ثلاث سنوات، ومرة كل سنة عند تخطيهم هذه السن. ولا يرى ديسلر مانعًا من تحوير نظام مشابه للطائرات، خصوصًا وان مصمم هندسة القطارات السريعة، ومصمم النظام المزدوج، هو ذات الشركة العملاقة سيمنز.&
لا يمكن لنظام شبيه أن يوقف الطائرة في الهواء أو أن يدفعها للهبوط في أي مكان، كما هي الحال مع القطار، لكنه يمنع الطيار من التحكم بسرعتها واتجاهها بحسب الرحلة المبرمجة في النظام. وفي الأقل لكان اندرياس لوبيتز سيعجز عن تغيير ارتفاع الطائرة فجأة ويعجز عن الهبوط بها بمثل هذه السرعة إلى صخور الجبل خلال 8 دقائق.
&
&