يتوقع مراقبون أن يتمخض اللقاء الخليجي - الأميركي في كامب دايفيد عن معاهدة ترفع مستوى العلاقات الأمنية التاريخية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة من الشراكة إلى التحالف.&

لندن: تتساوى فرص نجاح وفشل قمة كامب دايفيد الخليجية - الأميركية المتوقعة في 14 أيار (مايو) المقبل، حين يستضيف الرئيس باراك اوباما، قادة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لبحث سبل تعزيز العلاقات السياسية وتعميق التعاون الأمني. فالأمر متوقف على وعي الادارة الأميركية لمأزق العلاقة مع دول الخليج، ولأهمية أن تقدم للخليجيين تعزيزًا كبيرًا لعلاقتها الأمنية والعسكرية معهم، من خلال اتفاق لا يقل شأنًا وتأثيرًا استراتيجيًا عن اتفاقها النووي مع إيران.
&
خروج من عنق الزجاجة
&
في تقرير عنوانه "في الميزان: مستقبل الاستراتيجية الدفاعية الأميركية وتوزيع القوى في الخليج"، أصدره المجلس الأطلنطي في آذار (مارس) الماضي، أجرى بلال صعب، الزميل الباحث في أمن الشرق الأوسط في مركز برنت سكوكروفت المختص في الأمن الدولي في معهد أتلانتيك، وباري بافل، نائب رئيس ومدير المركز نفسه، برنت سكوكروفت المختص في الأمن الدولي في معهد أتلانتيك، دراسة مختصة لهذه الاستراتيجية، التي تبدو مأزومة نوعًا ما، في ظل سعي أميركي حثيث إلى حل مشكلة النووي الإيراني العالقة منذ زمن طويل. وفي ملحق للدراسة، بعنوان "ما بعد كامب دايفيد: استراتيجية تدريجية لتعزيز الشراكة الأمنية الأميركية&- الخليجية"، قيّم الباحثان بصورة شاملة وتفصيلية المخاطر والمخاوف والفوائد والفرص المتصلة بمعاهدة تعزز هذه الشراكة، فأوصيا باعتماد مقاربة تدريجية في هذا الاطار، ترفع مستوى العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والخليج بشكل يقلل المخاطر، ويوصل أوباما إلى تحقيق هدفه، وهو إقناع نظرائه الخليجيين بقبول الاتفاق النووي بين مجموعة 5 + 1 وايران عبر طمأنتهم إلى أن أي اتفاق نهائي مع ايران لن يضعف الشراكة الاميركية ـ الخليجية، التي يمتد تاريخها عشرات السنين، ولن يسمح لإيران بتوسيع نفوذها في المنطقة عن طريق العنف على حساب الأمن الاقليمي والمصالح المشتركة، ولن يؤدي إلى تراجع جذري في التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة.&

معاهدة دفاع مشترك
&
وكانت غالبية الدول الخليجية ودول عربية مهمة أخرى في المنطقة مثل مصر والاردن، أبدت مخاوف جدية من التوصل إلى اتفاق مع إيران لا ينهي قدرتها على انتاج سلاح نووي، ولا يحد من عربدتها التي تقوض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.&
&
لكن اوباما، في الوقت الذي حاول تبديد هذه المخاوف، حذر ايضًا في مقابلة مع نيويورك تايمز في 15 نيسان (ابريل) من عدم إغفال مصادر أخرى تهدد الأمن في دول الخليج، قائلًا: "أكبر التهديدات التي تواجهها قد لا تأتي من غزو ايران بل من التذمر داخل بلدانها". واشار اوباما إلى أن على الولايات المتحدة أن تقيم توازنًا بين ردع ايران ضد الاعتداء على جاراتها، وتشجيع الاصلاح في دول الخليج، مع تعزيز التعاون الأمني بينها وبين هذه الدول.
