لطالما كُتب عن الإعلام أنه رسالة سامية، لكن في ظل خوف الموظفين الإعلاميين من خسارة وظائفهم ومن شح المردود المالي، أي دور للمهنيّة الإعلاميّة في مسار الإعلاميين في لبنان؟.

بيروت: لم يستطع نحو خمسة عشر موظًفًا صرفوا أخيرًا من تلفزيون عربي يبث من جونيه من المطالبة بمستحقاتهم بسبب تعاقدهم مع المحطة، علماً ان الصرف تم لأسباب ماليّة وإداريّة.

ومن أبرز المعوقات التي تقف أمام المهنيّة الإعلاميّة في لبنان موضوع المردود المالي وخوف الإعلامييّن من خسارة وظائفهم ما يدفعهم إلى الابتعاد عن المهنيّة الإعلاميّة والانجرار وراء ما تطلبه سياسة الصحيفة.

وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوضع الماديّ الذي يعيشه الإعلاميّ نرى أن صحيفة النهار قامت في العام 2009 بطرد أكثر من 55 موظفًا من الصحيفة لأسباب ماليّة وإداريّة، وفي العام نفسه قامت إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بطرد عدد من الإعلاميين أيضًا.

وهكذا في ظل الوضع المادي الذي يعيشه الإعلاميّ، بات من الصعب عليه أن يخالف سياسة الصحيفة، وأصبح مضطرًا في أحيان كثيرة أن يبتعد عن المصطلحات المهنيّة.

تدني الرواتب

ويؤكد عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج صدقة، إنه "رغم العوائق، لا يزال الإعلام اللبنانيّ يتمتع ببعض عناصر القوة مثل الحرية التي تميّز بها لبنان تاريخيًا، لكنها باتت اليوم في أيدي أصحاب المؤسسات وليس الصحافييّن، وغالبًا ما يستخدمها أصحاب المؤسسات لأغراض مختلفة كليًا عن أهداف رسالة الصحافة، إضافة إلى العنصر البشريّ المتفوّق، لكنه ليس محصنًا وهو فريسة الإغراءات نظرًا إلى تدنّي الرواتب والظروف السيّئة التي يمر بها الوطن والمؤسسات الإعلاميّة.

و"ثمة عنصر أخير يتمثّل في أن المؤسسات الإعلاميّة اللبنانيّة، من دون استثناء، مصابة بعجز ماديّ كبير إلى حد أنها باتت غير قادرة على تأمين توازنها المالي من مداخيلها الذاتيّة، أي أنها في حال بحث دائم عن ممولين، مع ما يعني ذلك من تبعية وفقدان المهنيّة.

التقويم المهني

ويرى الإعلامي عادل مالك& في حديثه لـ "إيلاف" "أن أي عامل ضغط على الإعلاميّ يسقطه فورًا من سلم التقويم المهنيّ، وتحكّم إعتبارت شخصيّة معيّنة ببعض رجال الإعلام يُلغي دور هؤلاء من أجل الحفاظ على وظيفتهم على حساب قناعاتهم، ويلجأون إلى استخدام لغة فيها ممالقة لصاحب المؤسسة الإعلاميّة.

وعلى الصعيد العملي، أضاف مالك، فإن تحويل الإعلام عن مساره العام إلى مسار شخصيّ يؤدي إلى خطأ جسيم في المجتمع اللبنانيّ ككل، لذلك الإعلام يتحمّل مسؤولية كبيرة جدًا سلبيًا وإيجابيًا بخاصة خلال السنوات العشرين الأخيرة، حيث كان الإعلام في السابق محترمًا أكثر، غير أنه مع بدايات الحرب الأهليّة في لبنان، تغيّرت كل المفردات وقاموس التعاطي بين الإعلامييّن أنفسهم، وبين الإعلامييّن وجمهورهم، ويجب إجراء طريقة تقويم جديدة والانطلاق بفكر نيّر وإلا نحن كإعلامييّن، عن قصد أو غير قصد، نشوّه الصورة ونبني أجيالاً تقوم على الخطأ، والخلل مستمر في مجتمعنا وينعكس ذلك على الحياة السياسيّة في لبنان.

الابتعاد عن الموضوعيّة

أما الإعلامي علي الأمين فيرى أيضًا في حديثه لـ"إيلاف" "أن الطمع الوظيفي والمادي لدى بعض الإعلاميين والخوف من خسارة وظائفهم يدفعهم في الكثير من الأحيان إلى الابتعاد عن الموضوعية، إذ يعتبر الإعلامي أن هذا هو مدخل الترقي السريع، فلا ينظر حينها إلى الموضوعيّة والمهنيّة، لان مسارها طويل ومكلف، بمعنى أن هدف الإعلامييّن بات تحصيل المكاسب السريعة، ولا يهتمون بصورتهم إنما بالكسب السريع، خصوصًا أن وضع البلد يعزّز ذلك، اذ لا يشار إلى أهمية الإعلاميّين الموضوعيين والمهنيين إلا بعد وقت طويل، ولكن على مستوى المؤسسة الإعلاميّة التي يعملون فيها فإن من يواجه هذا المصير صاحب طريق صعب وقد لا يُعطي هذا المنحى من السلوك أهميّة، ما يعزز من نماذج الإعلامييّن الذين يستخدمون العبارات البعيدة عن المهنيّة، حيث الاستعراض يبقى سيد الموقف.