تطرق الأمير تركي الفيصل في مقابلة صحافية إلى عملية التحديث التي تشهدها السعوديّة، ودورها الاقليمي، وموقفها من إيران، بالاضافة الى العديد من القضايا.

إعداد عبد الاله مجيد: أكد الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود في مقابلة صحافية أن اختيار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لولي العهد وولي ولي العهد كان بمباركة من مجلس البيعة وبموجب النظام الأساسي للحكم في المملكة.

تولى الأمير تركي الفيصل رئاسة المخابرات العامة منذ العام 1977 ولغاية 2001، وعمل سفير المملكة العربية السعودية في بريطانيا، ثم في الولايات المتحدة. وبادر الى إنشاء مؤسسة الملك فيصل ويتولى رئاسة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية.

ولفت الأمير إلى أنّ المعيار لتقييم الأفراد في السعودية هو الأداء وليس العمر. واشار إلى أن تدخل إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن تزايد في عهد الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الذي ينفذ على الأرض سياسات سلفه أحمدي نجاد في المنطقة.

وكانت التغييرات التي أجراها الملك سلمان شملت ولي العهد السابق الأمير مقرن ووزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل.

وفي هذا الشأن، اوضح الأمير تركي في حديثه لمجلة دير شبيغل الألمانية أن شقيقه الأمير سعود الذي تولى ادارة الدبلوماسية السعودية نحو 40 عاماً "سيواصل الاشراف على السياسة الخارجية من منصبه الجديد" مؤكدًا أن "خبرته الواسعة ستكون أداة بيد الملك سلمان الذي يحدد السياسة الخارجية لتوجيه العلاقات مع الدول الأخرى".

خلل لدى خامنئي

وعمّا ذهب اليه المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي من أن "شبانًا تنقصهم الخبرة تولوا شؤون الدولة" في السعودية، استغرب الأمير تركي تصريح خامنئي لافتًا الى أن "وقوع شخص بخبرته في مثل هذه النظرة الازدرائية يعني أن هناك خللاً في تفكيره. وأن من ينقل اليه الأخبار، اياً يكن، ينقل اليه معلومات خاطئة أو معلومات مضللة".

الملك يقود الشؤون الداخلية والخارجية

وحول قيادة شاب مثل الأمير محمد بن سلمان (30 عامًا) عمليات التحالف العربي في اليمن بصفته وزيراً للدفاع، قال الأمير تركي "نحن يقودنا الملك، وهو لا يوجه العملية العسكرية في اليمن فحسب، بل كل الأمور المهمة في الشؤون الداخلية والخارجية".

وأعاد الأمير تركي التذكير بأن "الملك سلمان أصبح حاكم منطقة الرياض في سن الثامنة عشرة، والملك عبد العزيز بدأ حملته لتوحيد المملكة في سن الثامنة عشرة". واضاف أن الأفراد في المملكة "يُقيَّمون على أساس الأداء وليس العمر".

الآخرون ذهبوا الى اليمن لقهره

وعن سبب التفاؤل بآفاق تطور الوضع في اليمن، حيث فشل تدخل جمال عبد الناصر إبان الستينات، وبعدما فشل تدخل السوفيات في افغانستان إبان الثمانينات، اجاب الأمير تركي "أن الآخرين ذهبوا الى اليمن بهدف قهره، وفي الحقيقة أن هذا بدأ مع الرومان. ونحن هدفنا اليوم إعادة ما جُرد من اليمن بأعمال الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح". ولفت الأمير تركي الى أن "العملية نالت دعم مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ومجلس التعاون الخليجي والشعب اليمني".

التسوية الناجحة في اليمن سياسية

وتطرق الأمير تركي في حديثه لمجلة شبيغل الى طلب الحكومة اليمنية الشرعية من الأمم المتحدة ارسال قوات برية والنتائج التي يمكن على اساسها اعتبار العملية ناجحة، قائلاً "أنا لا أعتقد بأن هناك حدودًا زمنية. فالرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي طلب دعمًا دوليًا، والهدف الذي حدده تحالف دول مجلس التعاون الخليجي زائد مصر والاردن الى جانب دول أخرى، حمل جميع الفرقاء السياسيين في اليمن، بمن فيهم الحوثيون، على المشاركة في تسوية سياسية. فالحملة لم يكن لها قط هدف عسكري بل هي مشروع سياسي".