&
وكان المجلس الاطلنطي اقترح في دراسة نشرها في آذار (مارس) الماضي، عقد معاهدة دفاع مشترك بين الولايات المتحدة والدول الخليجية الراغبة، بهدف توطيد الاستقرار الاقليمي وتقديم ضمانة أمنية للشركاء الخليجيين، وإضفاء قدر أكبر من المصداقية والقوة على الردع الاميركي ضد ايران، والمساعدة في منع ايران من خرق أي اتفاق نووي معها، وإعادة العلاقات الاميركية الخليجية إلى سكَّتها، وزيادة احتمالات موافقة الكونغرس على الاتفاق النووي مع ايران، والمساهمة بقسط كبير من إعادة إصطفاف القوة الاميركية في منطقة الخليج لدوافع استراتيجية.&
&
من الشراكة إلى التحالف
&
باختصار، تهدف المعاهدة المقترحة إلى رفع مستوى العلاقات الأمنية التاريخية بين الدول العربية الراغبة والولايات المتحدة، من الشراكة إلى التحالف.&
&
وتربط الولايات المتحدة تحالفات كهذه بالدول الأعضاء في حلف الأطلسي، وكوريا الجنوبية والفيليبين واليابان واستراليا ونيوزيلندا، وجملة بلدان أخرى في العالم. وسيتضمن الحلف الدفاعي المقترح، بحسب البنود التي ينص عليها، التزامًا مهمًا جدًا من الولايات المتحدة بالاستقرار والأمن الاقليمي، لا سيما أن الشعب الاميركي تعب من النزاعات وسفك الدماء وهدر الموارد في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، بحسب المجلس الأطلنطي مشيرًا إلى أن هناك بجانب هذه العوامل مخاطر محددة يجب دراستها والتصدي لها.&
&
فإن إقامة حلف دفاعي يمكن أن يشكل خطرًا أمنيًا على الولايات المتحدة، لأن دخول إيران في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع أي دولة خليجية سيُلزم الولايات المتحدة قانونيًا، وفق بنود الحلف الدفاعي، بالتدخل عسكريًا ضد القوات الايرانية لمساعدة هذه الدولة الخليجية على صد الاعتداء. ويمكن أن يكون رد الفعل الايراني حربًا شاملة غير أن اختلال ميزان القوى العسكرية، كمًا ونوعًا ضد ايران، سيكون عاملًا مهمًا في دفع طهران إلى التحلي بضبط النفس. لكن ايران تستطيع ضرب المصالح الاميركية في المنطقة بصورة غير مباشرة من خلال الوكلاء والأساليب الارهابية.&
&
الاعتماد على أميركا
&
الخطر الآخر يكمن في أن الولايات المتحدة، يمكن أن تتورط في حروب طائفية في الشرق الأوسط، ما قد يضر بالأمن الاقليمي ومصالح الولايات المتحدة، كما يرى المجلس الأطلنطي، مشيرًا إلى أن ايران قد تتفادى العمل العسكري المباشر ضد الدول الخليجية وتصعد بدلًا من ذلك أنشطتها لتقويض الاستقرار، بما قد يؤدي - كما في اليمن - إلى حرب بين وكلاء ايران ودول الخليج. وهذا بحد ذاته يمكن أن يتصاعد إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع ايران. وسيكون هذا السيناريو أشد تعقيدًا للولايات المتحدة، لأنه يمكن أن يُفضي إلى تدخل اميركي آخر لا تُعرف نهايته في الشرق الأوسط.
&
كما أن الحلف الدفاعي يمكن أن يعمق اعتماد دول الخليج امنيًا على واشنطن، ويعرقل إجراء الاصلاحات الأمنية والدفاعية اللازمة. فإن واشنطن تريد من شركائها العرب أن يبنوا قدراتهم العسكرية الذاتية لحماية دولهم.&
&
ومن المحاذير الأخرى أن حلفًا دفاعيًا مع بعض الدول الخليجية وليس كلها، يمكن أن يضعف موقف واشنطن متعدد الأطراف من مجلس التعاون الخليجي ويعمق الخلافات بين اعضاء المجلس.
