في حشد دبلوماسي وسياسي غير مسبوق، تستعد كل من الرياض وواشنطن، وهما الحليفتان "العتيقتان"، للمنازلة الكبرى الموعودة في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ولاية ميريلاند في 13 مايو (أيار) الحالي.&

نصر المجالي: خلال ستين عاماً من التحالف الاستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة، لم تشهد قمة ما من الاستعدادات واستحضار الأحداث والقرارات مثلما تجرى الاستعدادات له في عاصمتي البلدين في الفترة الراهنة.&

&
والقيادة السعودية التي لها مآخذ كثيرة على المواقف الأميركية في عهد إدارة أوباما، ذاهبة مع القيادات الشقيقة في مجلس التعاون الخليجي إلى قمة كامب ديفيد وفي يدها هذه المرة أكثر من موقف وأكثر من ملف، في خطوة تشير إلى عزم الرياض على مواجهة الإدارة الأميركية بكل التفاصيل ووضع الأوراق جميعًا على طاولة البحث، حيث واشنطن هي الأخرى تستعد بملفاتها.&
&
حشد عربي&
&
تذهب القيادة السعودية إلى قمة كامب ديفيد، ومعها حشد عربي مهم، ففضلاً عن شقيقاتها الخليجيات، كانت الرياض في الأيام الأخيرة وجهة قادة عرب كبار تصدرهم العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي انضم إلى نادي التحالف العربي ليضيف إليه زخماً جديداً، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي شكل منذ البداية عنصراً مهماً في بناء هذا التحالف، هذا مع احتمال زيارة وشيكة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.&
&
وفي إطار هذا التجهيز، يلتقي قادة دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثاء 5 مايو (أيار) في قمة تشاورية متفردة هذه المرة بالملفات المطروحة أمامها، وهي أول قمة من نوعها تعقد في الرياض في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز كملك.
&
وبالطبع، فإن ملفات قمة كامب ديفيد المنتظرة حاضرة بقوة على أجندة (التشاورية) التي سيشارك فيها للمرة الأولى زعيم أوروبي كـ(ضيف شرف) هو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وفي ذلك رسالة مهمة إلى إدارة أوباما توحي بأن دول الخليج قادرة على توسيع دائرة تحالفاتها، التي ظلت الى حد كبير متمحورة مع واشنطن.
&
هناك قضايا كثيرة ومتعددة وساخنة و"معقدة" تنتظر البحث والسجال في قمة كامب ديفيد الأميركية ـ الخليجية، بعضها عليه اتفاق مثل التحالف الراهن في الأزمة اليمنية والتحالف الدولي ضد تنظيم (داعش)، ولكن البعض الآخر عليه خلاف واسع، ولعل من أبرز ملفات هذا الخلاف موضوع الاتفاق النووي مع إيران، وسياسات واشنطن في سوريا والصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.
&
أجوبة مقنعة&
&
القيادات الخليجية الذاهبة لواشنطن، ذاهبة بقوة إلى المواجهة مع الرئيس الأميركي في كامب ديفيد، وهي تريد ليس أجوبة وتبرير مواقف منه حول الملفات الساخنة، التي في الأساس مصلحة استراتيجية أميركية فيها قبل أن تكون مصلحة خليجية بالدرجة الأولى، رغم مخاوف هذه الأخيرة من غموض الموقف الأميركي في شأن البرنامج النووي الإيراني والتقارب مع طهران.&
&
وتريد القيادات الخليجية من الإدارة الأميركية تأكيداً واضحاً وصريحاً وعملياً، بالتالي بأنها لن تسمح لإيران الساعية لتوسّع إقليمي بتطوير سلاحها النووي أو يخفف الضغط السياسي والاقتصادي عنها مما يعطيها مجالا أكبر لدعم أطراف عربية تعمل لها بالوكالة في اليمن، سوريا والعراق ولبنان.