عاصفة الحزم حققت أهدافها

وعما حققته الحملة الجوية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، حيث ما زال الحوثيون يسيطرون على مناطق واسعة والوضع الانساني يزداد تردياً، بحسب مجلة شبيغل، قال الأمير تركي الفيصل "أنا لا أعرف من أين تستقون معلوماتكم ولكن من يتابع تصريحات المتحدث باسم التحالف سيعرف أن الحوثيين تراجعوا في عدن وتعز والحديدة ومناطق أخرى".

وشدد الأمير تركي على "أن مجلس الأمن الدولي أدان الحوثيين وأن السعودية وحلفاءها يواصلون دعمهم لدعوة الرئيس هادي الى استئناف الحوار الوطني بين جميع الأحزاب اليمنية، بما فيها الحوثيون". واضاف "أن على الحوثيين إعادة كل الأسلحة التي سرقوها من الجيش اليمني وإخلاء جميع المدن التي سيطروا عليها بالقوة والافراج عن جميع السجناء الذين أخذوهم قبل السماح لهم بالمشاركة في الحوار".

تدخل إيران باليمن باعترافهم

وسُئل الأمير تركي عمّا يتوفر من ادلة تثبت تدخل إيران في اليمن وإرسال شحنات من الأسلحة الى الحوثيين، فأجاب قائلاً "إن هناك على يبدو ضعف نظر لدى الحكومات الغربية والاعلام الغربي بشأن التدخل الإيراني. فحتى خلال قتال الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد الحوثيين، عرض أسلحة مهربة من إيران. وعندما تولى الرئيس هادي مهام عمله ضُبطت سفينة محملة بهذه الأسلحة وقبل ايام قليلة عُرضت بطاقات هوية عائدة الى افراد في الحرس الثوري الإيراني وعسكريين وقعوا في الأسر".

وأضاف الأمير تركي معلقًا على النفي الإيراني قائلا "أليس هذا متوقعًا منهم؟ فهم ينفون حتى وجود قوات لهم في سوريا. وان الرئيس حسن روحاني حيا في كلمته بمناسبة ذكرى التأسيس، الدعم الإيراني، كما قال، لشعوب اليمن وسوريا ولبنان والعراق. وأنا أعتبر ذلك دليلاً على انه نفسه أصدر موافقته على هذا النوع من الدعم".

السياسة الإيرانية لم تختلف بين روحاني وسلفه

وردًا على سؤال مجلة شبيغل عن امكانية حدوث تقارب سعودي إيراني على ضوء المستجدات السياسية الاخيرة، ومنها مجيء روحاني ورحيل سلفه المتشدد محمود احمدي نجاد، وتعيين قيادة جديدة في السعودية، والاتفاق النووي مع إيران، قال الأمير تركي: "عليكم أن تطرحوا هذا السؤال على الرئيس روحاني. فهو عندما اصبح رئيساً تحدث عن تحسين العلاقات مع السعودية ولكن على الأرض يبدو انه قام بتوسيع سياسات احمدي نجاد في المنطقة. فإن تدخل إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن تزايد في عهد الرئيس روحاني. ونحن من الجهة الأخرى قلنا علنًا، في عهد الملك عبد الله وعهد الملك سلمان، اننا نريد علاقات طيبة مع جيراننا. من جهة السعودية، فإن يدنا ممدودة والباقي على الإيرانيين".

الإعلام الإيراني يبث العداء للعرب

وردًا على اشارة شبيغل الى أن "اعلام السعودية مليء بمشاعر العداء لإيران"، قال الأمير تركي "هل نظرتم الى الصحافة الإيرانية؟ هناك أكثر من 20 قناة اذاعية وتلفزيونية تبث الكراهية والذم ومشاعر العداء للعرب الى العالم العربي. وإذا كان هناك مظهر عداء تجاه إيران في اعلامنا فهو مفهوم".