&
ويشير المجلس الأطلنطي إلى أن عقد حلف دفاعي مع الدول الخليجية الراغبة، يمكن أن يتحدى العلاقات الأمنية الاميركية مع اسرائيل ومصر والاردن. وسيتعين على واشنطن أن تقنع هؤلاء الشركاء التقليديين بأنها لن تتخلى عنهم.&
&
ويمكن للحلف الدفاعي أن يرتد على اطرافه ويدفع ايران إلى التخلي عن التزامها بالاتفاق النووي واستئناف أنشطتها لانتاج سلاح نووي. فايران إذا وجدت نفسها مطوقة بدول لديها قدرات عسكرية تقليدية كبيرة، واحلاف دفاعية مع الولايات المتحدة، قد تجد أن الوسيلة الوحيدة الناجعة لبقاء النظام هي الخيار النووي.&
&
المكاسب
&
تبين دراسة السياسات الخارجية للدول الخليجية خلال العقود الماضية انها لا ترتكب اعمالًا استفزازية أو تنخرط في حروب تجر الولايات المتحدة اليها ضد مصالحها الوطنية. النزاع في ليبيا واليمن قد ينم عن اتجاه جديد نحو استخدام القوة العسكرية، لكن هذا ليس مؤشرًا إلى اعتماد نهج صقري أو هجومي جديد من جانبها.&
&
وخلافًا لتعميق الاعتماد الأمني على واشنطن، فإن الحلف الدفاعي يمكن أن يزيد التكامل بين القوات العسكرية والمشاورات السياسية ـ العسكرية والتدريبات المشتركة التي من شأنها كلها أن تقوي القدرات الخليجية وتقلل تدريجيا اعتمادها على واشنطن.&
&
كما أن عقد حلف دفاعي مع دول خليجية لديها ترسانات من أحدث الأسلحة في العالم، هو في المحصلة النهائية مكسب للولايات المتحدة. فالتحالف مع دول خليجية ذات قدرات عسكرية متطورة ليس من شأنه إلا تعزيز أمن الولايات المتحدة، وخدمة أهداف سياستها الخارجية في المنطقة، كما يرى المجلس الأطلنطي.&
&
ويمكن للحلف الدفاعي مع دول الخليج أن يسهم في إعادة الاستقرار إلى منطقة تعمها الفوضى، ويقلل احتمالات جر الولايات المتحدة إلى حرب اخرى في الشرق الأوسط. وسيضيف مثل هذا الحلف مصداقية إلى جهود الردع ضد أي نيات تبيتها ايران لخرق الاتفاق النووي.&

التصدي لإيران
&
كذلك، من شأن الحلف الدفاعي مع دول الخليج أن يساعد في التصدي لايديولوجيا ايران التوسعية، والحد من تنامي قدراتها العسكرية. فإن رفع العقوبات عن إيران سيتيح لها رصد موارد لبناء قدراتها العسكرية، وهذا يتطلب تعاونًا امنيًا وعسكريًا أمتن بين الولايات المتحدة ودول الخليج.&
&
كما يشكل الحلف الدفاعي رادعًا كبيرًا ضد أي اعتداءات ايرانية محتملة. فان مثل هذا الحلف سيدفع القادة وصانعي القرار الايرانيين إلى التفكير أكثر من مرة قبل الإقدام على أي مغامرات عسكرية في مواجهة اعداد كبيرة من القوات الاميركية العاملة في قواعد أو من قواعد في منطقة الخليج بموجب الحلف الدفاعي.&
&
وسيعمل الحلف الدفاع على تقليل المجاهيل الاستراتيجية، ويساعد على اشاعة الاستقرار في بيئة أمنية اقليمية خطيرة بعد انتهاء الاتفاق النووي مع ايران. فإن تحالفًا اميركيًا ـ خليجيًا يشمل توفير مظلة نووية اميركية قد يكون أفضل خيار لمنع انطلاق سباق تسلح نووي في المنطقة.&
&
ومن فوائد الحلف الدفاعي مع دول الخليج، منح واشنطن مرونة هي بأمس الحاجة اليها، من أجل وجود عسكري في المنطقة، مستدام سياسيًا ومتين تكتيكيًا وحَسَنُ الانتشار جغرافيًا وقوي عملياتيًا.&
&
ويمكن للحلف الدفاعي مع دول الخليج أن يساعدها على تعزيز اندماج المنطقة بالاقتصاد العالمي. فإن توطيد أمن هذه الدول من خلال الحلف الدفاعي سيزيد الحوافز المشجعة للاستثمارات الأجنبية والتنويع الاقتصادي. وسيتيح الحلف لدول الخليج أن تخفض انفاقها العسكري ورصد موارد اكبر لتنويع اقتصاداتها.&
