التسريبات الأميركية التي تقول إنّ واشنطن قد تضطر إلي نقل 5 آلاف جندي من القوات البحرية والمارنيز من الأسطول الخامس، المتمركز في البحرين إلى دولة أخرى، بزعم أن المنامة تنتهك حقوق الإنسان، تبدو مجرّد زوبعة في فنجان، فالعملية ليست سهلة والبديل يبدو غائبا.


زايد السريع: منذ العام 1995 والأسطول الأميركي الخامس، يتخذ من المياه الإقليمية لمملكة البحرين قاعدة له، وذلك وفقا لاتفاقية عسكرية بين الطرفين بعد حرب الخليج الثانية، حيث وقعت المنامة وواشنطن في أكتوبر من العام 1991، اتفاقاً عرف باسم "التعاون الدفاعي" وبعدها بسنتين اتخذت القيادة المركزية للبحرية الأميركية، مقرا لها في مملكة البحرين التي تعد من أوائل الدول العربية التي أقامت تعاوناً عسكرياً مع الولايات المتحدة.
&
هذا الأسبوع، كشفت تسريبات إعلامية أميركية أن الكونغرس الأميركي أرسل ملاحظات إلى البحرين مفادها، أن واشنطن قد تضطر إلي نقل 5 آلاف جندي من القوات البحرية الأميركية والمارنيز من الأسطول الخامس، وذلك بزعم أن المنامة تنتهك حقوق الإنسان، وانه إذا لم يكن هناك إصلاحات سياسية جادة من قبل الحكومة البحرينية، ستضطر وزارة الدفاع الأميركية للتخطيط لاحتمالية نقل الأسطول الخامس الأميركي إذا استمرت التوترات السياسية في البحرين.
&
ملاحظات الكونجرس جاءت من خلال مقترح تشريعي مرره& النائب هانك جونسون تحت عنوان "تفويض الدفاع الوطني"، حيث طالب مشروع القانون من وزارة الدفاع التخطيط لنقل محتمل للأسطول الخامس، في حال استمرار التوترات السياسية، وقالت تسريبات اعلامية، إن هدف المشروع الذي مرره جونسون والذي يعتبر احد ثلاثة ممن يدينون "بالبوذية" في الكونجرس، هو توفير ضغط مباشر على النظام الملكي في البحرين للاستجابة لما يعتبرونه مظالم مشروعة للطائفة الشيعية.

إلا أن المعطيات تشير إلى أن الأميركيين يعرفون بوسائلهم وأذرعهم المتعددة في البحرين والمنطقة عموما أن مايسمى بالمعارضة في البحرين إنما هي من نسيج واحد وطيف واحد هو نفسه الذي يتحرك الآن في اليمن وقبل ذلك في لبنان والعراق.

وهذا مايجعل الأمر أكثر تعقيدا من مجرد قانون يمرره الكونغرس أو يغامر به "البنتاغون" لأسباب أخرى سيأتي ذكرها.

الكثير من ردود الأفعال الرسمية وغير الرسمية صدرت حيال هذا التطور، وفيما رفضت الحكومة البحرينية التعليق مباشرة على هذا المقترح التشريعي، عبر مسؤول بحريني رفيع المستوى عن استياءه من التدخل في كيفية إدارة شؤون الدولة الخاصة، حيث نقلت صحيفة المونتير الأميركية عن مسؤول بحريني فضل عدم ذكر اسمه قوله "ليس هناك شك في العلاقة بين الدولتين، وقد تم تأسيس العلاقة الدفاعية لحماية البلاد من التهديدات الخارجية وللحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وليس لهذا أي علاقة بالشؤون الداخلية للبحرين".
&
وسائل إعلام غربية علقت على المقترح التشريعي مشيرة إلى انه يتناقض مع تصريحات الأدميرال جون ميلر، نائب قائد الأسطول الخامس، والذي قال في ديسمبر 2014 إن توسعة قاعدة الأسطول بلغت كلفتها 580 مليون دولار تضمنت إقامة قاعدة موانئ لاستيعاب السفن القتالية الجديدة وذلك على مساحة سبعين فدانا من ميناء سلمان شرق العاصمة المنامة، فضلا عن مرافق مختلفة ومركز عمليات وميناء ومساكن للأفراد ومبان إدارية، وهو ما يعني فترة تشغيلية أطول.