&
اتهامات وتساؤلات&
&
بالمقابل، فإنه يتعين على القيادات الخليجية أن تكون جاهزة للرد على الكثير مما في جعبة محادثهم الأميركي من تساؤلات ملغومة و"اتهامات"، وهنا يبرز إلى السطح، كما سربت مصادر أميركية، الملف الذي ظل يؤرق الولايات المتحدة طويلاً، وهو ملف علاقة الدول الخليجية بهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.&
&
وتداولت الأروقة الدبلوماسية الأميركية ووسائل الإعلام الأميركية هذه المسألة بقوة في الآونة الأخيرة، وذلك بعد أن ظنّ الكثيرون بأنها طويت وتم تجاوزها منذ فترة طويلة لصالح توطيد العلاقات بين الولايات المتحدة، والدول الخليجية.&
&
أما ثاني هذه الموضوعات فهو مرتبط بالموضوع الأول، وهو اعتزام أوباما توجيه سؤال لقادة دول الخليج عن الإجراءات التي اتخذتها بلدانهم لوقف تمويل الجماعات الإرهابية وتشجيع بعض الشباب للانخراط في القتال مع هذه الجماعات.&
&
وهنا يشار إلى أن الرئيس الأميركي كان وجه اتهامًا علنيًا خلال اجتماع مع الرئيس الإيطالي لدول خليجية بأنها تقف وراء تأجيج أعمال العنف في ليبيا، وبديهي أن توقيت إطلاق هذه التصريحات قبل أقلّ من ثلاثة أسابيع على القمة، يثير القلق ويستدعي الإجابة عليه من جانب هذه الدول.&
&
الجبهة الأميركية&
&
على الجبهة الأميركية، تحشد إدارة أوباما نفسها على كل المستويات لـ(المنازلة الكبرى) المنتظرة في كامب ديفيد مع القادة الخليجيين، فقد سرّبت تقارير بأن مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات اجتمعوا&لبحث الملفات التي ستكون على الأجندة. واستباقاً للقمة، فإن اوباما كلف وزير خارجيته جون كيري الذهاب إلى الرياض للتحادث مع نظرائه الخليجيين لاستعراض الملفات التي ستتصدر جدول أعمال القمة.&
&
وقالت تقارير إن كيري سيقدم حزمة من القرارات التي تأمل إدارة اوباما أن تكون مرضية للشركاء الخليجيين الذين كما ذكر تقرير لصحيفة (نيويورك تايمز) لوحوا بتخفيض مستوى مشاركتهم في القمة إذا لم تكن النتائج مرضية لهم.&
&
وقال التقرير إنه محتمل أن يشارك الأمير محمد بن نايف بدلاً من الملك سلمان في أعمال القمة، إذا احسّت المملكة أن القمة ستفضي إلى قرارات لا تلامس طموحها.&
&
حلفاء خارج الناتو&
&
ما يرشح من معلومات عن مشاورات الكواليس التي تجرى راهناً في واشنطن يشير إلى أن الإدارة الأميركية تدرس مجموعة من الخيارات العملية لطمأنة الحلفاء (أمنياً) ضد أي تهديد إيراني محتمل، بدءاً من البعثات التدريبية المشتركة للجيوش الأميركية والعربية وتصعيد مبيعات الأسلحة وصولاً إلى توقيع "معاهدة دفاع مشترك".&
&
مثل هذه المعاهدة، محتمل أن لا يصادق عليها الكونغرس، فضلاً عن خشية معارضة إسرائيل، لكن تقرير صحيفة (نيويورك تايمز) يشير إلى خيار عملي آخر وهو الإعلان عن عضوية المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة "حليفًا رئيسيًا خارج حلف الناتو".&
&
ومثل هذا الخيار سيخفف القيود على مبيعات الأسلحة كما أنه تعريف يقصُر قليلاً عن مسمى "معاهدة دفاع" وهو يمنح عدداً من المزايا العسكرية التي لا تتوفر إلا لحلفاء حلف شمال الاطلسي.
&
يشار هنا إلى أن دولتي البحرين والكويت حازتا في أوقات سابقة بالفعل على هذه العضوية، حيث كان الرئيس السابق جورج دبليو بوش منحها للكويت العام 2004 بعد أن دعمت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، كما كانت مملكة البحرين حصلت عليها العام 2002 باعتبارها مقر الأسطول الخامس للبحرية الولايات المتحدة.&
&
أما الخيار الآخر، فهو يتمثل بنموذج للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان الذي كان تم توقيعه بعد الحرب العالمية الثانية، وهو يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان إذا تعرضت لعدوان خارجي، ولكن ليس للتدخل في الشؤون الداخلية إذا ما تعرضت لأية أعمال عسكرية من جانب معارضيها.&
&
موقف كارتر&
&
وإلى ذلك، فإنه في إطار الاستعداد وتصميم الموقف الأميركي خلال القمة المنتظرة، فإن وزير الدفاع اشتون كارتر التقى قبل أيام مجموعة مختارة من الخبراء في شؤون الشرق الأوسط للتشاور معهم حول ما يمكن فعله عملياً لاسترضاء وطمأنة الحلفاء الخليجيين الذين يخشون من نتائج الاتفاق النووي مع إيران التي تصعّد من تدخلاتها في الشؤون الداخلية لعدد من دول الشرق الأوسط.&
&
وقالت صحيفة (نيويورك تايمز) إن الوزير كارتر يريد أن يعرف "كيف من الممكن إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بأن أميركا لن تسلم مفاتيح البيت الخليجي ومن ورائه محور آسيا".&
&
وفي الختام، تنقل الصحيفة في تقريرها، عن انتوني كوردسمان الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قوله: "إن لائحة التحديات المطروحة على قادة السعودية والكويت والبحرين والامارات وسلطنة عمان وقطر "معقدة جداً".