&
استراتيجية تدريجية
&
تُشير الدراسة المتأنية للمخاطر والمكاسب والفرص المرتبطة باقامة حلف دفاعي بين الولايات المتحدة ودول الخليج إلى ضرورة اعتماد واشنطن استراتيجية تدريجية في ما يتعلق برفع مستوى علاقاتها الأمنية مع الدول الخليجية الراغبة. ويمكن أن تبدأ هذه الاستراتيجية باعلان رسمي في ختام قمة كامب ديفيد، يكون بمثابة بيان متعدد الأطراف ملزِم سياسيًا، تتعهد فيه الأطراف على المستوى السياسي بالمساهمة في الدفاع عن بعضها البعض ضد أي اعتداء. ويمكن أن تُتخذ خطوة لاحقة تتضمن التزاما عسكريا متعدد الأطراف مع استحداث آلية سياسية ـ عسكرية استشارية تُسمى المجلس الاميركي ـ الخليجي، وقيادة مشتركة. وأخيرًا يمكن أن تكون الخطوة الأخيرة معاهدة دفاع مشترك ملزِمة قانونيًا، كما يقترح المجلس الأطلنطي.&
&
وهكذا يمكن اعتبار دعوة الرئيس أوباما قادة مجلس التعاون الخليجي إلى منتجع كامب ديفيد تمهيدًا لقمة يعقدها المجلس الاميركي ـ الخليجي. ويمثل هذا المقترح تطويرا كبيرا للشراكة الأمنية في وقت حرج.&
&
وبعد صدور الاعلان في ختام القمة، يمكن أن تبدأ الولايات المتحدة العمل مع شركائها الخليجيين على التحرك نحو التزام رسمي متعدد الأطراف. وستتطلب هذه الخطوة عملًا كبيرًا من المؤسسات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية والخليجية، وستعتبر تقدمًا كبيرًا نحو إرساء الشراكة الاميركية ـ الخليجية على اسس ثابتة، في بيئة سمتها عدم الاستقرار، وفي مرحلة انتقال تاريخي يمر بها النظام الدولي.&
&
الخلاصة
&
إلى جانب المخاوف والمخاطر التي ترتبط بمشروع الحلف الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، لعل الانتقاد الأهم الذي يمكن أن يوجه إلى المشروع هو انه سيكون نافلًا وقد لا يكون له مبرر حقيقي. فإذا تعرضت أي دولة خليجية لاعتداء إيراني لن تحتاج الولايات المتحدة إلى وثيقة للتدخل عسكريًا من أجل الدفاع عن اصدقائها.
&
والمعروف عن الولايات المتحدة تحركها في حالات عديدة منها حرب الخليج في 1991، إذ لم تكن الكويت مرتبطة بمعاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، لكن عندما أقدم صدام حسين على غزو الكويت تدخلت واشنطن بحسم وقوة وطردت جيوشه من الكويت.&
&
مع ذلك، لن يكون حلف الدفاع المشترك مجرد قصاصة ورق، بل سيكون آلية ملموسة ومرئية وجادة حقًا تستطيع الولايات المتحدة من خلالها أن تساعد على تحقيق الاستقرار في منطقة حيوية استراتيجيًا للعالم والاقتصاد العالمي. وسيمثل مثل هذا الحلف رسالة وحدة اميركية ـ خليجية واضحة وقوية إلى ايران ويسهم في طمأنة دول خليجية مهمة فقدت الثقة بالارادة السياسية الاميركية.&
&
ليس هناك حل فوري أو علاج سحري لمواجهة التوسع الايراني الذي يعود إلى الثورة الاسلامية في 1979. لكن باشاعة مناخ سياسي ايجابي بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، باقتراح اوباما أو من يأتي بعده أي خيار من الخيارات اعلاه، ستتعزز الثقة ممهدة الطريق إلى تعامل منهجي وتعاوني مع التحدي الايراني غير المتناظر.&
&
ستكون قمة كامب ديفيد الاميركية ـ الخليجية لحظة محفوفة بالمخاطر، ومترعة بما يضاهيها من مكاسب، بحسب المجلس الأطلنطي. ويُسجل للرئيس اوباما دعوته إلى القمة. لكن ما لم يتعامل اوباما مع قمة كامب ديفيد بالجدية التي تستحقها، فإن هذه الفرصة التاريخية يمكن أن تتحول بسرعة إلى كابوس دبلوماسي يدفع الشرق الأوسط إلى مزيد من الفوضى وانعدام الاستقرار.&