يضم الأسطول الخامس، حاملة طائرات أميركية وعدداً من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من سبعين مقاتلة، إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزويد بالوقود، وتشير تقديرات رسمية إلى أن عدد البحارة الأميركيين المتمركزين في البحرين يربو عن 5000 بحار، فيما يقدر عدد السفن التابعة لسلاح البحرية الأميركي والراسية في البحرين بثلاثين سفينة، فيما يتبع الأسطول لسلاح البحرية الأميركي، ويصفه خبراء أميركيون بأنه أكثر الأساطيل الأميركية الاستراتيجية أهمية في منطقة الخليج.
&
وتتلخص مهام الأسطول الخامس في تأمين إمدادات النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية، ومراقبة إيران عن قرب، والردع السريع إذا ما حاولت إغلاق مضيق هرمز، والإشراف على العمليات العسكرية في الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي كما يشارك الأسطول وبشكل مباشر في العمليات العسكرية في كل من العراق وأفغانستان، ومكافحة الإرهاب والقرصنة في المياه الدولية.
&
إلى ذلك، نشر ديريك دافيسون الباحث والكاتب في الشؤون الدولية والسياسة الأميركية، تقريرا مطولا في صحيفة "لوغ بوب" تحت عنوان "انسحاب الأسطول الخامس" قال فيه بغض النظر موضوع "حقوق الإنسان" والذي قد لا يعتبر موضوعا مهما دائما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية لاسيما في الأوقات الحاسمة، إلا أن المشكلة الأكبر بكثير هي أن لدي واشنطن خيارات ضئيلة جدا، فيما يتعلق بإيجاد موقع جديد للأسطول، كما انه في أحسن الظروف سيكون الانتقال مكلفا ووباهظا وقد يستغرق سنوات.
&
وتناول دافيسون الخيارات والمواقع المتقرحة قائلا: "إذا استبعدنا سلطنة عمان وهي الدولة القريبة من إيران، فان خيارات مثل الكويت أو الإمارات أو قطر أو السعودية هي بعيدة، لاسيما إنها تتشابه في معطياتها السياسية مع البحرين وهي دول تعترف بتقصيرها في قضايا حقوق الإنسان وهي في سباق مع الزمن للإصلاح، عبر تبنى الإجراءات والقرارات في هذا الصدد".

وأضاف "وإذا نظرنا إلى خارج منطقة الخليج، فإن قائمة الخيارات لن تكون متفاضلة، فمصر لديها مشكلات في حقوق الإنسان، واليمن مضطرب سياسيا وامنيا".

كما أوضح دافيسون، أن جيبوتي ربما تكون الأنسب منطقيا، لكن المشكلة تكمن في أن مهام أفريقيا قد تم نقلها للقيادة الأميركية الإفريقية، وبالتالي سيواجه الأسطول الخامس تحديات لوجستية كبيرة، لاسيما أن القيادة الإفريقية باتت مسئولة عن 53 بلدا أفريقيا، مشيرا إل أن القارة الأفريقية كانت مقسمة قبل 2008 إلي ثلاث قيادات، وهي "القيادة المركزية" وتتبع لها مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا، و"قيادة المحيط الهادي" وتتبع لها مدغشقر وأرخبيل "سيشيل" وشواطئ المحيط الهندي المطلة على أفريقيا و"القيادة الأوروبية" وتتبع لها بقية دول البر الأفريقي، قبل أن تكون جميع تلك الدول تحت مسؤولية "القيادة الإفريقية"، وهو ما يستحيل معه استيعاب الأسطول الخامس.
&
وختم ديريك تقريره بالقول "في الحقيقة، لم يصوت مجلس الشيوخ بعد على قانون "تفويض الدفاع الوطني" وليس من المؤكد على الإطلاق أن مشروع القانون الذي سيتم تمريره سوف يتضمن هذا البند.

وحتى لو تواجد فيه هذا البند فإن المشكلة الأكبر هي الخيارات الضئيلة فيما يتعلق بإيجاد موقع جديد للقيادة المركزية للبحرية الأميركية، كما انه سيكون مجرد "خدعة تضاف إلى تردد إدارة أوباما& في انتقاد البحرين عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان"، بحسب وصف الكاتب.
&
تجدر الإشارة إلى انه في يوليو من العام 2011، نفت وزارة الدفاع الأمريكية، الأنباء التي تحدثت عن إمكانية انتقال جزئي للأسطول الخامس بسبب الاضطرابات التي اندلعت في العاصمة المنامة حينها، حيث قال مصدر رسمي بوزارة الدفاع الأميركية، إنه لا توجد نوايا لنقل الأسطول، وأن جميع ما يقال لا يعكس وجهة نظر وزارة الدفاع.

كان موضوع انسحاب الأسطول الخامس أثير لأول مرة، في فبراير 2011 تزامنا مع الاضطرابات التي حدثت في البحرين حيث برزت تسريبات إعلامية وخصوصا من التيار المحسوب على إيران في المنطقة تفيد بان الإدارة الأمريكية تبحث في نقل الأسطول إلي قطر أو الإمارات بسبب الاضطرابات في البحرين بحسب وصف تلك التسريبات.