السعودية لطالما دعمت القضايا العربية

وعمّا إذا كان في نية السعودية زعامة العالم العربي، أجاب الأمير تركي قائلاً: "نحن لم ننظر الى أنفسنا قط كقيادة أحادية في العالم العربي بل كنا دائما نعمل مع بلدان أخرى. والعملية الأخيرة في اليمن مثال على ذلك".

وحول دور السعودية في انهاء الحرب الأهلية اللبنانية باستخدام الدبلوماسية للوصول الى اتفاق الطائف، وعلى النقيض من ذلك تحركها في اليمن كقوة عسكرية، ذكر الأمير تركي أنه "في عام 1960 عندما أعلن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الكويت جزءًا من العراق، شاركت السعودية في قوة ارسلتها الجامعة العربية الى الكويت". أضاف: "كما ارسلنا قوات بعد حرب الأيام الستة عام 1967 الى الاردن وفي الحرب العربية الاسرائيلية عام 1973 الى سوريا، ناهيكم عن قوات الردع العربية في لبنان عام 1976. وفي عام 1991 كان ضابط سعودي هو الأمير خالد بن سلطان من قاد التحالف العربي الاسلامي خلال حرب تحرير الكويت الى جانب الجنرال نورمان شورازكوف من الجانب الاميركي. إن قدرة المملكة واستعدادها للمشاركة في حملات عسكرية لدعم البلدان العربية متوفرتان منذ البداية".

سوريا وتنظيم "فاحش"

وانتقل الحديث الى سوريا وخطر تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" حيث سُئل الأمير تركي عما إذا كان يستطيع أن يستبعد وجود دعم سعودي أو على الأقل مواطنين سعوديين أفراد دعموا داعش. ورد الأمير تركي قائلا "أنا استبعد ذلك تماما، حتى على مستوى الأفراد. فنحن طبقنا ما لعله أشد الضوابط في العالم على أي تبرعات تخرج من المملكة. وجمعنا النظام الاميركي ونظام الأمم المتحدة في انظمتنا المصرفية وانظمة تحويل الأموال هنا في المملكة. وفي السابق لاحقنا وسجنّا اشخاصًا لدعمهم تنظيم القاعدة. وإذا تلقى "فاحش"، كما أُسمي هذا التنظيم، أي تبرعات فردية فان من يدعي ذلك يجب ان يكون قادرًا على ان يقول لنا من هم هؤلاء. ولكن الاستمرار في القول بأن امراء وشيوخاً وشخصيات من السعودية وقطر والامارات العربية المتحدة تبرعوا لهذا التنظيم دون دليل، أمر غير مقبول".

وعن ادعاء "فاحش" تطبيق الشريعة وتفسيره القرآن بطريقة متطرفة، قال الأمير تركي "انهم يبحثون عن مبرر. وهم يفعلون ذلك بسرقتهم مني ومن المسلمين عموماً ديننا ومفهوم الجهاد الذي هو تعبير مشرف عن الايمان بالله من خلال منع النفس من القيام بأعمال سيئة. وهم يسرقون مفهوم الدولة. انهم ليسوا دولة بل يسيئون الى هذه التقاليد لا أكثر".

المملكة سائرة الى الامام

وكان الملك فيصل والد الأمير تركي أعلن قبل نحو 50 سنة إلغاء الرق وبادر الى تعليم البنات مدشنًا مسيرة التحديث التي واصلها ملوك السعودية من بعده.

وفي هذا الشأن، قال الأمير تركي "إن المملكة سائرة الى الأمام، وهي دائما تسير الى الأمام. فالملك سلمان خدم الملك عبد العزيز والملك سعود والملك فيصل وخدم في عهود الملك خالد والملك فهد والملك عبد الله. وهو ركن من اركان الاصلاحات التي جعلت المملكة ما هي عليه اليوم. وإذا كان هناك مثال على انتقال شعب من مرحلة الى أخرى من مراحل التطور الاجتماعي والسياسي فخذوا& الالمان كمثال. فإن 70 عامًا فقط مرت منذ كانت المانيا تحت حكم النازيين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم. وأين المانيا اليوم؟ انهم قطعوا شوطاً بعيدًا. ونحن ننظر الى الداخل كل يوم لنرى ما نفعله. ونحاول أن نتعلم من أخطائنا ونحسن أداءنا. وهذا لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها. ولكنه يتحقق".&