تدعو صحيفة نيويوركر الأميركية إلى الاتعاظ مما حصل في العراق حتى الآن، وعدم المراهنة على الجيش العراقي المفكك، قائلةً إن مشكلة أميركا الوحيدة اليوم هي مشاركة الشيعة في استعادة الأنبار.

بيروت: "هكذا نحصل على سلاحنا، فالعراقيون يستجدون أميركا لتزودهم بأفضل الأسلحة، وهم يتركونها لنا في مخازنهم حين ينسحبون". هذا ما قاله مقاتل من مقاتلي تنظيم (داعش) في شريط مصور، نشر على مواقع جهادية يوم سقطت الرمادي، &عاصمة الأنبار العراقية، تم تصويره في مركز للشرطة العراقية وقع في قبضة الدواعش، ويُظهر صناديق ذخيرة وأسلحة أميركية وسيارات همفي عسكرية تبدو بحال ممتازة، وكأن الجيش العراقي لم يستخدمها يومًا.

الانبار الفتاكة
بحسب صحيفة "نيويوركر" الأميركية، ليس سقوط الرمادي هزيمة لحكومة بغداد وحدها، بل هزيمة لحليفيها إيران والولايات المتحدة ايضًا، علمًا أن كوابيس مشاة البحرية الأميركية في الأنبار ما زالت ماثلة في الأذهان، إذ فتكت هذه المحافظة السنية بنحو 1300 عنصر من هؤلاء المشاة.
وعندما سلم الأميركيون الرمادي للجيش العراقي في 2008، كانت المدينة تتمتع بأمن مقبول نسبيًا، حتى أن الكثير من عناصر المارينز حضروا احتفال التسليم بلا سلاحهم الفردي. إلا أن هذا الاستقرار لم يتحقق إلا بعد سفك الكثير من الدماء، العراقية والأميركية.
وبحسب نيويوركر، إلى جانب الموصل التي سيطر عليها داعش في حزيران (يونيو) الماضي، الرمادي هي ركيزة التنظيم الثانية في العراق، وإلى الغرب منها تعبر سيطرة التنظيم الحدود السورية العراقية حتى ضفاف نهر الفرات، وصولاً إلى غوطة دمشق. كما يبيّن سقوط الرمادي بصورة جلية سوء الورطة التي أقحمت الولايات المتحدة نفسها فيها، حين قررت تنفيذ حملتها الجوية على مواقع التنظيم.

بشائر
لاح بعض التفاؤل الحذر في القليل من الأشهر الماضية، فقد استعاد العراقيون في آذار (مارس) &مدينة تكريت بتغطية جوية أميركية. وفي الأسبوع المنصرم، قتلت غارة جوية أميركية أبو علاء العفري، الذي تناقلت أوساط الجهاديين أنه يتمتع بسلطات واسعة النطاق في التنظيم، بعدما أقعدت غارة من غارات التحالف أبا بكر البغدادي، مؤسس داعش وخليفة دولته الاسلامية.
والسبت الماضي، نفذ فريق من القوات الخاصة الأميركية عملية خاطفة في سوريا، فقتلوا أبا سياف، مدير عمليات تهريب النفط التي تمول أنشطة التنظيم، واختطفوا زوجته المسؤولة عن تجنيد نساء في داعش، وقتل عاملة إغاثة أميركية.
كل هذه كانت إشارات على أن الوقت ملائم لاستعادة الموصل من داعش، وهي العملية التي قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إنها ستبدأ صيفًا. وعندما زار حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، البيت الأبيض في خلال الشهر الماضي، رأى المسؤولين الأميركيين متحمسين لما تحقق ميدانيًا، وقدموا للحكومة العراقية 200 مليون دولار أميركي لمساعدتها على المزيد من التقدم.

الخطأ الفادح
إلا أن سقوط الرمادي بلمحة بصر خلال عطلة نهاية الأسبوع دليل على أن التفاؤل بقدرات حكومة بغداد خطأ فادح، والتعويل على الجيش العراقي رهان خاسر، إذ أثبت أنه مؤسسة متصدعة وغير مؤهلة.&
في حزيران (يونيو) الماضي، زحف داعش من سوريا إلى شمال العراق فتفكك الجيش العراقي سريعًا وانهارت دفاعاته وفرّ جنوده. إلا أن الولايات المتحدة واصلت رهانها على إعادة بناء الجيش العراقي وتحويله إلى قوة فعالة. والنتيجة أن هزيمة الرمادي أثبتت صعوبة هذا التحدي.
إلى ذلك، وفي تحليل ميداني، تقول "نيويوركر" إن معظم المناطق الآهلة في الأنبار وقعت تحت سيطرة داعش، "وأصبحت قاعدة الأسد التي كانت في الأمس مسرحًا لغالبية عمليات الجيش العراقي والأميركي وحيدة في الصحراء".
وتنقل الصحيفة عن جيسيكا لويس ماكفاتي، مديرة الأبحاث في معهد دراسات الحرب، قولها إن سقوط الرمادي عامل تغيير في اللعبة، "وستنهار البقية الباقية من الثقة في نفوس جنود قوات الأمن العراقية".
أما في بغداد، يواجه العبادي خيارين أحلاهما مرّ: خسارة الأنبار لصالح داعش، أو غض النظر عن الحشد الشعبي الشيعي ليغزو الأنبار السنية، تحت ستار طرد داعش، والخيار الثاني سينفّر سنة العراق ويوسع الهوة بينهم وبين الحكومة الاتحادية.
&
إلى أين؟
إلا أن نيويوركر تقول إن السبب الرئيس وراء معارضة أميركا لاستخدام الحشد الشعبي الشيعي في استعادة الأنبار هو أنها لا تريد أن تتحول الحملة ضد داعش إلى حرب طائفية، لأن ذلك هو العمود الفقري لحملة التحالف الدولي ضد داعش، والذي تشارك فيه دول سنية كثيرة، رغم تسليم الجميع بأن أي صراع في العراق وسوريا محدد بالحدود الطائفية.
ففي العراق، ترى نيويوركر أن الصراع يدور بين السنة والشيعة والأكراد. وفي سوريا، يدور الصراع بين معارضة ذات غالبية سنية ضد نظام تحكمه أقلية علوية، وفي كلا الدولتين، القوة الفعالة هي المعتمدة على الانتماء الطائفي.
تسأل نيويوركر: "إلى أين؟ فالعراق وسوريا دولتان صناعيتان قامتا على أنقاض رجل أوروبا المريض بعد الحرب العالمية الأولى، أي أنقاض السلطنة العثمانية، ولم يكن العصب الديني أو الطائفي متوترًا. أما اليوم، تغرق الدولتان في صراعات طائفية عميقة، ويبدو أن الشعور الوطني يتآكل حتى حدود العدم".
&